اما حكاية
دولة القبيلة
إيهاب مادبو
لما سئل المتنبي عن نسبه لم يجب، وتعلل بقوله: أنا رجل أخبط القبائل، وأطوي البوادي وحدي، ومتى انتسبت لم آمن أن يأخذني بعض العرب بطائلة بينها وبين القبيلة التي أنتسب إليها. هذه الإجابة لها دلالات أهمها تعبير الفرد عن القبيلة وتعبير القبيلة عن الفرد
تبدأ الدولة حين تنتهي سلطة القبيلة، وتبدأ القبيلة حين تنتهي سلطة الدولة والوجود المزدوج للسلطتين: القبيلة والدولة، هو وجود للتنافي المتبادل بينهما، وهو تناف لا بد من أن ترجحه كفة الدولة التي تتحقق بها الوحدة الوطنية والنظام الاجتماعي المعبر عما فوق القبيلة، وإلا حدثت الردة إلى ما قبل مرحلة الدولة الوطنية، فالوجود المزدوج بين القبيلة والدولة هو حركة تأرجح وصراع وتذبذب.
والسودان دولة متنوعة الثقافات ومتعددة اللغات ومازالت، بالرغم من تاريخها القديم، فى مرحلة التخلق والتكوين نتيجة العلاقة المزدوجة مابين الدولة والقبيلة التى تنامت فى الفترة الأخيرة بشكل أصبح مهدداً للدولة وجودها.
عمد النظام البائد، عبر سياسات ممنهحة، إلى استمالة رجالات الإدارة الأهلية واستقطابهم سياسياً مما أحدث ذلك شرخاً كبيراً فى مفهوم الإدارة الأهلية، التى ماعادت تقوى على القيام بواجباتها تجاه مجتمعاتها وفقاً لوظيفتها الأهلية والاجتماعية.
هذا بدوره انعكس على الدولة بعد صعود سلطة القبيلة على مسرح الأحداث السياسية والعسكرية لدرجة قيام الإنقاذ إلى منح الرتب وتوزيع النمر العسكرية للعديد من رجالات الإدارة الأهلية بمختلف جغرافية السودان، وأصبحت تلك الجيوش عقيدتها العسكرية هى القبيلة تدين بالولاء لزعيم الإدارة الأهلية.
والنماذج لتلك القوات ذات العقيدة العشائرية أو القبلية كثيرة وهي قوات بكامل عتادها العسكري؛ من سلاح وعربات دفع رباعي وجنود لايعرفون من الدولة سوي القبيلة التى ينتمون إليها.
وفى احداث دامية شهدتها بعض أقاليم البلاد كانت لتلك الجيوش القبلية يد طولى فى الأحداث الدموية نتيجة التجييش القبلي وإقحام النظام الأهلي فى معترك السياسة.
وحري بالنخبة السياسية والعسكرية، وهى تتواضع لمناقشة الأزمة السياسية بالبلاد أن تنتبه لمسألة مهمة للغاية، بل إنها تشكل مهدداً لوجود الدولة ذات نفسها الجغرافية , عليها أن تنتبه لمسألة المليشيات العسكرية حينما تتفق على عملية الدمج والإصلاح العسكري
فضية دمج الدعم السريع فى الجيش أقل تكلفة من معالجة أمر تلك الجيوش ذات الطابع العسكري التى تمثل أهم أجندة الإصلاح العسكري، إذا ما أردنا بناء جيش وطني بعقيدة جديدة .
اختراق الأحزاب السياسية للجيش ساهم كثيراً فى اختزال دور المؤسسة العسكرية بعد ولوغها فى وحل السياسة، ولكن بالمقابل هذا أقل تكلفة من عملية تجييش القبائل على الأساس الإثني والمناطقي
وحزام السافنا، أو كما أسميه أنا (بالحزام الناسف ) وهي المنطقة الممتدة من مدينة ام دافوق بأقصى غرب السودان، وحتى مدينة الروصيرص شرقاً؛ يمثل شريط النار لتداخلاته الثقافية والاجتماعية، إضافة لتعدد الجيوش ذات الطابع القبلي والعشائري.
وغالباً ما تأتي النزاعات القبلية بهذا الحزام عنيفة ودموية نتيجة لطبيعة الصراع وارتباطاته بالأرض والإنسان، وحينما قامت الإنقاذ بعملية التجييش ومنح الرتب العسكرية للقبائل بتلك المناطق؛ فإنها فى الأساس قامت بوضع قنابل وألغام شديدة الانفجار والتأثير على الدولة وأركانها.
لذا فإن أيما حديث لدمج الدعم السريع بالجيش كقوات غير رسمية، وليست لها عقيدة عسكرية؛ فإن المنطق يقول أيضاً، يجب أن يستوعب ذلك المليشيات القبلية التى تتبع للقوات المسلحة، وبذات الإجراءات الإصلاحية من أجل بناء جيش قومي موحد.
بالمناسبة رتب (خلا) بجغرافية الحزام الناسف على قفا من تستطيع كتفه حمل الدبابير وصدره الأنواط العسكرية، وبعض من هؤلاء القادة (الخلا) كان فى وقت سابق قد طالب قادة النظام البائد بمنحه الشارة الحمراء لهيئة الأركان، فأصبح فى غضون ساعات فقط عميد أركان حرب بجانب وظيفته بالإدارة الأهلية.