استيراد الوقود.. استخدم الصلاحيات لكسر المنافسة الحرة..!

الخرطوم: علي وقيع الله
ما أن غابت أزمة الوقود إلا وعادت بثوب جديد، هكذا تتجدد أزمة الوقود مع عدم استقرار الأسعار في البلاد، والتي تعتبر من أبرز الأزمات التي تواجه الاقتصاد الوطني، ما يلفت ذلك إلى عدم قدرة الحكومة على التأثير لتنظيم قطاع استيراد الوقود، الأمر الذي تسبب في إظهار تفلتات في أسعار الوقود من فترة إلى أخرى، في الوقت نفسه أفاد مختصون وخبراء اقتصاديون بأن غياب الرؤية الاستراتيجية ما بين الشركات القطاع العام والخاص سيما في مجال استيراد الوقود، وربما باتت سلعة الوقود في سوق المنافسة الحرة للمواد البترولية بعد تحرير المحروقات من قبل الحكومة تدار عبر النفوذ، مما أتاح للبعض الدخول إلى سوق استيراد الوقود لاكتساح الشركات والضغط عليها للخروج من سوق المنافسة.

حصر الشركات
في وقت كشف فيه رئيس اتحاد أصحاب العمل والمدير العام لشركة المقرن لاستيراد الوقود، هشام السوباط، عن وجود إشكاليات حقيقية في عملية استيراد الوقود، متمثلة في عدم وجود ضوابط محددة لشركات الاستيراد، إضافة إلى ذلك أن بعض الشركات غير مؤهلة ولا تمتلك مستودعات ومحطات لتخزين الوقود، وأشار إلى إفساح الحكومة المجال للشركات لاستيراد الوقود، ونفى هشام في تصريح صحفي، وجود أزمة في الوقود، وقال إنه متوفر بكميات كبيرة، مشيراً إلى عدم وجود زيادة جديدة في أسعار الوقود، موضحاً أن الأسعار تحدد بواسطة البورصة العالمية، وليست الشركات المستوردة، وكشف السوباط عن تكوين لجنة تضم وزارتي الطاقة والمالية واتحاد أصحاب العمل لحصر الشركات المستوردة للوقود ووضع ضوابط مشددة للاستيراد.

مسؤولية الحكومة
يقول الخبير في مجال النفط إسحق بشير جماع إن الإمدادات البترولية كانت مسؤولية الحكومة مباشرة ويتم استيرادها عبر مواردها بواسطة بنك السودان المركزي، وأوضح أن المنتجات البترولية أي الطاقة عموماً، سلعة استراتيجية في الاقتصاد ولا بد من التحكم في السعر النهائي للمستهلك وضمان احتياجات الاقتصاد فيها إذا ما أرادت الحكومة تحقيق نمو اقتصادي، وقال إنه مع مرور الزمن زاد الاستهلاك وكذلك زادت الفجوة في الاحتياجات، وأشار في تصريح لـ(اليوم التالي): الحكومة لجأت للاستعانة بالقطاع الخاص بترتيبات عائد متفق حولها، ولفت إلى أن عملية الاستيراد كانت تحت إدارة وزارة الطاقة متمثلة في استلام البواخر وتفريغها وتوزيع الوقود لمناطق الاستهلاك، وذكر من خلال تلك العملية نتجت بعض الممارسات في إدخال القطاع الخاص مباشرة في الاستيراد رغم أن السعر للمستهلك محدد بواسطة وزارة الطاقة، بالإضافة إلى بعض ممارسات القطاع الخاص في شراء الدولار من السوق الموازي، ويرى أن دخول مجموعات من القطاع الخاص مؤخراً في مجال الاستيراد والتوزيع المباشر أو عبر مؤسسة النفط لا يؤدي إلى استقرار الإمدادات البترولية سواء من حيث العرض والطلب كما في ظل الراهن.

أحقية الاستيراد
يقول وكيل في شركة وقود معروفة، فضل حجب اسمه إن هناك شركات وقود في البلاد لها القدرة على الاستمرار في استيراد الوقود وتوزيعه نسبة لمؤهلاتها، وأكد في حديثه لـ(اليوم التالي) أنه في السابق كانت مؤسسة النفط السودانية توزع حصة الوقود لكل الولايات وبحسابات التكلفة المعروفة، وأكد تراجع عمل مؤسسة النفط، وأشار إلى وجود ضعف في انسياب الوقود، ورجح أسباب ذلك المعاكسات التي تدور فيما يتعلق بالاستيراد في هذا التوقيت، مبدياً قلقه من حدوث أزمة جديدة في حال استمر أصحاب القرار في تبادل الاتهامات العدمية، دون ثبوت أي دليل على أحقية استيراد بعض الشركات للوقود.
مردود عليه
يقول الخبير الاقتصادي الدكتور الفاتح عثمان محجوب، إن الحكومة السودانية الانتقالية ورثت وضعاً سالباً من حكومة البشير في كيفية استيراد الوقود سببه آنذاك العقوبات الأمريكية المصرفية التي كانت تحول دون التعامل المباشر بين شركات الوقود المستوردة وبين الدول والشركات المصدرة للنفط، وأشار إلى أن حديث السيد هشام السوباط عن وجود شركات غبر مؤهلة بحكم عدم امتلاكها محطات وقود ومستودعات مردود عليه لأنها تؤجر تلك المستودعات من شركات أخرى، ومع ذلك تقدم وقوداً بأسعار معقولة، وقال الفاتح في تصريح لـ(اليوم التالي): أما حديث السيد هشام السوباط عن عدم وجود أزمة وقود ففيه قولان، لأن الجازولين فيه شح كبير في ظل الطلب الكبير عليه حالياً بسبب موسم الزراعة الصيفي خاصة في مشاريع الزراعة الآلية، وتابع: إلى حين قيام السودان بمناقصات عالمية لاستيراد الوقود فمن الضروري الإبقاء على كافة الشركات المستوردة للوقود لمنع الاحتكار وتحسين الأسعار خاصة وأن أسعار الوقود في السودان تعتبر الآن ضمن أعلى الأسعار في الإقليم.

جهات مقتدرة
يقول المحلل الاقتصادي الدكتور محمد الناير: الوقود من السلع الاستراتيجية والدولة لا بد أن تولي اهتماماً لهذه السلعة وأن تعمل على تنظيم استيرادها، وأضاف: في السابق كانت الدولة تتولى قضية الاستيراد والتوزيع بالكامل وفقاً لأسعار محددة، وتابع: لكن بعد رفع الدعم عن المحروقات والتعامل بالأسعار العالمية الدولة يفترض أن تراقب وتنظم هذه العملية ولا تتيح الفرصة إلا لجهات مقتدرة لديها القدرة على توفير هذه السلعة بصورة كبيرة، وشدد على ضرورة الالتزام بالأسعار المحددة باعتبار أن السعر لم يكن مفتوحاً لأي جهة تحدد وفقاً لما تريد من أسعار، وذكر أن هذا يتطلب التنسيق بين القطاعين العام والخاص، وأوضح أن القطاع الخاص يختص بالجهات التي تستورد الوقود، وأنه لابد أن تكون شركات لديها القدرة ولها أوعية تخزين، ويرى د. الناير عبر تصريح لـ(اليوم التالي) أن هذا الدور واجب على الدولة يكون لديها أوعية تخزين لكل الولايات الـ18، وقال في ظل عدم قدرة الدولة على ذلك يمكن إنشاء التخزين شراكة بين القطاعين العام والخاص وفقاً لقانون الشراكة العام والخاص المجاز ينشىء بواسطة شركات القطاع الخاص ومن ثم يكون هناك قدرة على التخزين لأن الوقود أحياناً أسعاره قليلة وهذه فرصة لشراء كميات إضافية وكبيرة باعتبار أنه يمكن تخزينه، ويشير إلى أنه في حال ارتفاع الأسعار هذا يساعد كثيراً في المخزون الذي تم شراؤه بأسعار مناسبة وقليلة، ويعتقد أن على الدولة تنظيم هذا الأمر ولابد أن تضحي بجزء من رسومها أو ضرائبها لتخفيف العبء عن المستهلك بصورة أساسية، ويتوقع أن ترتفع أسعار المحروقات في المرحلة القادمة بصورة كبيرة وسيكون على الأرجح الأفضلية لأي دولة لديها أوعية تخزين كافية ولديها القدرة على الشراء والتخزين قبل أن ترتفع أسعار المحروقات بصورة كبيرة قد يعجز معها المستهلك الداخلي إذا كان حدث إطالة أمد الحرب الروسية الأوكرانية والعقوبات التي تفرضها أمريكا وأوربا وروسيا التي تؤثر على كل دول العالم خاصة في مجال الطاقة المحروقات تحديداً.

المشتقات البترولية
فيما طالب الباحث الاقتصادي الدكتور هيثم محمد فتحي بتحديد رؤية إصلاحية شاملة تسيطر عليها الحكومة رقابياً على سوق المشتقات بعد فتح باب استيراد النفط أمام القطاع التجاري، وأقر بأنه كان للتعويم انعكاسات سلبية على سوق الوقود وانهيار قيمة الجنيه، وأشار في حديثه لـ(اليوم التالي) إلى أن يكون للمؤسسة السودانية للنفط دور في شراء المشتقات النفطية لتغطية احتياجات السوق المحلية من قبل الشركات والتجار المؤهلين والمعتمدين وفقاً للآلية ويتم اعتمادها من جميع الأطراف، وقال: يبنغي أن تكون جميع المشتقات البترولية تابعة للمؤسسة السودانية للنفط فور اكتمال تفريغها في الخزانات والمستودعات الحكومية، وتابع: لا يحق التصرف فيها أو توزيعها إلا من خلال الحكومة مما يضمن توفير المشتقات وتوحيد أسعارها في السوق، وإدارة توفير العملة الأجنبية الخاصة باستيرادها دون أي أثر سلبي على سعر العملة الوطنية، كما أمّن على ضرورة تنظيم سوق المشتقات النفطية وتوحيد أسعارها ومنع المضاربة بالعملات في سوق الصرف التي يحدثها مستورد النفط بجانب تخفيف المضاربة بالعملات الأجنبية وتخفيف الطلب على النقد الأجنبي عن طريق تنظيم الطلب عبر البنك المركزي. مزيد من الشروط يؤكد د. هيثم أنه يمكن تحقيق إيرادات لمؤسسة النفط السودانية نتيجة لقيامها بتوزيع وتنظيم بيع وشراء المشتقات النفطية محلياً وأيضاً تنظيم استيرادها، مشيراً إلى أن استيراد المشتقات البترولية لا بد أن يكون فقط عبر شركات وتجار مؤهلين، كما شدد على ضرورة وضع مزيد من الشروط التي يجب أن تتوفر في هؤلاء المستوردين مما يضمن الشفافية في استيراد تلك المواد البترولية.
مصالح أعضائه
يقول المحلل الاقتصادي الدكتور وائل فهمي البدوي: بالتأكيد إن اتحاد أصحاب العمل يدافع عن مصالح أعضائه القانونيين ببنيات أساسية لهم كمخازن الوقود وذلك بالمطالبة، وتابع: بمعنى أو بآخر من الضرورة إقصاء الشركات التي لا تملك البنيات الأساسية لتسويق سلعة الوقود (الاستراتيجية للغاية) والتي يقال إنها لا تملك مخازن للتخزين والتصريف (المباشر بأسعار قد تكون مخفضة عند ضعف التصريف بسبب عدم توفر التخزين لها)، ويرى أن ممثل أصحاب العمل هو محق في قوله بضعف أو تخلف ضوابط دخول الواردات للسوق المحلية (المطلوب حمايتها من الإغراق وأيضاً لحماية أسعار صرف العملات الأجنبية بضبط الطلب عليها)، وقال في حديثه لـ(اليوم التالي): نرى هذه الأيام من صفوف متطاولة للمركبات الخاصة وللخدمة العامة للمواطنين بمحطات التعبئة، ويفيد بأن اقتصاد السودان الهش لا يحتمل إضعاف حركة الاقتصاد الإنتاجية بإضعاف توفر الوقود لمجرد سعي مختلف الشركات للتربح المرتفع خاصة مع تقلبات أسعار الوقود عند مستوياتها المرتفعة (فوق الـ100 دولار للبرميل) عالمياً في ظل استمرار الحرب الاقتصادية الروسية الأوكرانية والأوربية والأمريكية الحادة الآن، وأكد في وقت يحتاج فيه الاقتصاد السوداني كل دقيقة عمل لكل عامل من أجل الإنتاج للتغلب على أزمات اختلالات الاقتصاد القومي لأسبابها السياسية إلى جانب أزمة الغذاء (الذي تتوقعه الأمم المتحدة بالسودان) في مواجهة أكثر من 18 مليون سوداني، وطالب مؤسسات الحكومة المختصة بالطاقة والاقتصاد أن تتوفر لها استراتيجية واضحة وصارمة لانتظام توفر الوقود عند تقلبات الطلب المحلي عليها بمختلف الأسعار، وحيث يكون المدى الزمني لتعبئة المركبات بمحطات الوقود بالكفاية التي تقررها كل مركبة كما هو حاصل بكل دول العالم المنظم لأسواقه اللانهائية لديهم.

 


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب