ماذا لو تركنا “الأنانية “

مزمل عليم
muzamilmozart@gmail.com
– مع ختام كل عام وكما جرت العادة نبدأ بسماع أخبار عن تحسين الهيكل الراتبي وزيادات للمرتبات بدون أي خطط مدروسة وبدون توقع للنتائج التي ستترتب على هذه الزيادات..
– حولنا في عالم اليوم لدينا عدة أنظمة اقتصادية في مختلف البلدان فهناك مفهوم اقتصاد السوق وفي هذا النظام يتمتع الأفراد والشركات بحرية المبادرة وتبادل السلع والخدمات دون أي عوائق تذكر، وتكون هناك آلية مراقبة ذاتية تسهم في ضبط العرض (الإنتاج) مقابل الطلب (الاستهلاك) دون تدخل مركزي من الحكومات.. طبعاً بالتقريب هذا هو النظام المتبع في السودان منقوصاً منه عدم وجود آلية مراقبة وضبط للأسعار!! فمن يسمون أنفسهم كذباً وبهتاناً بالتجار هم من يتحكمون بالسوق ويفعلون ما يحلو لهم حسب أمزجتهم مع صباح كل يوم جديد..
– هناك أيضاً ما يسمى بنظام الاقتصاد المركزي أو المخطط بحيث تقوم الدولة بتخصيص الموارد لتحديد السلع والخدمات التي يتم إنتاجها وبأي كميات وتتحكم الدولة في الأسعار بصورة مباشرة وهو نظام نقيض تماماً لنظام اقتصاد السوق.. هذا النوع من الاقتصاد صعب جداً أن يطبق في السودان وربما في كثير من البلدان لأنه يلغي دور التجار بصورة كبيرة بالإضافة لعدم قدرة الدولة على تحمل عبء الصرف على الأسواق بصورة مباشرة..
– هناك نظام هجين ما بين نظام الاقتصاد المركزي ونظام اقتصاد السوق يمزج ما بين الدولة والسوق ويسمى بالنظام الوسيط وهو المتبع في أغلب بلدان العالم.. وتدخل الدولة في هذا النظام يكون وفقاً لنسب معينة، ففي بعض الدول تكون نسبة التدخل أكبر من غيرها في سياسات السوق..
– زيادة المرتبات دون ضبط السوق نعني أننا ندور حول حلقة مفرغة نعطي مسكناً مؤقتاً للألم وبعد زوال تأثير المسكن يعود الألم بصورة أبشع من المرة الأولى لنبدأ مجدداً في حقن المسكنات إلى أن نصل إلى مرحلة الإدمان ومن بعدها الموت وهنا طبعاً أقصد موت الاقتصاد.
– استوقفتني مقولة كبيرة المحللين الماليين في مصرف “جيفريس” الأميركي “أنيتا ماركوسكا” أن زيادة الأسعار مرتبط بسلسلة ضغوط التوريد والسلع كما أن زيادة الأجور هو العامل الرئيس والمهيمن على زيادة أسعار الأسواق والتضخم الذي سيستمر مستقبلاً..!!
– أعزائي العاملين والموظفين بمختلف القطاعات الحكومية والخاصة اعلموا جيداً أن زيادة المرتبات لن تصلح الوضع المعيشي، بل ستزيد الوضع من سيء الى أسوأ، لأن الزيادة وعلى السبيل المثال زيادة الأجور الأولى في فترة وزير المالية الأسبق إبراهيم البدوي كانت بنسبة 600% وفرح الجميع بذلك، لكن شبح الأسواق استطاع بكل بساطة أن يبتلع ويمتص هذه الزيادات لأن زيادات السلع في السوق زادت بنسبة تجاوزت في بعضها الـ2000% مقابل 600% لزيادة المرتبات!!؟؟
من هو الخاسر في هذه المعادلة!!
– أصبحت الحكومة تفرح بزيادة أسعار الأجور لكي تستطيع مقابل ذلك أن تفرض ضرائب إضافية وزيادات معلنة وغير معلنة في أسعار الكهرباء والغاز والوقود والاتصالات والجمارك وغيرها من كل أشكال الزيادة.. لينعم الموظف أو العامل المسكين بزيادة الشهر الواحد لأنه ومع بداية الشهر الثاني لزيادة أجره سيجد أن زيادات السوق أصبحت لا تطاق بصورة أكبر من فترة ما قبل زيادة راتبه!!
– إذن السؤال الأهم والرئيس ما هو الحل؟ فزيادة المرتبات ستزيد الوضع معها سوءًا وعدم زيادتها أيضاً سيمضي بنا في نفس الطريق، ولكن بصورة أبطأ.. الحل سهل لكن يحتاج إلى تضافر جميع الجهود من الحكومة وما يسمون أنفسهم بالتجار بالإضافة إلى فئة الموظفين والعمال.. وتضافر الجهود يأتي بترك الأنانية وتغليب المصلحة العامة.
– ماذا لو تركت الدولة الأنانية وركزت في ضبط آلية الأسعار في الأسواق ودعمها بقدر المستطاع بدلاً عن السعي وراء المبادرات والتسويات السياسية غير المجدية والتي لا طائل منها للمواطن السوداني البسيط.
– ماذا لو ترك العاملون في كل هياكل الدولة الأنانية بوقفهم للإضرابات الكثيرة التي تضر بالبلد أكثر من أي شيء آخر وأن تكون المطالب مشروعة وواعية بضبط الأسواق والسلع الأساسية لتكون بمتناول الجميع مع المطالبة بزيادات نسبية لا تفوت في الحد الأعلى 20% لبعض الأجور.
– ماذا لو ترك من يسمون أنفسهم بالتجار احتكار السلع الأساسية وتخزينها باستمرار والتلاعب بأسعارها حسب حوجة الناس لها، هل تظنون أن هذه تسمى تجارة!! هذا يسمى أخذ أموال الناس بالباطل وتجارة بقوت الغلابى والمساكين.. فأنتم تجار تقتاتون بأزمات البشر، وتأكلون في بطونكم المال الحرام وسترون نتائج ذلك عاجلاً أو آجلاً.. اتركوا الأنانية والجشع والطمع قليلاً وستتذوقون حلاوة الربح الحلال رغم قلته وحينها يمكن أن نطلق عليكم لفظ تجار.
– بالنسبة لمافيا الدواء والذين يعبثون بأرواح المرضى والتلاعب بأسعار علاجات الأمراض المزمنة فقريباً جداً سيتم التفرغ لكم بالكامل.
– بين هذا وذاك هناك أكبر فئة عانت من أنانية المجتمع وهي فئة الشباب العاطل من خريجي الجامعات وحتى غير الجامعيين لا يعملون في القطاع الحكومي ولا حتى الخاص لأسباب متعددة وكثيرة، نذكر منها على سبيل المثال أهم سبب وهو عدم وجود (الواسطة والتزكية)، فهؤلاء الشباب العاطلون ليست لديهم في زيادة المرتبات أو نقصانها فهم فقط يعانون الألم مع إشراقة شمس صباح كل يوم هذه الطبقة المطحونة بغلاء الأسعار وظلم عدم التوظيف المحتكر لفئات معينة ستولد لنا مظاهر سلوكية سنعاني منها لعشرات السنين، هذه الطاقات الجبارة لشبابنا بدل الاستفادة منها في البناء والتشييد والإعمار سنعاني الأمرين من بطشها وخرابها إذا ما لم نلتفت إليها سريعاً قبل فوات الأوان..
ألا هل بلغت..؟؟ اللهم فاشهد.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب