عبد الحفيظ مريود يكتب: محاولات للتقدم أماماً

بدون زعل

يكتب السلطان عبد الرحمن الرشيد، أحد أقوى سلاطين دارفور، إلى نابليون بونابرت، حين استولى على مصر، خطاباً يهنئه فيه على انتصاراته، وتأديباته للمماليك، ومصر يحكمها الأجانب، منذ فجر التأريخ، ذلك أن المماليك كانوا يقطعون الطريق وينهبون تجارة دارفور إلى مصر، أو إلى ما وراء البحار، عبر مصر، مع أن المماليك كانوا مسلمين. بونابرت يرد على خطاب السلطان، معتذراً عن التأخر، إذ كان في مهام عسكرية في بلاد الشام، يطلب إلى السلطان أن يرسل إليه ألفي عبد، فوق سن السادسة عشرة، لكن عبد الرحمن الرشيد لا يفعل ذلك، لا يستجيب.
شايف كيف؟
فيما بعد، حين خلفه ابنه محمد الفضل، قمر السلاطين، كما يلقبونه، نازل جيشه جيوش الدفتردار في نواحي بارا، أثناء حملة الدفتردار لجلب العبيد الأشداء من كردفان، للجندية. قتل المقدوم مسلم، بالطبع، الذي كان يحكم كردفان، نيابة عن سلطان الفور، متخذاً من مدينة بارا عاصمة له، وهزم جيشه. لكن محمد الفضل أرسل جيشاً آخر، نازل الدفتردار في نواحي سودري، وهزم، هو الآخر، تشكل كردفان امتداداً لسلطنة الفور، ويحكمها المسبعات، أبناء عمومتهم، نيابة عنهم، وكان السلطان تيراب قد وصل إلى أمدرمان، وعسكر فيها، استعداداً لغزو الفونج، وإلحاقها بسلطنته، هزم العبدلاب في “قري”، عاصمتهم، ونزع نحاسهم، وأرسله إلى الفاشر. لكنه مرض قبل غزوه للفونج في سنار، ورجع ليتعالج، فأدركه الموت في عاصمته الثانية، بارا.
شايف كيف؟
بعد معركة سودري، كتب محمد علي باشا خطاباً إلى السلطان محمد الفضل، عام ١٨٣٠م، بعد أن دان له شمال السودان، كردفان، سنار، والنيل الأبيض، والشرق. بقي الجنوب ودارفور بعيدين عن حكمه، كتب يطلب إلى السلطان محمد الفضل تسليم دارفور. رفض الأخير، في خطاب ناري شديد اللهجة، فصرف محمد علي باشا النظر عن الموضوع.
سقطت دارفور، بعد ذلك، بما يقارب نصف قرن، عام ١٨٧٤م، على يد الزبير باشا رحمة، الذي طلب إلى حكومة الخرطوم التركية، أن ترسل من يحكمها. ولم يكن ثمة من عداوة – كبيرة أو صغيرة – بين الزبير باشا والسلطان إبراهيم قرض، لكن الرزيقات أوقعوا بينهم، فتنازلا في رمضان، وهزم الزبير باشا جيش السلطان، وقتله، لصالح الأتراك
شايف كيف؟
لم تدم سلطة الأتراك على دارفور، ضمن السودان الموحد، إلا عشر سنوات، قبل أن تنفض يدها، وتبايع المهدي، وتقاتل في سبيل “تحرير السودان” من الحكم التركي، وهي – إذ تفعل ذلك – لم تكن قد ذاقت من ويلات التركية ما يدفعها للثورة. كما لم تجرب البقاء تحت حكم أحد. على عكس الشمال وباقي السودان، الذي كان يرزح تحت ذلك الحكم، لأكثر من ستين عاماً، وحين سقطت التركية، وجاءت المهدية، كأول حكومة سودانية خالصة، تولي، بعد ستة أشهر، أي بعد رحيل المهدي، حكم السودان رجلاً من دارفور، هو الخليفة عبد الله التعايشي.
لم ترجع إلى وضعها الأول، بمعزل عن الحكم المركزي، إلا بعد سقوط المهدية، أعاد السلطان علي دينار سلطنة آبائه وأجداده، حتى عام ١٩١٦م. حين أسقطه الإنجليز في معركة “سيلي” الشهيرة.
شايف كيف؟
الذين يضيقون ذرعاً من تمدد الدافوريين، بعد سقوط الإنقاذ، ويطالبون بفصلها، أسوة بجنوب السودان، لا يعرفون أن الانفصال لم يكن مطلباً دارفورياً، قط، في ثنايا السجال السياسي والاعتراك على السلطة. وحين يفهم المطالبون بذلك، بأن فصل دارفور سيضم – بالتأكيد – كردفان، باعتبارها حدود سياسية لدارفور، وفقاً لحدود عام ١٨٢١م، وليس حدود عام ١٩٥٦م، كما لوح بذلك المفاوضون في أبوجا، فإن البقاء ضمن السودان الموحد سيكون أقل تكلفة من الانفصال، بحسابات الربح والخسارة.
ما الذي يجعل الأصوات الإلكترونية تتعالى، مطالبة بفصل دارفور، بعد أن كان أحد شعارات “ثورة ديسمبر المجيدة” هو “كل البلد دارفور”؟؟ ما هو الشيء المزعج المثير للحنق، إلى درجة أن تكون الحلول السياسية هي الانفصال؟ وعلى عكس نماذج الانفصالات، يكون القطر الأم هو من ينادي بفصل جزء لم يطلبه، أصلاً؟
شايف كيف؟
ليس ثمة من مهرب إلا إيجاد صيغ متكاملة للتكامل، والتدامج، كما يقول محمد أبو القاسم حاج حمد فإرجاع الأوضاع إلى ما كانت عليه، قبل دخول جيش إسماعيل باشا، هو فقر رؤيوي مقزز، وعجز عن إدارة التنظير وفقاً لموازين القوى، سيكون المستفيد منه، الوحيد، هو الجهة التي جاءنا منها إسماعيل باشا، وليس أي طرف محلي.. واستراتيجياً، ستعمل تلك الجهة بكل ما أوتيت من قوة، لتفتيت مواطن القوة في السودان الموحد، لتتمكن – من ثم – من أكل أجزاءه، بقليل من التوابل، والكثير من الشطة الخضراء.
شايف كيف؟


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب