ورحل وردة الحداثة والنبل الشاعر عبدالله شابو

اليوم التالى: محمد اسماعيل
يعد الشاعر والمهندس عبد الله موسى إبراهيم الشهير بعبد الله شابو، والذي رحل عن دنيانا أمس، عميد شعراء السودان، كما قال الشاعر محمد المكي إبراهيم.. يمثل جيل الستينات الذي فرهد يساراً وعاش كل تحولات العالم السياسية والفكرية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وله تجربة ثرة في غربته الأكاديمية بالولايات المتحدة الأميركية، وهو صاحب ولع شديد بالشعر والثقافة الإسبانية وله مقاربات ومقارنات بين الشعر العربي والإسباني.و هذا شاعر أحد فرسانه، و لم لا، فقد أطلقوا عليه العبقري و أيقونة الشعر و عميد الشعر _ و قد صدقوا و أفلحوا – لما يتمتع به عبد الله شابو من موهبة و حس، و ثقافة و خبرة بالتراث و الواقع معاً٠
يمتلك طاقة هائلة وقد وظفها في رسم لوحاته الفنية في بساطة يتنقل في رحابها كالطير الصداح، يعزف لنا لحن الخلود مع الحياة هكذا
أليس هو القائل:
لو كان الحَزنُ دموعْ
لو أنّا بالعيِن نُحسْ
ما يبستْ في شَفةِ الشعرِ الغُنوة
لو كان الحزُن يشم
نَزَفت رئتاي الدّمْ
وطلعتُ عليكم
جمرُ الحُرقة يشوي كَفيّ
لكني أخجل أن تفضحني أَنّة
والدربُ طويل..
نشأته:
أنجبته مدينة الكوة على ساحل النيل الأبيض ودرس بمدرسة الكوة الأولية. وكوستي الأهلية الوسطى. والفنية. ثم الكلية المهنية حيث تخصص في هندسة التبريد.، ثم درس بالخرطوم ومصر وأميركا، وقد أجاد الإنكليزية والإسبانية التي أحبها حين أحب الشاعر الإسباني فديريكو غارثيا لوركا وقد ترجم لوركا إلى العربية.
قدم للشعر الكثير فهو رئيس نادي الشعر. ورئيس رابطة الكتاب السودانيين. ومؤسس لتجمع ابادماك الثقافي في أول السبعينات. تم تكريمه من قبل جائزة الطيب صالح العالمية كشخصية العام. 2015م
مجاليه :
زامل الأدباء عبد الله علي ابراهيم والراحل عيسى الحلو. وخالد المبارك. والشاعر محمد المكى ابراهيم والشاعر جيلي عبدالرحمن وتاج السر الحسن. عميد شعراء السودان :
صدرت له عن دار الهنا بالقاهرة 1968م، ديوان (أغنية لإنسان القرن الحادي والعشرين) ثم صدر له عن دار جامعة الخرطوم للنشر 1988م ديوان (حاطب الليل) وصدر له أيضاً ديوان (شجر الحب الطيب) ضمن مجموعته الشعرية التي نشرتها دار عزة للنشر والتوزيع 2004م، (أزمنة الشاعر الثلاثة)
إنسان يحدث نفسه:
وفي عام 2011م ، صدر له عن المجلس القومي لرعاية الثقافة والفنون ( إنسان يحدث الناس).
وشاعرنا عبد الله شابو. هو رئيس رابطة الكتاب السودانيين، ورئيس نادي الشعر السوداني باليونسكو.
بين اللغة والجمال :
هو صاحب مدرسة رومانسية واقعية يسبح بين لغة الجمال و أصالة التراث بكل المقاييس الفنية لبناء مراحل القصيدة داخل مسارات فلسفية جدلية٠
عانق تجربة الإبداع الفني بلغة تواكب حداثة العصر صورة و معنى و موسيقى، كما نطالع مطولاته التي يوظف الأحداث في التراث في تسابق ينم عن عمق الثقافة و مدى استيعاب حركة الحياة مع جماليات النص، كشف لنا دلالات الحكمة في مصداقية مؤثرة تتلازم شكلاً و مضموناً بظلال الواقع دائماً .. ألم يقل:
مْن ثُقبْ الشُبّاك تَداعَى صَوْتْ
شَهقةُ موسيقى
والصمتُ يُعِّرشُ في أرجاءِ البيتْ
ما أقسى أن تعرفَ لكنْ لا تَقوى أن تفعلْ
أن تُدركَ أنّ الوقتَ يَمرُّ ولا توقِفُهْ
فارغةٌ فارغةٌ كأسى والليلُ طويلْ
..حين نحدث عن شابو، نحدث عن قدرة الإنسان على الانتماء لذات الإنسان، عن قدرته على تطويع الغناء الغض السخي لخدمة الوجود، كأنه أدرك السر كله وذاع به في شعر لا تكاد تخطئة ذائقة نقية، وأن من لم تتخلله قصائد شابو لا بد مشكوك في قدرته على النظر إلى الجمال. شابو شاعر ربما صنعته الدهشة أو هو الذي يصنعها، والعارفون وحدهم من يستطيعون بلوغه وإدراك مراقيه. ولعلنا لم ندرك بعد أننا نملك مثل هكذا ثروة، ثروة يحدث عنها بنفسه ويدرك أننا لن نعلمها، يقول
: لربما ألقاكم غداً عند التقاء الساكنين في الحراك في الشارع الممتد للأبد/الآن لا أحد هنا…يطل من طفاوة الزبد وربما إلى الأبد/.
لكن بصيرة الشعر جعلت أيقونة الشعر السوداني (عبدالله شابو) يمد حواسه الشعرية في ظلمة الأحداث ليصطاد العبق والأريج وشذى العشق ليطرز منها أجمل القصائد والأشعار.
صياد الكلمات :
ببصيرة شاعر وصياد كلمات أسر شابو لجمهور الشعر بأسرار ذلك الزمان، غنى لـ(إنسان القرن الحادي والعشرين)، وتلمس (شجر الحب الطيب)، وغنى لامرأة أحبها دون أن يقع في حبها٠ ويقول: ( اكتشفت الشعر وأنا ألهج بالشعر وأنا صغير، وفي المدرسة تعلقت بالأغاني والأناشيد، كنت أحياناً ـ وفي تلك السن ـ ألهج ببعض الأشعار، وعلى حداقة كنت أحس أنها ساذجة، بيد أنها كانت (إرهاصاً) بأن (شاعراً) يتشكل ..وفي المدارس كنت جيداً في حفظ الشعر وفي إلقائه، وكنت مولعاً باللغة العربية واللغات، خصوصاً الإنجليزية، فكتبت بعض الأشعار في المدرسة المتوسطة، وفي السنة الثالثة من تلك المرحلة أرسلت لإحدى الصحف ـ لا أذكر اسمها ـ فنشرتها في باب (وجدانيات صرفة)، ويحرره الصحفي السوداني الشهير الراحل محمد الحسن أحمد.
كانت قصيدتي الأولى قصيدة حب، رغم أني لم أكن أحب أحداً، لكني كتبت للحب لأن الكلام عن الحب (ركز) داخلي نتيجة لاطلاعي على الأشعار في مختلف مظانها…هناك اهتممت بقراءة الشعر العربي القديم، بتوجيه من أساتذتي، ومن بين الأساتذة الذين ساهموا في توجيهي الشاعر شاكر مرسال، ومدير المدرسة الشيخ عبدالله الرشيد سنادة، والأستاذ يحيى حسين يعقوب الذي كتب (نوكيو) باللغة الإنجليزية، كان الجو العام يعدني لأكون شاعراً ومثقفاً).
ولقد فهم عبد الله شابو الحداثة كمعنى وليس مصطلحاً.. لذلك نجده من طليعة الشعراء الذين يكتبون الشعر ويقدمون النقد، وما ترجمته لأشعار لوركا إلا دليل على العمق الحداثي..
فهو القائل :
في هذا الصخب العام
يكفي أن تضغط زراً فيكون العالم بين يديك
حسناً ماذا أفعل بالعالم بين يدي
ماذا أفعل بالأشتات الهوجاء
ولماذا لا أمشي للأشياء
ألامسها أنصت أسمعها
تخبرني أن وجوداً آخر
تتناغم فيه الألوان الأهواء الأضواء
أن زماناً آخر
يتهادى هوناً حتى تكبر فيه الأشجار
يا من يعطيني كوخاً في الشط النائي
ويخرجني من صخب الضوضاء..
حين تقابله تطوي ابتسامته حواجز التعرف الأول، وتتساقط تواضعاً على أرض يجلس تحتها، فالشاعر”عبد الله شابو” (إنسان يحدث الناس) ابتساماً، عاش في بلاد الفرنجة ردحاً من الزمان وإن مدينة (الكوة) جاء منها الدكتور العلامة التجاني الماحي، صاحب أكبر المكتبات الخاصة، ومثله الأديب عمر الحاج موسى والتشكيلي موسى الخليفة و عبد الله شابو بالطبع آخرين . مدينة ذات مناخ يغري بالاطلاع والمعرفة، شابو شاعر لرمح جسماً وروحاً، حاد الانتباه والإصغاء، كلماته تصل صليل المكان فيستحيل سحراً وأسطورة وشجناً دؤوباً يغوص فى احزان وجودية لاسبيل إلى الإفصاح عليها ..كان يتربع على عرشه الشعري ويتألق بصلات واسعة مع المبدعين شباناً ومخضرمين، يقول: (إنّ البساطة والعمق في آنٍ هما غاية ما ينشده الشاعر)
فالصورة الشعرية التي يرسمها شابو، تتوافق مع روحه المرحة وتواضعه،و إنسانية تفيض رقة وعذوبة. شابو، مع حسه المرهف يتمتع بثقافة عالية، وإيمان بعظمة الإنسان، و تجد شعره ساحة لقاء بين شعرية واثقة، وخطاب يتجلى في قراءة النفس والتعبير عنها، بعيداً عن صناعة الشعر أو التكلف في نسجه، والبساطة عنوانه. الوعي عند الشاعر، في سياق التعريف بشاعر مختلف، ارتوى بالجمال، ففاض بحر شعره وانسكب على الطبيعة، الإنسان، الشجر، الحياة، الواقع، أزمنة إنسان القرن، الكتابة، سؤال الحداثة، سؤال النهوض. يضع شابو يده على الجرح بابتسامة صافية. يقبض على ناصية اللغة بإحكام الشاعر المجود ..رسم خارطة وجوده وكينونته بأصابع محبرة من مدامع الجرح، ودم أكتوبر الأخضر قدم له المجذوب نصيحته الذهبية التي وضعها نصب عينيه تاجاً يزين تجربته الإبداعية: (اقرأ من تأبط شراً حتى عبدالله الطيب).. قدم شابو مجموعة من الكراسات الشعرية الفصيحة بالعطر المزهو بما يأتي وما لا يأتي من مجموعاته الشعرية (شجر الحب الطيب، حاطب الليل، أغنية لإنسان القرن الحادي والعشرين، أزمنة الشاعرة الثلاثة، إنسان يحدث الناس) فوجد إطراءً من كبار النقاد وأساتذة النقد من الداخل والخارج.. إنه الكاتب للوطن والحب والهامس في أذن الفرح والجرح.. له الرحمة والمغفرة ..


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب