التعايش الاجتماعي ضرورة لاستدامة السلام

أما حكاية

التعايش الاجتماعي ضرورة لاستدامة السلام

إيهاب مادبو

التعايش هو المصطلح الذي تم استخدامه بشكل مترادف في سياقات عدة، كما استخدم بوصفه عبارة رئيسية في ظهور عدد كبير من الحركات الاجتماعية والسياسية، والسمة الرئيسية في تعريف كلمة «التعايش» هو علاقتها بكلمة «الآخرين» والاعتراف بأن « الآخرين» موجودون.

غير أن ما يميز التعايش الاجتماعى هو أن مختلف الجماعات في كثير من الأحيان، سواء كانت عرقية أو دينية، والتي تعيش في فضاء العيش المشترك، وبذلك يكون تحديد علاقتهم مع بعضهم البعض، وكيفية إمكانية تطوير هذه العلاقات واستدامتها وتطبيعها هو ما يشكل تحدياً رئيسيًّا للقرن 21، ولأنه على مستوى المجتمع المحلي التقليدي والذي لا زال يعيش وفق التصور النمطي تجاه بعضه البعض.

وقد عرفت منطقة جبال النوبة /جنوب كردفان، هذا النوع من التعايش بين مكوناتها الاجتماعية المختلفة على مر العصور، حيث تسكن إقليم جبال النوبة/جنوب كردفان، مجموعة من القبائل، وهي قبائل متداخلة جغرافياً واجتماعياً، وتشمل النوبة بمختلف مجموعاتها اللغوية وعرب البقارة ( المسيرية والحوازمة وأولاد حميد كنانة شوابنة كواهلة) ومجموعات أخرى توافدت إلى المنطقة ( كالداجو والبرنو والفلاتة )، التي قدمت من غرب أفريقيا، ورغم الانشقاق الذي حدث في جدار المنطقة بسبب الحرب والصراع ، إلا أنها شكلت بوتقة تعايش وتمازج.

هنالك عوامل ساهمت في التزاوج والتآخي بين تلك المجموعات المتباينة، فولدت ثقافة جديدة وأدخلت أنماط جديدة من القيم والمعايير الاجتماعية، وذلك لوجود علاقة اجتماعية وتاريخية بين النوبة والبقارة وهي علاقة استطاعت تكوين نسيج اجتماعي ونموذج للعلاقة السلمية بينهم على مر السنين.

ومن الحقائق المعاشة أن عرب البقارة أصبحوا يشكلون جزءاً لا يتجزأ من الهياكل الاجتماعية والقبلية للنوبة والعلاقة بينهم ظلت أبرز ميزاتها التعايش السلمي والامتصاص العرقي والتمازج الثقافي والاجتماعي والتصاهر المتبادل ، الذي انساب عبر مؤسساتهم وآلياتهم الأهلية الفعالة، في وسط العشائر والبطون في كل جبال النوبة سواء كانوا رعاة أو زراعاً, وتعلموا لغة وثقافة بعضهم البعض.

إن الصراع في جبال النوبة أدى إلى زعزعة الثقة بين هذه العناصر والمجموعات السكانية التي تعايشت لسنوات طويلة، والمطلوب هو إعادة الثقة بين تلك العناصر حتى يستمر التعايش السلمي وتذويب الفوارق بخلق برامج بين الأطراف عن طريق مؤتمرات الصلح وإحياء المعاهدات والأحلاف والمواثيق القديمة وتعزيز المجهودات وصولاً لهدف التعايش بينها

فالحرب الأهلية في جبال النوبة قد تسببت في نزوح أكثر من مليون من النوبة والبقارة وشردتهم من ديارهم، كما قتل فيها الآلاف ودمرت مئات المدارس والمراكز الصحية وآبار المياه والمشاريع الزراعية، وفقدت فيها المواشي والممتلكات ، وحلت فيها ثقافة الحرب والعنصرية محل قيم التسامح والسلام والألفة، التي كانت حياة المجموعتين النوبة والبقارة لأكثر من خمسة قرون مضت .

هنالك حقيقة مشتركة؛ وهي أن مختلف الجماعات العرقية في جبال النوبة ومناطق التماس كثيراً ما تنشب نزاعات بين الرعاة والزراع ، حيث تشكل المواشي والحبوب عصب الاقتصاد الريفي، وتتسم هذه النزاعات بأنها تحدث متفرقة وسرعان ما تزول، وعادة ما يتم احتواؤها وحلها عبر مؤسسات وآليات صنع السلام التقليدية، والتي تنتظم الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لتلك الجماعات .

مخطئ من يظن بأن كسب المعركة السياسية أو العسكرية كفيل بكسب المعركة الثقافية أو الاجتماعية فى المنطقة، نتيجة لعدة تداخلات وعوامل تشكل سياجاً منيعاً وهي عوامل مكتسبة بفعل مثاقفة فى سياقات حوار ثقافي أنتج نوعاً مميزاً من علاقات مجتمعات المنطقة،

وهذه العلاقات تلخصت في السابق في تحالفات وعهود أصبحت بمرور الزمن واقعاً معاشاً، الذي يحتاج لمؤتمرات جامعة بين مختلف هذه القبائل للجلوس والتفاكربأسس لإحياء هذا التعايش السلمي مستقبلاً للحفاظ على جغرافية المنطقة والديناميات الاجتماعية والاستقرار للنهوض بها،

لذلك لا بد من البحث عن المعالجات الموضوعية والآفاق المستقبلية لخلق نوع من قناعات التعايش السلمي بين النوبة وعرب البقارة، والكيانات الأخرى لتصبح عقيدة راسخة، بحيث لا تتعرض إلى هزات أو نكسات كما حدثت من قبل !! وذلك عبر الآتي :

وضع حلول جذرية للمشاكل التي كانت تؤدي إلى نزاعات بين الأطراف القبلية كمشكلة المراحيل ومشاكل الإدارات الأهلية .

الاهتمام بالموروث الثقافى التقليدي الجمعي لنشر ثقافة السلام والتعايش السلمي والتواصل القبلي وإقامة مؤتمرات الصلح بين القبائل.

الاستمرار في برنامج إحياء الأحلاف والمواثيق القديمة .

ربط المجموعات النوبية وعرب البقارة وغيرهم بمصالح اقتصادية مشتركة وبرامج تنموية .

الاهتمام بالمؤسسات الشعبية التى تعمل فى مجال فض التزاعات وبناء السلام.

الاهتمام بالتنمية بشتى أنواعها، وخاصة البشرية منها.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب