النيل الأزرق.. أحمد العمدة سلام

النذير إبراهيم العاقب
الثلاثاء الماضي شهدت القاعة الكبرى بأمانة حكومة إقليم النيل الأزرق اجتماعاً جمع حاكم الإقليم الفريق أحمد العمدة بادي وعدد كبير من الإعلاميين بالمؤسسات الإعلامية الرسمية بالدمازين، وكالعادة لم ندع إليه لشيء في نفس الداعي له نحونا، ومن داخل الاجتماع شن العمدة هجوماً لاذعاً على الإعلاميين والصحفيين، ودعاهم لاستقاء المعلومة من مصدرها الصحيح، هكذا جاء في الخبر، ولعلنا إن شرعنا في تفنيد هذه الدعوة لا نجد مبرراً لا البتة، وذلك من خلال الأداء المميز لكل وسائل الإعلام المحلية في النيل الأزرق، وخاصة الإذاعة والتلفزيون الذين ظلا يعملان في بيئة أقل ما يقال عنها إنها بيئة سيئة للغاية، ولا يتوافر لها الحد الأدنى من المعينات المطلوب توفرها لإذاعة وتلفزيون الإقليم الذين يعملان في ظروف بالغة التعقيد والصعوبة، ولا معين من الجهات الحكومية الرسمية المعنية بتعديل الصورة المقلوبة التي تتطلب وجود مسؤول إعلامي فاعل ومتخصص في هذا المجال يعي الأهمية القصوى التي يمثلها الإعلام في عالم اليوم، حيث صار يمثل السلطة الأولى على الإطلاق في كل أنحاء العالم، من منطلق الأهمية القصوى للإعلام، وقدرته على التأثير المباشر وتغيير كافة النظريات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في العالم أجمع، فضلاً عن قدرته على الإطاحة بأعتى الحكومات في رمشة عين.
ولعل دعوة العمدة لاستقاء المعلومة من مصدرها، كان يقصد به الجهات الحكومية ممثلة في شخصه والناطق الرسمي للحكومة والجهات الحكومية ذات الصلة بالأزمة التي اجتاحت الإقليم مؤخراً، وبتفنيد هذه الدعوة، نجد أن الإعلام في النيل الأزرق يقبع في قاع اهتمامات الحكومة والحاكم نفسه، ولا أجد تسمية تليق بالناطق الرسمي سوى (الصامت الرسمي) باسم حكومة النيل الأزرق، ومرد ذلك لعدم الاختصاص، وعدم وجود الخبرة الكافية للتعامل والتفاعل مع القضايا والأحداث بفاعلية، وتوصيل المعلومة الصحيحة في وقتها للإعلام والإعلاميين، ناهيك عن الانغلاق الكامل لمكتب الحاكم ككل، والرفض التام لأي جهة إعلامية كانت لمقابلة الحاكم، والدليل أنه ومنذ تسنمه دفة حكم الإقليم، لم نجد له تصريحاً أو لقاءً مباشراً في صفحات الصحف السيارة، سوى الأخبار المنقولة من وكالة الأنباء الرسمية (سونا)، وحتى هذه تنقلها من خبر إدارة الإعلام بالأمانة، أما هذه فحدث ولا حرج، وتجتهد سونا كثيراً في تعديله حتى يخرج بالصورة المثلى للمتلقي.
مما سبق يتضح بجلاء حجم الإهمال الكبير الذي يجده الإعلام والإعلاميون في النيل الأزرق، الأمر المؤكد لعدم الإلمام الكامل للقائمين بأمر الإعلام في النيل الأزرق بأهمية الإعلام والاتصالات، حيث تبرز أهمية إعلام الأزمة من اللحظة الأولى لوقوع الأزمة، والتي يجب أن تعطيها الحكومة اهتماماً كبيراً وأولوية للتأكيد من أن لكادرها الإعلامي دوراً واضحاً وفاعلاً في إيصال أخبار الأزمة إلى الفئات المستهدفة المختلفة.
ويقصد باتصالات الأزمة جميع أنشطة وجهود الاتصال التي يجريها الإعلام والعلاقات العامة عند وقوع أزمة ما، وتجري اتصالات الأزمة في ظل ظروف غير عادية، وفي ظل أجواء سلبية، وتهدف إلى المحافظة على سمعة حسنة للجهة المعنية في ظل آثار الأزمة وانعكاساتها، وذلك من منطلق الأهمية الكبرى في أثناء وقوع الأزمة، وتبرز من خلال الانعكاسات النفسية حيث تترك آثاراً نفسية تتطلب معالجة ومواجهة من خلال اتصالات الأزمة (الخطة الإعلامية للأزمة)، إذ إن هذه الاتصالات تركز على إزالة هذه الآثار والانعكاسات.
وكذلك من خلال تعدد وتنوع وسائل الإعلام في ظل ثورة الاتصالات، وتأتي أهمية إعلام الأزمة في ظل التعدد والتنوع الكبير لوسائل الإعلام على الصعيد المحلي وعلى الصعيد العالمي، بجانب الدور المتزايد لوسائل الإعلام في تكوين الآراء والمواقف والاتجاهات من منطلق أن الإعلام يلعب دوراً متزايداً في تكوين آراء الأفراد ومواقفهم واتجاهاتهم.
وحيث أن النيل الأزرق مرت خلال الفترة الماضية بأحداث غاية في البشاعة جراء الاقتتال المتبادل، الأمر كان يوجب على حكومتها التحوط لجميع نماذج إدارة الأزمات، وعلى الأقل بوجود متحدث رسمي واحد يتحدث باسم حكومة الإقليم عن الأزمة وأحداثها وتطوراتها وأسبابها ونتائجها وانعكاساتها، وهو المسؤول عن جميع العلاقات والتفاعلات مع وسائل الإعلام، ويمتلك صلاحيات اتخاذ القرار، ويفضل أن يكون لهذا المتحدث الرسمي خبرة سابقة في التعامل مع وسائل الإعلام، وهو كما أسلفنا ما لم ولن يتوفر للناطق الرسمي باسم حكومة الإقليم.
ومن حيث أن هناك مجموعة من الأنشطة والمهام الرئيسة لاتصالات الأزمة تتمثل في وضع وتنفيذ ورقابة خطة إعلامية تعمل على إيصال الرسالة الإعلامية إلى الفئات المستهدفة المختلفة وضمان تحقيق هذه الرسالة لأهدافها، كان من المفترض على حكومة الإقليم فعل ذلك لأجل بناء احتياطي من السمعة الحسنة للحكومة، الأمر الذي يتطلب أن لا تبدأ اتصالات الأزمة عند وقوع الأزمة، بل إن هذه الاتصالات يجب أن تكون قد بدأت عندما لا تكون الأزمة قد نشأت، ويجب أن يكون هناك نشاط مستمر لاتصالات الأزمة، ولجهة المحافظة باستمرار على علاقات حسنة مع وسائل الإعلام كافة، وتحقيق درجة عالية من الثقة والمصداقية، وذلك من منطلق أن الإعلام بعتبر أهم الأدوات التي تستخدمها الحكومات في العصر الحديث، لتمكينها من وصف الأحداث القائمة وصفاً شاملاً ودقيقاً، والتأثير في مجريات وتتابعات هذه الأحداث، ونقل البيانات والمعلومات عن هذه الأحداث بسرعة كبيرة بفضل ما يتوفر للإعلام من إمكانات تكنولوجية، وتتركز جهود إعلام الأزمة في اتجاهين رئيسين، هما اتجاه إخباري ويستخدم قبل الأزمة وفي أثنائها وبعدها بهدف نقل أخبار الأزمة، ويجري التركيز في هذا الاتجاه على التعريف بالأزمة الحادثة وواقعها وتتابع أحداثها ونتائجها ومحاولات الإدارة وجهودها في التصدي لهذه الأزمة، وهو للأسف ما لم يتوفر وقتها والآن لحكومة الإقليم، وناطقها الرسمي لمحاصرة الأزمة في وقتها، ونقلها بشكل فاعل لوسائل الإعلام المختلفة ومن مصدرها الرسمي حينها.
مما سبق، تتضح الحاجة الماسة لحكومة إقليم النيل الأزرق العمل الجاد لجهة إعادة النظر في إعلامها، الرسمي وداخل أمانة الحكومة نفسها، لأجل استخدام الإعلام مستقبلاً في إرشاد وتوجيه الكوادر الإعلامية وتوفير الدعم والمؤازرة والتأييد لإدارة الإعلام من جميع أصحاب المصالح ومن المجتمع، مع أهمية التنسيق والتعاون مع وسائل الإعلام.
لإعطاء فريق الأزمة فرصة أكبر ليكون مؤثراً في الأحداث وليس مستجيباً لهذه الأحداث، ومن ثم يؤدي إلى تحقيق فرصة أفضل في السيطرة على الرسالة الإعلامية المتعلقة بالأزمة، وذلك من منطلق أن التنسيق والتعاون مع وسائل الإعلام يعطي فرصة كاملة لإزالة سوء الفهم المتعلق بالأزمة وتصحيح هذا المفهوم.
ولعل الرفض المتكرر والتعنت في عدم اللقاء مع وسائل الإعلام والتصريح لها من الجهات الحكومية الرسمية في بعض الأحيان، يعطي فكرة أن الأمور ليست على ما يرام وأنه لا تجري السيطرة على زمام الأمور في الإقليم، كما أن رفض اللقاء مع وسائل الإعلام قد يفسر على أنه شكل من أشكال الغطرسة والتعجرف.
وإن كانت حكومة الإقليم تريد بالفعل تحقيق التأثير المطلوب في اتجاهات الرأي العام، فإن الأمر يتطلب تحقيق التعاون والتنسيق بين فريق الأزمة والكوادر الإعلامية المختلفة داخل الإقليم وخارجه، ويمكن تعزيز هذا التعاون في هذا المجال من خلال اعتماد وتبني مجموعة من المبادئ، تتلخص في التحكم في كمية وطبيعة البيانات والمعلومات التي يجري نشرها، مع مراعاة تحقيق التوازن بين توفير المعلومات المطلوبة في الوقت المناسب والانعكاسات السلبية المحتملة من وراء هذه المعلومات، وتحقيق السيطرة المناسبة على المضمون الإعلامي في أثناء الأزمة، وهذه السيطرة قد تكون مباشرة أو غير مباشرة.
ويكمن نجاح اتصالات الأزمة يتطلب في أهمية إعداد خطة فاعلة تسمى خطة إعلام الأزمة، وهذه الخطة يجب أن تتضمن أهمية تحديد الأزمات المحتملة وإبعاد هذه الأزمات، وتحديد أهداف الخطة الإعلامية، والفئات المستهدفة بخطة إعلام الأزمة، وكذلك تحديد الإمكانات البشرية والمادية والفنية اللازمة للخطة، وإعداد الرسالة الإعلامية الخاصة بخطة إعلام الأزمة.
من ما سبق اتضح بجلاء أن الأمر يتطلب من حكومة إقليم النيل الأزرق، إن كانت بالفعل تريد إعلاماً فاعلاً في الإقليم، عليها ضرورة إعادة النظر في إعلامها الرسمي، ممثلاً في المجلس الأعلى للثقافة والإعلام، وإعلام أمانة الحكومة، وتغييره عاجلاً بكوادر إعلامية مؤهلة، وقادرة على إدارة الإعلام عامة، وإعلام الأزمة بصفة خاصة، بفاعلية تفضي إلى إيصال المعلومة الصحيحة في وقتها، ولكل الأجهزة الإعلامية، محلية كانت أو عالمية، وعليها كذلك الاستعانة بأهل العلم والخبرة لصياغة الخطط الإعلامية المدروسة التي تكافح الشائعات من جذورها، لجهة كسب ثقة أصحاب المصالح داخل الإقليم وخارجه، ومن ثم الالتزام بالشفافية العالية في عرض الحقائق، إذ أن هذه الشفافية ستقطع الطريق أمام مروجي الشائعات، من منطلق تأثير إعلام الأزمة في الرأي العام تجاه مشكلة أو قضية أو أزمة محل اهتمام الجماهير وتكون موضع نقاش وحوار وجدل بهدف الوصول إلى حل يؤدي إلى تحقيق المصلحة العامة، ودون ذلك لن تخطو حكومة إقليم النيل الأزرق قيد أنملة في تحقيق أهدافها وبرامجها المستقبلية البتة.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب