عبدالحفيظ مريود: راقصت أقنعتي عارياً..

بدون زعل

سيدي:
أنا القليل الذي كثرته.. أنا الفقير الذي أغنيته.. أنا الجاهل الذي علمته.. أنا الجائع الذي أشبعته.. فما أنا؟ وما خطري؟
كان حسين أخي يرقد بمستشفى الأورام، بالخرطوم، بداية التسعينيات، كان شاباً يافعاً، يهم بدخول الثانوي. تملكه السرطان، وتمكن منه، فقد بصره، ذوقه، سمعه، نخر عظامه، أراقبه وهو يزوي، حتى ذهب إليك.. بعد عامين.. كنت أسرح في ملكوتك، وحكمتك.. التي هي محجوبة عن العصاة، من أمثالنا، الغافلة قلوبهم.
ثم إنك رزقتني وأغدقت عليّ من مواهبك وعطاياك، فيما لا استحقاق له مني، أكاجر بهجة محمود – أجل وألطف وأسمى عطاياك لي – محبة، فقط.. وهي تعرف أن مكاجرتي ليست إلا حباً.. حين جاء مولودنا الخامس والأخير، بعد البنت الوحيدة، ترجتني ألا أسميه حسيناً.. (لو سميتو حسين ح يموت يا مريود).. كانت تعرف، وكانت ترى.. قلت لو عرفت أنه سيموت إذا سميته حسيناً، فذاك سبب كافٍ لتسميته..
لك الملك، ولك الحمد..
ثم إن حسيناً ابنى، لما تجاوز الثالثة من عمره، أخذته إليك، وقد كان تفاحة أبنائي.. كان “خاتم الفضة النقي”، كما كانت خالتي مهدية – عليها رحمتك – تشبه ابنها الفاتح، هل أنا أحن، وأحفظ، وأكرم منك، على ابني، سبحانك؟
ثم كنت قد وقعت على عبدك محمد الفيتوري، عليه رحمتك:
لوجهك يا سيدي ما سال من ذهب العمر..
مختلطاً بالرمال..
بعض مناجياته لك.. والفيتوري راسخ القدم في المحبة. “وأنت تكبلني في دموعي وصمتي”.. إذن حسين لحق بحسين، وآمل أن يكونا مع الحسين، عليه سلامك..
لك الحب..
على أنك لم تشأ أن أستند على عكازتي، أدخل مأواي، أستظل بدوحتي، أبصر بعيني، بهجة محمود، فأخذتها إليك، بعد عامين من رحيل ابنها.. فصرت بلا عكاز، بلا مأوى، بلا دوحة، وبلا عينين.. كأنك تريدني أن أعرف المعنى، وأنت تعلم أن قلبي موزع، زائغ، روحي لقة، وفكري كليل.. فمن أين لي المعنى، إن لم تكشفه لي؟ ما أنا؟ وما خطري؟
و”لأجلك راقصت أقنعتي عارياً”، كما قال الفيتوري. ولأنك تعلم مقدار حبي لأبي، عبدك، صالح عيسى مريود، أخذته، بعد أربعين يوماً، من رحيل بهجة.. فجلست “في ذروة الوجد أصغي إليك.. أتراك قسوت لأعرف..”..
على أن الفيتوري ليس لساني.. وحده..
ألسنتي كثيرة، تلك التي تنبهني إليها.. تجعلني أخاطبك بها.. وتلك نعمة لا يعرفها إلا من أنعمت عليه.. بلسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، بلسان أولاد فاطمة الزهراء، وبناتها..
عليهم سلامك..
كانت تقول لي، قبل سنين من رحيلها (أنا ح أموت قبالك.. قريب دا.. بعد أموت عرس.. لكن وأنا حية ما تعرس فيني.. أنا زي السيدة فاطمة، ما بعرسو فيها.. بعرسو بعدها)..
لك الحمد والملك، وأنت على كل شيء قدير..
سيدي:
محمد، ابني البكر، أنت تعرفه..
لن أسألك شيئاً.. ذاك سوء أدب مني..
أنا القليل الذي كثرته..
أنا الظمآن الذي أرويته..
أنا الطريد الذي آويته..
ما أنا؟ وما خطري؟
أسألك أن تأخذ عني مظالم وحقوق عبادك وإمائك، عندي، حتى لا يطالبوني بها يوم ألقاك.. خذ لنفسك من نفسي ما يخلصها.. حتى أرد حوض نبيك، عليه وآله صلواتك وسلامك، وأنت عني راضٍ..
كنت أنوي أن أسألك قليلاً من حطام الدنيا.. لكنك زجرت ضعفي وميلي إليها، فعدلت.. وأنت أعرف بي مني..” فما أنا؟ وما خطري؟”، لازمة الدعاء الذي علمه موسى الكاظم، عليه السلام، لأبي حمزة الثمالي.. ممتلئ – حتى الثمالة – بالخطايا والذنوب والآثام، هل يعود العبد الآبق إلا إلى سيده؟
لك البهجة والجمال.. ولك المنعة والسلطان، والحول والقوة..
سيدي:
لأنني أحب العجلين إلى لقائك، أخي، ابني، زوجتي وأبي، فأسألك أن تلحقهم بالصالحين، وأن تلحق خالي سليمان الدومة بهم، لأنني أحبه..
وأستعير لسان أمير المؤمنين، علي بن أبي طالب، فقد “رجوتك دليلاً على ذخائر الرحمة، وكنوز المغفرة.. فبي فاقة إليك لا يجبر مسكنتها إلا فضلك، ولا ينعش من خلتها إلا منك وجودك.. فهب لنا في هذا المقام رضاك”، أو كما قال في خطبة الأشباح..
ثم…
صل ربي وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين..


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب