اليوم التالي – علي الطاهر
قد لا تصدق أن حاملات الورود داخل المنازل، و شلالات المياه الصغيرة التي تزين المكاتب هي في الواقع بقايا مخلفات تم جمعها من صندوق النفايات، قبل أن يتم إعادة صياغتها بشكل فني بديع وجاذب يسمح لها الجلوس في هذه الغرف الخاصة وأماكن استقبال الضيوف..
عندما تنتهي من استخدام قوارير المياه والزيوت أو علبة الطحنية، فإنك لن تتورع في قذفها في الشارع العام أو المكان المخصص لها، وتعتقد أن صلاحيتها قد انتهت هنا داخل صندوق القمامة، ولكن في الواقع هناك أيادٍ تلتقطها وتنظفها قبل أن تحولها إلى داخل منزلك في شكل لوحات فنية رائعة من شأنها أن تجلب الإعجاب والراحة النفسية..
تعددت استخدامات القوارير البلاستيكية، وبدأ الكثير من الفنانين الهواة والمحترفين تحويلها إلى قطع فنية ذات أبعاد جمالية باهرة توضع داخل الغرف وأماكن الاستقبال.،ويبرع الكثيرون من الفنانين في تغيير شكل قوارير البلاستيك الفارغة لتحف فنية مزخرفة وشلالات صغيرة يترقق منها الماء، ومقاعد تضع فيها باقات الورود الطبيعية والمصنعة، كما تستخدم حافظات لفرش الأسنان، الصوابين والشامبو، وهناك مجموعة منها تعلق لوحات على الجدران، وهذا الفن غير التقليدي جذب الانتباه ولفت أنظار العائلات وربات البيوت المهتمين بصناعة الجمال..
ولم ينحصر فن تشكيل القوارير الفارغة في السودان فقط، وإنما يوجد في كثير من الدول العربية والأجنبية التي برع فنانوها في الاستفادة من القوارير الفارغة في صناعة تحف فنية متعددة الأشكال وتحويلها إلى حقائب نسائية ومزهريات جميلة، كما تم الاستفادة من قعورها في تصميم وصناعة الديكور وتزيين الستائر التي تعطي بعداً جمالياً في المنازل، المكاتب والمحلات التجارية وغيرها من البنايات..
ويقول أسامة الملقب ب( أبو السوس)، وهو فنان هاوٍ ببحري: هذا النوع من الفن الذي ظهر حديثاً رغم الاعتقاد أنه سهل؛ لكنه في الحقيقة يحتاج إلى قدرات عالية ودقة كبيرة في التشكيل، كما أنه يعتمد بشكل كامل على القوارير الفارغة؛ خاصة قوارير المياه الغازية والمعدنية، ويعد المشرط من الأدوات الأساسية التي تستخدم في التشكيل..
وأكد أبو السوس أن الكثيرين يرون أن هذا عملاً لتقضية الوقت وكسر الروتين؛ ولكن في الحقيقة هو نوع من الفن التشكيلي، وعمل معقد جداً يحتاج إلى تركيز عالٍ وإمكانات فنية وإبداعية كبيرة.. وعن علاقته بتشكيل القوارير قال أبو السوس: بدأت تشكيل القوارير منذ سنوات باستخدام شفرة الموس قبل أن أطور أدواتي واستخدم المقطع أو المشرط رغم أنني أعد من الهواة وليس المحترفين، وفي بداية الأمر كنت أهدي القوارير المشكلة إلى ناس البيت ونسوان الحلة، ولكن عندما ارتفع الطلب بدأت بيعها بمقابل مادي وبأسعار معقولة..
ويجد فنانو تشكيل القوارير التي تراجعت في الفترة الأخير منافسة شرسة من تجار العطور المحلية وبائعي الزيوت والسوائل الذين يعتمدون على القوارير الفارغة لإعادة تدويرها وتعبئتها من جديد في غير مكانها الأول على الرغم من المحاذير التي تضع عليها وتشير إلى عدم استخدامها، ولكن هذه المحاذير المرنة لم تكن كافية للحد من استخدام القوارير في غير محلها وتدويرها أو تشكيلها مثلما يفعل الفن الذي يقوم بدور إيجابي وتحويل هذه المخلفات لأشياء مفيدة ومناظر جاذبة بدلاً من وضعها المزري في مكبات النفايات..
