تدهور الاقتصاد.. لقمة عيش صعبة وسط تفاقم الصراعات!

 

الخرطوم – علي وقيع الله

ما زالت البلاد تواجه جملة من القضايا السياسية و الاقتصادية بصورة أكثر تعقيداً مقارنة بالماضي،
إذ أحكمت الأزمة الاقتصادية حلقاتها، فيما عجزت الحكومة عن توفير سبل العيش الكريم لمواطنيها، علاوة على لجوئها إلى قرارات قال الخبراء عنها إنها مثلت أولى عتبات التدحرج نحو الهاوية، وقادت إلى ارتفاع الأسعار بصورة جنونية.
إذ تحاصر أزمات مركبة المواطنين خلال السنوات الأخيرة بدورها عصفت بالأوضاع، عكس ما تمنته الإرادة بعد زوال نظام البشير.

قاع الهاوية
وصف الخبير الاقتصادي، الحسين ابوجنة، الوضع الاقتصادي في السودان بأنه بلغ محطة الانهيار، وتابع.. “كأنه يتدحرج إلى ما بعد قاع الهاوية”، وعزا ذلك لعدم قدرة القطاع الاقتصادي في الدولة على احتواء تداعيات سلسلة العلل والأمراض التي أصابت منظومة الاقتصاد القومي في مقتل، وحدد 10 أسباب للأزمة الاقتصادية المتصاعدة، معدداً الارتفاع المستمر في منحنى التضخم الجامح، والعجز الدائم والمتصاعد في الميزان التجاري، إضافة إلى التدهور المريع في سعر صرف العملة الوطنية، علاوة على ما وصفه بالتدفق الفوضوي دونما ضوابط للواردات عبر الحدود، وارتفاع معدلات البطالة لأكثر من 72% وسط القطاعات الإنتاجية، وفشل وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي في السيطرة على أداء منظومة الاقتصاد القومي، منوها إلى الصرف غير المرشد على منظومة الدفاع والأمن، مشيراً إلى استمرارية الخلل في أداء الأوعية الإيراداية بالمركز والولايات، مؤكداً تقاعس القطاع الاقتصادي في الدولة عن القيام بدوره، في ما يتعلق بالتوظيف الأمثل لموارد وإمكانيات الجهاز المصرفي، وأرجع ذلك لغياب التنسيق الدقيق المحكم بين السياسات المالية والنقدية والاقتصادية في الدولة، وأوضح أن هناك حزمة من الأسباب ذات الصلة بالعادات والتقاليد السالبة في المجتمع السوداني، وهو ما يعرف ب(دور الثقافة المحلية في تحقيق النمو الاقتصادي).

محاربة الفساد
وحدد الخبير الاقتصادي 8 معالجات لتلك الأوضاع الاقتصادية، قائلاً : إنها تتطلب تأسيس دولة القانون، بجانب تفعيل أداء الأجهزة التشريعية والرقابية، وتشديد الرقابة ومحاربة الفساد بصورة جادة، ودعا إلى إحكام العلاقة التنسيقية مابين المركز والولايات في كثير من الأمور ذات الصلة بأداء منظومة الاقتصاد القومي، بجانب إعادة هيكلة موازنة مؤسسات الدفاع والأمن، وشدد على ضرورة تفعيل قانون الخدمة المدنية، مع إعادة الكشف المركزي الموحد للدرجات القيادية، إضافة إلى سد كافة ثغرات التهريب عبر الحدود ووضع ضوابط صارمة لعملية تدفق الواردات مع تشجيع قطاع الصادرات.

إجراءات الجيش
بدورها قالت الباحثة الاقتصادية دكتورة، دلال عبدالعال، إن البلاد منذ إجراءات 25 أكتوبر من العام السابق لم تر أي بوادر إصلاحات أو تحسين، نافية وجود إصلاحات اقتصادية في ظل عدم الاستقرار السياسي الحالي، وتابعت.. “لقد جربنا الحكم العسكري على امتداد دولتنا منذ عهد الرئيس عبود مروراً بالأنظمة العسكرية حتى عهد النظام البائد”، مشيرة إلى أن الدولة شهدت تدهوراً مريعاً في الأوضاع المعيشية والاقتصادية حتى سقوطه، وبحسب دلال، فإن إجراءات الجيش وما تبعها، أزال كل حلم نحو تقدم الاقتصاد، وبالتالي لم ولن يستطيع وضع لبنة لإصلاحات، وأوضحت أنه لم يأتِ للحكم بغية البناء، وإنما للمحافظة على مكاسب شخصية دون مراعاة لرزوح المواطن تحت دائرة التدهور الأمني والاقتصادي والسياسي، مؤكدة على فشل أي مساع للإصلاح الاقتصادي في ظل الأوضاع القائمة.
هدر الموارد
وأشارت الباحثة إلى تزايد معدلات الفقر وانعدام سبل التنمية الاقتصادية، وكذلك انعدام الاهتمام بالقطاعات الاقتصادية المختلفة، بالإضافة إلى خروج العديد من المصانع من دائرة الإنتاج، ونوهت إلى أن قطاع المصارف وصل حد التدهور ، متوقعة قرب إعلان الأزمات والإفلاس في ظل توجه وزارة المالية نحو زيادة معدلات الضريبة الخفية وتزايد التهرب الضريبي والصرف من الموازنة على بنود خفية لاعلاقة لها بالموازنة تصب في خانة حركات الكفاح المسلح، ولفتت إلى خطورة هدر أهم الموارد لدى السودان من ذهب ومعادن وثروات على أيدي الانقلابيين، وقالت.. بالتالي فلنتأهب في مقبل ماتبقى من أشهر 2022 إلى مرحلة “انعدام الأمن الغذائي” بنسبة 85% من السكان.

معالجة الأزمات
وتشدد د. دلال في تصريحها ل(اليوم التالي) على اتباع حزمة من المعالجات للخروج من الأزمات الاقتصادية تبدأ بالاستقرار السياسي، والذي بنعكس إيجاباً على حركة الاستقرار الاقتصادي من حيث البناء، علاوة على تشجيع القطاع الزراعي والقطاعات التكاملية رأسياً وافقياً، كما طالبت بوضع السياسات المتسقة مع بعضها؛ لتقليل معدلات التضخم والبطالة وتنفيذ البرنامج الإسعافي الذي تم وضعه بواسطة الخبراء، وشددت على ضرورة الاهتمام بزيادة إيرادات الدولة لمجابهة تنفيذ البرامج التى تصب في صالح محدودي الدخل، وبحسب تقديرها فإن سرطان الاقتصاد بالبلاد هو الفقر الذي يعاني منه ما لايقل عن 65% من السكان، متوقعة ازدياد معدل الفقر مستقبلاً .
واستبعدت د. دلال وجود مؤشرات إيجابية في الوقت الحالي لتحسين الاقتصاد، وتابعت.. “تفاقمت الأزمات المعيشية بسبب عدم توفير الاحتياجات الأساسية وتزايد التهرب والفساد في المؤسسات الإيرادية الحكومية”.
المؤشر الإيجابي
أما المحلل الاقتصادي د. الفاتح عثمان محجوب، فيقول في تصريح ل(اليوم التالي) إن الوضع الاقتصادي في السودان سيء جداً؛ لأن الفقر طال 40% من السكان، مؤكداً أن السياسات النقدية الانكماشية التي تبنتها وزارة المالية وبنك السودان تسببت في دخول الاقتصاد السوداني في حالة ركود؛ بينما هو أصلاً في حالة انكماش ونمو سالب منذ حوالي أربعة أعوام، مشيراً إلى توقف أموال الدعم الدولي منذ أن أطاح الفريق أول عبدالفتاح البرهان بشركائه في قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي.
ويعتقد د. الفاتح أن المؤشر الإيجابي الأهم هو أن الحكومة السودانية أنجزت أهم إصلاحات هيكلية للاقتصاد، إذ تخلصت من الدعم السلعي وأنجزت توحيد سعر الصرف للجنيه السوداني، وبالتالي باتت جاهزة للحصول على إعفاءات للديون الخارجية متى ما تشكلت حكومة انتقالية بقيادة مدنية، ومضى قائلاً : بات السودان مهيأً لاستقبال استثمارات أجنبية ضخمة، بعد أن أنجز قضية سحب اسم السودان من قائمة الإرهاب؛ بجانب إلغاء العقوبات الأمريكية المصرفية، بيد أن السودان يحتاج لإنجاز إصلاحات قانونية ومصرفية ليكون قادراً على التعامل بسلاسة مع المؤسسات المالية الدولية.