د/ عادل عبد العزيز الفكي
adilalfaki@hotmail.com
على ضوء المعلومات المتعلقة باختفاء طبيب في ولاية الخرطوم في ظروف غامضة، وحدوث حادثات نهب متعددة في أطراف الخرطوم وغيرها من مدن السودان الكبرى مؤخراً، بات من الواضح أن هناك فشل في منع وقوع الجريمة، ولا يعود الفشل للشرطة فحسب، لأن منع الجريمة مسؤولية النظام العدلي والقانوني والاقتصادي في الدولة ككل.
الدراسة الرائدة التي أجراها جاري بيكر (1968) شكلت أساس منهج التحليل الاقتصادي للجريمة.
خلصت الدراسة إلى أن الشخص يرتكب عملاً عدوانياً لو كانت المنفعة التي يتوقعها من هذا العمل تتعدى المنفعة التي يمكن أن يحصل عليها بتسخير وقته وموارد أخرى لأنشطة أخرى، فبعض الأشخاص يتجهون للجريمة ليس لأن دوافعهم وتكوينهم يختلف عن الأشخاص الآخرين، ولكن لأن تحليلهم للتكلفة والعائد مختلف.
وأثبتت الدراسة ارتباطاً قوياً ما بين العطالة وارتفاع نسبة الجريمة، والعاطل هو ذلك القادر على القيام بعمل ولم تتيسر له فرصة العمل وليس له مصدر مشروع آخر للدخل كالميراث، ولا يشمل من هم فوق سن الـ65 أو الطلاب.
الدراسات التي أجريت في الولايات المتحدة والسويد أكدت وجود ارتباط قوي بين البطالة وجرائم الأموال.
المعدل العام: انخفاض نقطة في معدل البطالة = انخفاض 5% في جرائم الأموال.
إن الفقر يكون دافعاً للجريمة إذا كان هناك مستوى عالٍ من الطموحات والآمال الاقتصادية والاجتماعية، وكانت الكوابح الدينية والأخلاقية ضعيفة، وكان التشهير المجتمعي غير فعال، والعقوبات الجنائية غير رادعة.
وبالمقابل يكون الفقر دافعاً للتفوق إذا كانت الكوابح الدينية والأخلاقية قوية، وكان التفوق العلمي والمهني هو أساس تقلد الوظائف والمسؤوليات وليس العنصر أو القبيلة أو النوع، وكانت تكلفة الجريمة عالية وعواقبها وخيمة جداً.
عليه يجب اعتبار مشكلة البطالة قضية أمن قومي، وبالتالي تكريس الجهود لتوفير فرص العمل الكريم للعاطلين والفقراء، ويكون هذا بتحريك جمود الاقتصاد كمهمة أساسية لوزارات القطاع الاقتصادي وبنك السودان المركزي.
كما ينبغي الاهتمام بجودة التعليم ومستوى المدارس والطلاب والانضباط داخل المدارس، وينبغي كذلك زيادة الإنفاق على منع الجريمة في المناطق العشوائية. والإعلاء من قيم العمل الشريف وتقوية الواعز الديني والأخلاقي من خلال المساجد ودور العبادة والمدارس والجامعات والمحاضرات العامة.
والحرص على أن يكون تولي الوظائف العامة بالمنافسة الشريفة وإبعاد المحسوبية والولاء السياسي أو العرقي أو الديني.
والاهتمام بالأسرة والحفاظ على روابطها، كذلك الاهتمام بفئة الشباب وتوفير فرص العمل لهم واستيعاب طاقاتهم الزائدة في الأنشطة الرياضية والثقافية. ومكافحة المخدرات في أوساطهم.
وينبغي العمل على تزكية روح المساعدة والإيثار وتقليل الفوارق بين الطبقات بإعلاء قيمة شعيرة الزكاة وقيم التعاون والإخاء في كريم المعتقدات.
ويجب العمل على رفع العائد من النشاط المشروع حتى لا تنخفض تكلفة الفرصة البديلة وهي الجريمة، مع توفير الكفاءة والفعالية والردع في عمل أجهزة منع الجريمة لرفع تكلفة الجريمة. والله الموفق.