حكومة النيل الأزرق.. عوامل النجاح

*
النذير إبراهيم العاقب
*
حتم اتفاق السلام السوداني الموقع في العشرين من أكتوبر 2020م إعطاء إقليم النيل الأزرق الحكم الذاتي، والمعروف دولياً بأنه نظام سياسي وإداري واقتصادي يحصل فيه الإقليم على صلاحيات واسعة لتدبير شؤونه بما في ذلك انتخاب الحاكم والتمثيل في مجلس منتخب يضمن مصالح الإقليم العامة.
الأمر الذي يحتم على حكومة الإقليم العمل الجاد المفضي إلى وضع الخطط المستقبلية الكفيلة بتحقيق أكبر قدر من التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالإقليم والنهوض به من وهدته، وذلك عبر تطبيق الأسس الفاعلة لإنزال مبادئ ومقومات وأساسيات الحكم الرشيد على أرض الواقع، ومن خلال القرارات بشأن الفاعلية العظمى في تحقيق تلك المطلوبات وتنظيمها، لاسيما أن الحكم الرشيد يعتبر صفة معيارية وتقييمية لعملية الحكم، وإنه عملية تقوم بموجبها المؤسسات العامة بتسيير الشؤون العامة وإدارة الموارد العامة وضمان إعمال حقوق الإنسان.
وبالرغم من أنه لا يوجد توافق دولي بشأن تعريف الحكم الرشيد حتى الآن، إلا أنه يمكن أن يستوعب ضرورة احترام الحكومة المنوطة بتحقيقه الكامل لحقوق الإنسان وسيادة القانون والمشاركة الفعالة والشراكات المتعددة مع الجهات الفاعلة، وأهمية تطبيق التعددية السياسية في حكم الإقليم، فضلاً عن خلق قطاع عام يتصف بالكفاءة والفعالية والشرعية، والوصول إلى المعارف والمعلومات والتعليم والتمكين السياسي والمساواة والاستدامة والحرص على المواقف والقيم التي تعزز المسؤولية والتضامن والتسامح.
ولا شك أن حكومة إقليم النيل الأزرق في أمس الحاجة لاتباع ذاك النهج من الحكم، المرتبط ارتباطاً وثيقاً بتطبيق الأسس السياسية والمؤسسية الضرورية لتحقيق أهداف التنمية. ويكمن ذلك في مدى وفاء الحكومة بوعد الالتزام بحقوق الإنسان، أي الحقوق المدنية والثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
بجانب أهمية ضمان مؤسسات الحكم فعلياً الحق في توفير الصحة والسكن اللائق والغذاء الكافي والتعليم الجيد والعدالة المنصفة والأمن الشخصي لمواطني الإقليم.
وبما أن مجلس حقوق الإنسان قد حدد خصائص الأساسية للحكم الرشيد، والمتمثلة في الشفافية والمسؤولية والمساءلة والمشاركة
والاستجابة لاحتياجات المواطنين، مما يحتم على الحكومة اتباع أسس تطبيقها وبحذافيرها، وصولاً إلى تعزيز الحكم الرشيد وحقوق الإنسان بعضهما البعض، وذلك من منطلق أن حقوق الإنسان تطرح مجموعة من القيم التي تسترشد بها الحكومات وغيرها من الجهات الفاعلة السياسية والاجتماعية في أعمالها، كما تقدم مجموعة من معايير الأداء يمكن من خلالها مساءلة هذه الجهات الفاعلة. وإضافة إلى ذلك تغني مبادئ حقوق الإنسان مضمون جهود الحكم الرشيد، أي أنه على حكومة الإقليم الاسترشاد بها في وضع الأطر التشريعية والسياسات والبرامج ومخصصات الميزانية وغير ذلك من التدابير.
لكن في المقابل، لا يمكن احترام حقوق الإنسان وحمايتها على نحو مستدام في غياب الحكم الرشيد، ويعتمد إعمال حقوق الإنسان على توفّر بيئة مؤاتية وتمكينية، ويتضمن ذلك الأطر والمؤسسات القانونية الملائمة، بالإضافة إلى العمليات السياسية والتنظيمية والإدارية المسؤولة عن الاستجابة لحقوق السكان واحتياجاتهم الملحة.
ويمكن تنظيم العلاقة بين الحكم الرشيد وحقوق الإنسان من خلال
المؤسسات الديمقراطية والتي تعنى بإنشاء الإصلاحات التي يفرضها الحكم الرشيد على المؤسسات الديمقراطية، وذلك عندما تترسّخ في قيم حقوق الإنسان، السُبل التي تسمح للرأي العام بالمشاركة في وضع السياسات العامة للحكومة، سواء من خلال المؤسسات الرسمية أو المشاورات غير الرسمية، كما تنشئ آليات لإدماج فئات اجتماعية متعددة في عمليات اتخاذ القرارات، لا سيّما على الصعيد المحلي، بجانب تشجيع كلٍ من المجتمع المدني والمجتمعات المحلية على صياغة مواقفها بشأن قضايا تهمّه والتعبير عنها.
ولعل أهم مقومات نجاح الحكومات تتمثل في تقديم أقصى درجات الخدمات العامة للمواطن، وفي كل المجالات، وذلك بالشروع في الإصلاحات السياسية والاقتصادية في مجال توفير الخدمات الحكومية، والسعي للنهوض بحقوق الإنسان والمرتبط بتحسّن قدرات حكومة الإقليم على الوفاء بمسؤوليتها في توفير المنافع العامة الأساسية لحماية عدد من حقوق الإنسان، مثل الحق في التعليم والصحة والغذاء.
وقد تتضمن مبادرات الإصلاح آليات متعلقة بالمساءلة والشفافية وأدوات السياسة العامة التي تراعي الاعتبارات الثقافية من أجل ضمان توفر الخدمات للجميع وقبولهم لها، وسبلاً لمشاركة الرأي العام في اتخاذ القرارات.
وبما أن كل ما سبق يتعلق بسيادة القانون، فإن مبادرات الحكم الرشيد التي من المفترض أن تتبعها أي حكومة في هذا الخصوص، فيجب عليها مراعاة حقوق الإنسان، وتحقيق إصلاح التشريعات ومساعدة المؤسسات، ابتداءً من النظم الجزائية، وصولاً إلى المحاكم والبرلمانات، بهدف تحسين تنفيذ هذه التشريعات.
وقد تتضمن مبادرات الحكم الرشيد الدعوة إلى الإصلاح القانوني ورفع مستوى التوعية العامة بشأن الإطار القانوني الوطني والدولي وبناء القدرات وإصلاح المؤسسات.
وفيما يتعلق بمكافحة الفساد، والذي لا تخلو أي مؤسسة حكومية من حكومات العالم الثالث من وجوده بداخلها، فيجب على حكومة الإقليم هنا أن تعتمد على مبادئ المساءلة والشفافية والمشاركة لإعداد تدابير مكافحة الفساد، والشروع في إنشاء مؤسسات فاعلة لمكافحة الفساد، وإيجاد آليات لتبادل المعلومات ورصد استخدام الحكومات للأموال العامة وتنفيذها لهذه السياسات وبصرامة لأجل القضاء التام على كل حالات الفساد المالي والإداري في المؤسسات الحكومية بالإقليم، وضمان بيئة عمل صالحة وخالية من كل ما يعكر صفو الوصول إلى حكم راشد ومستقبل زاهر لإقليم النيل الأزرق سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب