السودان والأمن الغذائي العربي

*
النذير إبراهيم العاقب
*
أعلن دكتور سيدى ولد التاه المدير العام للمصرف العربى للتنمية الاقتصاديه فى أفريقيا أن إجتماع مجلس الوحدة الاقتصاديه العربية بالخرطوم يمثل خارطة طريق لتحقيق الأمن الغذائي العربي والعالمي في ظل الموارد الطبيعية الهائلة بالسودان. وقال في تصريحات صحفية اليوم أن الاجتماع جاء فى ظل تحديات وأزمات إقتصاديه عالميه، ويستوجب إعمال العقل لوضع آليات إنجاز خارطة طريق، وذكر أن هذه الدورة تختص بالأمن الغذائي وتعقد بالسودان لمميزاته الطبيعيه مما يجعله خطوة إستراتيجية للقطاع الزراعي، وأكد أن الاتحادات العربية النوعية في الاجتماع كفيلة بتثبيت مبدأ السودان سلة غذاء العالم، لما بها من مستثمرين وكفاءات عربية سيكون لها قدر فاعل فى إنجاز خارطة طريق لتعزيز الأمن الغذائي العربي وحتى العالمي.
وهذا بالفعل ما يجب أن تخرج به نتائج الإجتماعات التي عقدت بقاعة الصداقة الأسبوع الماضي بخصوص الأمن الغذائي العربي، بحكم امتلاك السودان كل المقومات التي من شأنها توفير وتأمين الغذاء العالمي ككل، وليس الوطن العربي فحسب، من منطلق إمتلاكه لكل المقومات التي يمكن أن تحقق هذا الأمر واقعاً متى ما تم إستغلالها الاستغلال الأمثل.
ولعلنا وبالبحث في مفهوم الأمن الغذائي، نجد أنه يعني توفير الغذاء لكل مواطن في الدولة دون أي نقص، ولا يتحققّ ذلك واقعاً إلا في حال يتجاوز المواطن مرحلة المعاناة من الجوع أو أنه لن يتعرض، أو يستخدم كمعيار لمنع حدوث نقص في الغذاء مستقبلاً أو انقطاعه إثر عوامل الجفاف والحروب، وغيرها من المشاكل التي تقف عائقاً في وجه توفّر الأمن الغذائي.
وينشطر الأمن الغذائي إلى مطلق ونسبي، فيعرف المطلق بأنه قيام الدولة الواحدة بإنتاج الغذاء داخلها بمستوى يتساوى مع الطلب المحلي ومعدلاته أو قد يفوقها أحياناً، ويمكن اعتباره غالباً بأنّه يحقق مفهوم الاكتفاء الذاتي الكامل، أما الأمن الغذائي النسبي فإنه يشير إلى مدى قدرة الدولة على إنتاج وإيجاد ما يحتاجه الشعب أو الأفراد من سلع وغذاء بشكل كلي أو جزئي.
وبالتالي فإن مفهوم الأمن الغذائي يُشير إلى ضرورة توفير ما يحتاجه الأفراد من مواد لازمة من منتجات غذائية، وقد يكون هذا التوفير يعتمد على التعاون مع الأقطار الأخرى أو بالاعتماد على الذات فقط، والحاجة الماسة إلى بذل المزيد من الجهد والابتكار من أجل زيادة الإنتاج الزراعي بشكل مستدام، وتحسين سلسلة التوريد العالمية، وتقليل فقدان الأغذية وهدرها، وضمان حصول جميع من يعاني من الجوع وسوء التغذية على الطعام المغذي. ويعتقد الكثيرون في المجتمع الدولي أنه من الممكن القضاء على الجوع في الجيل القادم، ويعملون معاً في سبيل تحقيق هذا الهدف.
وسبق أن أكد قادة العالم في مؤتمر التنمية المستدامة لعام 2012م، على حق كل فرد في الحصول على طعام مأمون ومغذ، بما يتفق مع الحق في الحصول على غذاء كاف، والحق الأساسي لكل فرد في أن يكون في مأمن من الجوع، ودعا تحدي القضاء على الجوع، الذي أطلقه الأمين العام للأمم المتحدة حينها، دعا الحكومات والمجتمع المدني والمجتمعات الدينية والقطاع الخاص ومؤسسات البحوث إلى الاتحاد من أجل القضاء على الجوع والقضاء على أسوأ أشكال سوء التغذية.
ومنذ ذلك الحين وتحدي القضاء على الجوع يحظى بتأييد واسع النطاق من جانب العديد من الدول الأعضاء والكيانات الأخرى، بهدف الوصول إلى نسبة (100٪) في الحصول على الغذاء الكافي على مدار السنة، وأن تكون جميع النظم الغذائية مستدامة، وتحقيق أكبر زيادة في إنتاجية ودخل صغار الملاك، والقضاء على ضياع الأغذية وتبذيرها، لا سيما وأن هدف التنمية المستدامة يتمثل في القضاء على الجوع وتوفير الأمن الغذائي والتغذية المحسنة وتعزيز الزراعة المستدامة بالروابط المشتركة بين دعم الزراعة المستدامة وتمكين صغار المزارعين وإنهاء الفقر في الريف وضمان أنماط حياة صحية ومعالجة تغير المناخ وغير ذلك من القضايا التي يجري تناولها ضمن مجموعة أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر في خطة التنمية لما بعد عام 2015م.
وليس من شك في أن السودان مؤهل لسد أي فجوة غذائية يمكن أن يعاني منها العالم كله، ناهيك عن تأمين الأمن الغذائي العربي، لا سيما وأنه يمتلك أكبر المقومات الزراعية في المنطقة العربية، إن لم تكن في العالم ككل، وذلك بواقع 175 مليون فدان صالحة للزراعة، بجانب مساحات غابية تُقدّر بحوالي 52 مليون فدان (الفدان يعادل 4200 متر مربع)، فضلاً عن أن معدل أمطار سنوي يزيد عن أربعمائة مليار متر مكعب، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى زيادة الإنتاج الزراعي بكميات تكفي حاجة العالم كله، نَاهيك عن الحاجة الداخلية أو للوطن العربي.
بيد أنّ الواقع المعاش الآن يُؤكِّد بجلاءٍ عدم قُدرة السودان على استغلال موارده الطبيعية لجهة خلق اقتصاد قوي وتحقيق الشعار أعلاه على أرض الواقع، حيث أن هناك كثير من الموارد غير المُستغلة، تتمثّل في الموارد الزراعية والحيوانية والثروات المعدنية، مثل الذهب، بجانب الثروة البشرية.
وتُقدّر الأراضي الزراعية المستغلة في السودان حالياً بنحو 45% فقط من جملة المساحات المُتاحة للزراعة.
ولا شك أن السودان يملك مقومات زراعية هي الأكبر بالمنطقة العربية عامة، وفي مقدمة دول العالم المصنفة في هذا المجال.
إلا أنه وبرغم الثروات الطبيعية والموارد الكبيرة في السودان، نجد أنه ظل وما زال يعاني اقتصادياً من أزمات متعاقبة ساءت معها الأحوال المعيشية للمواطن، ولن تتجه أي من حكوماته المتعاقبة على استغلالها الاستغلال الأمثل لتوفير الأمن الغذائي المحلي والعالمي كذلك، وذلك من منطلق امتلاك السودان مقومات زراعية كبيرة، وبواقع 175 مليون فدان صالحة للزراعة، بجانب مساحة غابية تُقدّر بحوالي 52 مليون فدان (الفدان يعادل 4200 متر مربع).
ولعل الأزمة الاقتصادية التي ظلّ السودان يعيشها منذ استغلاله وحتى الآن تعود إلى اختلالات وتراكُمات تاريخية من بينها تراكُم الدَّين الخارجي.
ومرد ضعف استغلال الموارد بالطبع يعود إلى عدم رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب خلال الخمسة وعشرين عاماً الماضية، ولكن ما المبرر الذي تبرِّر به الحكومة الحالية عدم شروعها في توفير كل ما من شأنه أن يُعزِّز قُدرة السودان على أن يكون الدولة الأولى في العالم من حيث الإنتاج الزراعي؟! فضلاً عن عدم قُدرة ذات الحكومة لإزالة العراقيل التي من شأنها عدم تشجيع الاستثمار والمُستثمرين الزراعيين على الدخول في الاستثمار الزراعي لاستغلال الموارد الطبيعية، خاصة، كما أسلفنا أن السودان يمتلك مقومات الاستثمار في القطاع الزراعي والتي تُميّزه عن غيره من الدول الأخرى، لا سيما وأن القطاع الزراعي يُشكِّل ميداناً مفتوحاً لاستقطاب الأيدي العاملة والتخفيف من نسبة البطالة، فيما تمثل إيرادات القطاع الزراعي ما نسبته 48 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للسودان، وفقاً لبياناتٍ رسمية خلال السنوات الماضية.
ووفقاً لآخر إحصائيات منشورة للمنظمة العربية للتنمية الزراعية، فإنّ قيمة الفجوة الغذائية في الدول العربية تبلغ 34 مليار دولار سنوياً، تُمثل الحبوب أكثر من نصف تلك الفجوة.
وحقاً ما لم يتم تفعيل مُبادرة الأمن الغذائي العربي، والتصدي للتحديات من خلال المشاريع العربية الاستثمارية المُشتركة مع السودان، فإنّ الأرقام المتوقعة ستصبح واقعاً.
وسبق أن كشفت دراسات سُودانية رسمية، أنّ 20 بالمائة فقط من الأراضي الصالحة للزراعة، تتمُّ زراعتها، من أصل 57 بالمائة صالحة للزراعة من مساحة السودان.
ما سَبقَ، يحتم على الحكومة السودانية الشروع الفوري ولأجل تحقيق مبادرة الأمن الغذائي العربي، الشروع الفوري في تعديل العديد من القوانين الاستثمارية والإجراءات لتسهيل عَمل المُستثمرين العرب خاصة ومن كل أنحاء العالم، على أن يلتزم السودان بموجب قوانين تشجيع الاستثمار هذه بحماية الدولة للاستثمارات والمستثمرين، وبناء سياساته القادمة على مقاربة ثنائية، تعتمد وفرة مقومات زراعة غنية قادرة على سد الفجوة الغذائية العالمية، بما يجعله يستحق عن جدارة مسمى (سلّةُ غذاء العرب)، واليقين بعدم خذلان الدول العربية الغنية، في توفير رأس المال اللازم لاستغلال الأراضي الزراعية في السودان لأجل تحقيق الشعار المعلوم بأن (السودان سلة غذاء العالم).


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب