محطة الديم.. أهمية استراتيجية

*
النذير إبراهيم العاقب
*
أعلنت وزارة الري السودانية الخميس الثامن عشر من ديسمبر 2020م، أنها شرعت في تحديث محطة الديم الحدودية، كبرى محطات قياس النيل في البلاد، تحسباً لسد النهضة الإثيوبي، وقالت في بيان لها إنها تمكنت من تركيب جهاز أوتوماتيكي بالمحطة لقراءة منسوب النيل كل ساعة ونقله آنياً، مقارنة مع المقاس التقليدي الذي كان يقرأ مرة يومياً، وذكرت أنها قامت برصد الإيراد أسبوعياً، فيما يجري العمل على تزويد المحطة بأجهزة حديثة لرصد نوعية المياه، ووفق البيان فإنه يجري العمل حالياً على تأهيل منشآت محطة الديم لخلق بيئة تسمح للعاملين بالاستقرار، وتكثيف قياسات كمية ونوعية المياه الواصلة من سد النهضة.
وتقع محطة الديم على النيل الأزرق بالحدود السودانية الإثيوبية، وتُشكِّل أهمية استراتيجية قصوى بالنسبة للسودان ومصر معاً، بحكم أنها تمثل محطة الإنذار الأولى بالفيضان والتنبؤ بإيراد فترة الانحسار، وتكتسب المحطة أهمية للسودان في إعطاء المعلومات لتشغيل خزانات النيل الأزرق والمشروعات المقامة عليه، وزادت أهمية المحطة بحسب البيان في ظل تشغيل سد النهضة الذي يبعد عنها بحوالي 15 كلم، ولفت البيان إلى أن تشغيل خزان الروصيرص استلزم تكثيف القياسات بمحطة الديم لرصد الإيراد وجودة المياه أثناء ملء خزان سد النهضة وعند تشغيله، أو عند إنشاء أي سدود أخرى على النيل الأزرق.
وقد أُنشئت محطة الديم في العام 1962م أي قبل 4 سنوات من تشغيل سد الروصيرص، على يد وزير الري الأسبق المرحوم المهندس يحيى عبد المجيد ونائبه عبد الله محمد إبراهيم وثلاثة عشر مهندس فني من خريجي المعهد الفني، وأبرزهم المرحوم المهندس عثمان الخضر الريح والمرحوم المهندس عبد العزيز طه الكردفاني والمرحوم المهندس السر عباس والمهندس يوسف أبو عادل والمهندس محمد إبراهيم الشيخ، والمرحوم المهندس يحيى إدريس نبيل، وأنشئت بالضفة الغربية للنيل الأزرق على بعد كيلو مترات من الحدود السودانية الإثيوبية، عند مدخل بحيرة السد وعلى بعد 220 متر من ضفة النيل الأزرق عند الحدود.
وتعتبر محطة الديم إحدى أهم محطات الرصد والإنذار المبكر للفيضانات وقياس كميات المياه الواردة من الهضبة الإثيوبية، فضلاً عن اعتماد كافة المحطات الهندسية النيلة على مقاسها للمياه على رأس كل ساعة وحتى محطة السد العالي.
ومعلوم أن فيضان النيل يمر بثلاث مراحل تبدأ بموسم الفيضان، ثم موسم الظهور وموسم الحصاد، وتستغرق رحلة الفيضان هذه خمسة عشر يوماً من الهضبة الإثيوبية عند مقياس الديم على الحدود السودانية الإثيوبية حتى بحيرة ناصر، ويقطع النهر خلالها مسافة (2590) كم بسرعة تصل إلى (168) كم يومياً على ثلاث مراحل، كل منها خمسة أيام، فيما يبدأ موسم الفيضان في السودان في الخامس من يوليو من كل عام، وهو ما يعرف ببداية السنة المائية الجديدة لدى وزارة الري السودانية، ويستمر الفيضان لمدة ثلاثة أشهر، وتعد الهضبة الإثيوبية هي المصدر الرئيس للفيضان السنوي للنيل وتمثل (85%) من حصة مصر المائية التي يعد النيل الأزرق أهم روافدها، ويضاف إلى ذلك النيل الأبيض الذي يمد مصر بـ(15%) من حصتها من مياه النيل، ويصل متوسط تدفقات النيل الأزرق (50) مليار متر مكعب كل عام، وفي حالة الفيضان الغزير قد تصل التدفقات من (80) إلى (100) مليار.
وفي يوم الاثنين العشرين من يوليو الماضي سبق لوكالة الأنباء السودانية أن أوردت خبراً يفيد بخروج محطات المياه في العاصمة السودانية الخرطوم من الخدمة بصورة مؤقتة، وردَّ مسؤول سوداني بوزارة الري والموارد المائية هذا التوقف له عدة أسباب من بينها سد النهضة الإثيوبي، وقال إن خروج بعض محطات المياه في الخرطوم من الخدمة مؤقتاً يعود لعوامل عديدة ليس أهمها تأثير بدء سد النهضة الإثيوبي.
ومما يجدر ذكره أنه يتم قياس تصرفات النيل أثناء رحلته إلى مصر من خلال ست محطات، وهي محطات الديم والروصيرص وسنار على النيل الأزرق، ومحطة الخرطوم الواقعة على ملتقى النيلين والنيل الرئيس، ومحطة عطبرة لقياس النيل والواقعة على النيل الرئيس حيث تصلها المياه من نهر عطبرة، ومحطة القياس السادسة في محطة دنقلا التي تبعد 500 كم إلى الشمال الخرطوم والواقعة على النيل الرئيس، ويتم حساب فيضان النيل والمياه الواردة إلى مصر مع بداية السنة المائية مطلع أغسطس من كل عام.
ولعل من المعلوم أن دولتي السودان ومصر ظلتا ترفضان بشدة الاتجاه الأحادي لإثيوبيا وملء سد النهضة قبل التوصل إلى اتفاق في القضايا الفنية والقانونية العالقة، وتتخوف الدولتان من تأثير سد النهضة على حصتيهما من مياه النيل الأزرق، وتؤكد إثيوبيا أن السد لن يؤثر على حصتي البلدين ويخدم مصالحهما في مشاريع التنمية وتوليد الكهرباء.
خلاصة القول إن الآثار الإيجابية المحتملة لسد النهضة الإثيوبي يمكن أن تتحول إلى مخاطر دون وصول السودان وإثيوبيا ومصر إلى اتفاق حول الملء الأول والتشغيل، الأمر الذي إن لم يكتمل بشكل وافٍ ومدروس ومتفقٌ عليه، من شأنه إحداث أضرار تتعلق بالتشغيل غير الآمن للخزانات السودانية، في حال عدم التنسيق وتبادل البيانات مع الجانب الإثيوبي، مما يتطلب أهمية الوصول إلى اتفاقية ملزمة قانوناً للأطراف الثلاثة في قضية ملء وتشغيل سد النهضة، دون التطرق إلى توزيع حصص مياه النيل الأزرق، لإيجاد حلول منصفة ومتوازنة ترضي الأطراف الثلاثة وتصلح أن تكون أساساً للتوافق بينها.
ولعل وزارة الري والموارد المائية في السودان في أمس الحاجة إلى المزيد من بذل الجهد للاهتمام بمحطة الديم التي تعتبر محطة استراتيجية فاعلة، من منطلق توفيرها لكافة المعلومات المطلوبة بخصوص الوارد والصادر من المياه المنحدرة من الهضبة الإثيوبية، لا سيما عقب اكتمال إنشاء سد النهضة، الأمر الذي يتطلب ضرورة رفدها بالكفاءة المتميزة من المهندسين وتأهيل الكوادر العاملة في المحطة من لدن عبد القادر سعد الأمين والبدري أبو شنب وعبد الرحمن عبد اللطيف، وبقية العاملين في المحطة، وتأهيلهم التأهيل والتدريب المهني المطلوب لجهة مقابلة تحديات التطورات الماثلة في الإمدادات المائية الواردة إلى السودان، سواء كانت زيادة أو نقصان عقب اكتمال إنشاء سد النهضة المقابل تماماً لمحطة الديم.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب