تغيرات المناخ بالسودان تهدد صناعة “الكوكا كولا” بالعالم

الخرطوم : اليوم التالي: وكالات

ذكرت صحيفة فرنسية، أن مادة الصمغ العربي السودانية التي تعد مكوناً رئيساً في صناعات عديدة مثل المشروبات الغازية “كوكاكولا”، تواجه أخطاراً حقيقية على خلفية تغير المناخ والأزمة الاقتصادية بالسودان.
وأوضحت صحيفة “لوبوان”، أن الغابات التي تنتج الصمغ تنقص مساحتها بصورة لافتة لأسباب بيئية وأخرى اقتصادية وبشرية، وهذا يعني أن أسوار القلعة التي تحمي السودان من التصحر توشك على الانهيار.

حزام أمان

وقالت الصحيفة الفرنسية، إن كثيراً من السودانيين الذين كانوا يقتاتون على بيع وتحويل الصمغ، بدأوا يقطعون أشجار السنط أو الأكاسيا ثم بيعها على شكل فحم، بسبب عدم كفاية أجرهم الذي يحصلون عليه من الصمغ.

ويوجد في البلاد غابة تبلغ مساحتها” 520″ ألف كيلومتر مربع تعبر السودان من الغرب إلى الشرق.
وتتكون هذه الرئة الخضراء لهذا البلد الكبير الواقع في منطقة القرن الإفريقي ذي المناخ الجاف بشكل أساسي من أشجار الأكاسيا.

وعندما تجف هذه الأشجار، يتشكل من نسغها بلورات ذهبية صغيرة، أو ما يُعرف بالصمغ العربي.
وتحظى هذه المادة متعددة الخصائص بتقدير كبير من قبل رواد الصناعة العالمية.
*فهي المكون الرئيس لوصفة كوكاكولا، وهي أيضاً المنتج الوحيد الذي أفلت من العقوبات الأميركية المفروضة في الخرطوم بين عامي “1997 و2020”.

ويعد السودان بالفعل المنتج الرائد للصمغ العربي على نطاق عالمي. لكن هذا القطاع يتخبط بشكل خطير.
حيث انخفضت صادراته السنوية بمقدار النصف بين الستينيات وأواخر الثمانينيات، وفقاً للأرقام التي نشرتها شركة الصمغ العربي في السودان.
في الوقت نفسه، أصبح نسيج الصمغ العربي أرق وأرق، على الرغم من تكاثر المبادرات لاستعادته.
وتعد شجرة الأكاسيا الخضراء ضرورية في مكافحة تقدم الصحراء، فهي حصن ضد التصحر لكنه يتآكل حالياً من الداخل.
ويشير مصطفى الخليل، رئيس مجلس الصمغ العربي ومقره الخرطوم، إلى أن “التصحر يحدث داخل حزام أشجار الصمغ العربي نفسه”.
ويؤكد على أن التصحر قد تقدم بشكل كبير في غابات الأكاسيا، على حساب الأخيرة.
ويحذر هذا الخبير، من أن “هذا الانخفاض في حجم الحزام يشبه السرطان الذي يستمر في الانتشار”.
وأرجع التقرير الأول عن الحالة البيئية في السودان الذي نُشر عام “2020” تحت رعاية الأمم المتحدة آفة التصحر إلى الرعي الجائر، وإزالة الغابات، والزراعة، والاستغلال المفرط للمياه الجوفية. فضلاً عن حرق الأرض قبل زراعتها، وحُفر التعدين، أو تآكل التربة أو حتى بسبب عدم وجود سياسات مناسبة.
ويعمل التصحر داخل حزام الصمغ العربي نفسه حيث يقوم جامعو الأشجار بانتظام بقطع الأشجار، بسبب عدم وجود أجر كاف، لذا يقطعون الأكاسيا ويعيدون بيعها على شكل فحم.

لذلك فإن كل هذه العوامل تتدخل في قلب الحاجز الطبيعي الذي يمنع التصحر.
ويشير مصطفى الخليل إلى أنه “يتم شراء الصمغ العربي بسعر أقل من السعر الذي يسمح للمنتج بإعالة أسرته، لذلك يلجأ الكثير منهم إلى قطع الأشجار ويبيعونها على أنها فحم”.
وتقدر زميلته فاطمة رملي، مؤسسة الشبكة الوطنية لجمعيات منتجي الصمغ العربي التي تضم أكثر من “7.5” ملايين مزارع، أن أقل من “20 بالمئة” من قيمة هذه البلورات الثمينة تذهب لمن يستخرج العُصارة.

مهمة شاقة

وإنتاج الصمغ العربي، هو في الواقع مهمة شاقة يتخلى عنها الكثيرون أيضا للاندفاع إلى مناجم الذهب أو محاولة النهوض اجتماعيا من خلال الهجرة إلى المدن.
وتحذر فاطمة رملي، بأن “الوحيدين الذين ما زالوا يعرفون كيفية العمل على الأشجار من أجل إنتاج الصمغ العربي هم الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن “60” عاما.
وتؤكد أنه “عمل شاق جداً، ونحن بحاجة إلى أدوات حديثة لجذب الشباب وسد هذه الفجوة”.
ومن بين هؤلاء الكبار الذين لا يكلون، السيد حمدان الكبيشي، “71 “عاما.
ويلخص هذا الرجل الذي يدير تعاونية من “65” منتجا وضع إنتاج الصمغ العربي، قائلا: “أواصل العمل على الأشجار لأني آكل الصمغ العربي، إنه يمنحني الطاقة لا المال الكافي”.
ومنذ عام “2006”، شارك حمدان الكبيشي في عملية إعادة تشجير، حيث قام بزراعة أكثر من “8000” شجيرة.
وفي يناير: 2023″، سيُقدم عرض مشروع جديد للمانحين الدوليين بهدف تمكينه من الموارد اللازمة من أجل زراعة “625” ألف شجرة إضافية في غضون خمس سنوات.
وفي مقدمة هذه الأشجار، الأكاسيا، والعناب (الزفيزف أو السدر أو النبق) وكرز الفالسا (تنتج التوت البرتقالي).
وكذلك كثير من النباتات التي تزيد جذورها الغنية بالمغذيات من خصوبة التربة، ما يجعل من الممكن زراعة الفواكه والخضراوات عند أقدامها.
ويوضح حمدان الكبيشي في الوثيقة المصاحبة لعرض مشروعه على المانحين الدوليين، أنه “مع نموها، تعمل هذه الأشجار على تحسين تسرب المياه والحد من التبخر عن طريق تقليل درجة الحرارة وسرعة الرياح”.
ويضيف أن “هذا يخفف من تعرض المزارعين لعواقب تغير المناخ “.
ولفتت الصحيفة الفرنسية إلى أن هذه المبادرة المستقبلية ليست الأولى، فبين عامي 1980 و1995، أتاحت خطة وطنية لمكافحة التصحر إعادة تأهيل “2.7 ” مليون هكتار.
وشاركت فاطمة الرملي نفسها في إنتاج خارطة الطريق هذه، إذ أشرفت على زراعة الشتلات، وعلمت السكان المحليين حول مخاطر إزالة الغابات وحاولت تقوية سلسلة القيمة.

مبادرات مهمة
وأوضحت لوبوان أن يجرى تصدير معظم البلورات الخام حاليا، بشكل رئيس إلى فرنسا عبر شركتي “ناكسيرا” و”آلان وروبيرت” اللتين تجنيان أرباح المعالجة.
ويعمل هذا التحكم، تماما مثل الافتقار إلى البنية التحتية، وخاصة الوصول إلى المياه، ضد جهود فاطمة الرملي التي تتعاون الآن مع الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD).
ويقول مود فرانجي، مدير المشروع في الوكالة الفرنسية للتنمية، إن “استعادة القطاع سيشهد حوافز أفضل للمنتجين للبقاء في هذا الفرع ومواصلة زراعة الصمغ العربي”.
وتساعد هذه المؤسسة العامة في ترميم حزام الصمغ العربي بفضل الأموال التي فوضها لها الاتحاد الأوروبي.
ويعتمد عملها على المؤسسة الوطنية للغابات (FNC)، وهي شركة سودانية عامة، لتطوير فرص السوق وتقوية المنتجين ومرونة النظم البيئية.
فعلى سبيل المثال، قامت الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) بتسهيل سفر فريق المؤسسة الوطنية للغابات لحضور مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في شرم الشيخ “كوب 27”.
ولا يزال مصطفى الخليل، رئيس مجلس الصمغ العربي، متشككا في هذه المبادرات المتعددة.
وبالنسبة له، الحل يكمن في ثلاث نقاط. أولا، يُطالب برفع سعر الشراء عند الإنتاج.
وثانياً، يريد من الشركات متعددة الجنسيات الترويج لخصائص البروبيوتيك للصمغ العربي بدلا من حصره في مادة مضافة.
أما الدعامة الأخيرة، فإنه يدعو إلى إنشاء بنك للصمغ العربي يكون من المساهمين المنتجين والمشترين الدوليين.
وهذه الحلول هي السبيل الوحيد، حسب قوله، لتمويل إعادة التشجير وتحديث قرى المنتجين وإنهاء النزاعات المرتبطة بنقص الموارد.
حيث تعيق هذه النقائص المتعددة المسار الطويل لإنتاج الصمغ العربي.
لكن في حال تم إنشاء البنك الذي تحدث عنه الخليل، سوف تنتهي القدرة المطلقة للمشترين، ما سيُعزز من مكاسب المنتجين.
ويقول سليمان إبراهيم مدير مجلس إدارة شركة الصمغ العربي إنه “إذا كان المنتجون يحصلون على المياه والرعاية الصحية والتعليم والخدمات الأساسية الأخرى، فإنهم سيتوقفون عن المرور عبر الوسطاء الذين يضغطون عليهم ثم يعيدون بيع الصمغ العربي في السوق الموازية”.
ويؤكد إبراهيم وهو ممثل لأكبر شركة إنتاج للصمغ العربي في العالم، أن التهريب المستشري يساهم في تدهور الغابات السودانية.