الاختفاء… ظاهرة أقلقت المجتمع 

الاختفاء… ظاهرة أقلقت المجتمع

خبير أمني : 90% من ظواهر الاختفاء بالتراضي مابين المختفي والخاطف

د. بلدو: الظروف في السودان تجعل الجميع مهيئين للاختفاء الاختياري

اقتصادي: الاختفاء بسبب التمرد من الزواج بسبب غلاء المهور

خبير تربوي الاختفاء بسبب ضعف الرقابة الأمنية

الخرطوم: فايزة اباهولو

كثرت في الآونة الأخيرة في مجتمعنا السوداني ظاهرة الاختفاء المفاجئ، الذي يترك أسئلة بلا إجابة، ولايستطيع أحد معرفة الأماكن التي يتم فيها الاختفاء سواء كان اختفاء اختيارياً أو قسرياً، مما يجعل المجتمع في حالة شد وجذب لمعرفة الحقيقة، إلى أن يتفاجأ بعودة المختفي دون معرفة الملابسات أو حتى توضيح من الشرطة وذوي الضحايا، الأمر الذي قد يؤرق البعض ويطرح كثيراً من الأسئلة بين الناس عن أسباب الاختفاء، والعودة، وقد تختلف الأسباب، ويرجح البعض بان الدافع وراء الاختفاء أنه حالة السيولة الأمنية التي تعيشها البلاد في الخرطوم، بينما هناك حالات اختفاء يرجح البعض أنها مقصودة من الشخص نفسه لظروف ما.

( اليوم التالي) سعت لمعرفة ملابسات وأسباب الاختفاء التي تفشت في المجتمع مؤخراً.

حوادث متعددة

في العامين الأخيرين سجلت أقسام الشرطة عدة حوادث عن اختفاء أشخاص، منهم رجال و نساء وأطفال ، بينما عاد بعض المختفين إلى عائلتهم، إلا أن هناك بعض الحوادث لم تُحل لغزها حتى الآن لمعرفة أين كانوا وكيف تمت عودتهم، وخير مثال اختفاء الدكتور أحمد حسين بلال صديق الأستاذ الجامعي بدولة الإمارات العربية”، الذي كان مرافقاً لوالده المريض بمستشفى الساحة شرق العاصمة على مقربة من مقار أمنية وعسكرية، حيث ظل، مختفياً لمدة خمسة أيام إلى أن عثرت السلطات عليه في ضاحية الأزهري جنوب الخرطوم، حيث تم الكشف عن اختطافه من قبل مجموعة مسلحة بغرض السرقة، والنهب و ابتزاز أهله لأجل دفع فدية للخاطفين لتأمين عودته حياً.

اختفاء مغترب

هنالك حادثة أخرى لم تستطع الشرطة فك طلاسمها بعد، وهي حادثة المغترب د. عامر الذي عاد من السعودية قبل أيام واختفى في ظروف غامضة وقالت أسرته طبقاً لـقناة ”العربية” إن ابنها (عامر) خرج من منزل خاله بالجريف غرب يقود سيارة كامرى، وأضافت الأسرة أنهم بحثوا عنه في عدة أماكن دون جدوى، بعد أن فقدوا الاتصال به، في وقت أعلنت فيه عن تدوين بلاغ في قسم شرطة الجريف شرق . وراجت عدد من الشائعات عن اختفاء د. عامر، إلا أن أسرته نفت أي اتصال به او العثور عليه.

أسباب أمنية

عرّف استاذ محمد الهادي – موجه تربوي – ظاهرة الاختفاء بأنها ظاهرة قديمة والأسباب متعددة، منها اقتصادية، وقال: قد يختفي رب الأسرة دون علم أسرته أو أسباب سياسية وأمنية وعوامل أسرية.

وأضاف الهادي.. في الآونة الأخيرة ظهر التمرد في مسألة الزواج بسبب غلاء المهر الذي يؤدي إلى ظاهرة الاختفاء، وأيضاً ظهور (9)طويلة، الذي يستدرج الفرد ويتم خطفه ونهبه، وهناك ظاهرة اختفاء الأطفال، وتعد هذه من أخطر ظواهر الاختفاء لأنه قد يكون الغرض منها بيع الأعضاء أو لتجارة بشر، وكذلك اختفاء الفتيات، فأصبحت ظاهرة الاختفاء تشكل خوفاً للمجتمع، وقد يكون عدم الترابط الاجتماعي هو السبب في صعوبة ظهور الفرد المختفي.

 

اختفاء اختياري

قال الطبيب الاستشاري النفسي د.علي بلدو: ل(اليوم التالي) بأن 90% من حالات الاختفاء أصبحت اختيارية نتيجة لكثير من العوامل منها الضغوط الأسرية، و عدم القدرة على التأقلم على متطلبات الأسرة، والخلافات والانفصال والطلاق و(النقه بين الأزواج) والحديث الكتير.

ومن الأسباب الاختفاء الاختياري، أشار بلدو إلى عدم القدرة على القيام بالواجبات الوظيفية والأزمات الاقتصادية الأساسية والواجبات الأسرية، وأيضاً الفشل في الارتباطات العاطفية وعدم موافقة الأهل باختيار الزواج والتعقيدات الخاصة بالأموال والميراث، وعدم قبول الآخرين، والشعور بالدونية والتعرض للعنف المبني على النوع. أو الزجر او الاعتداءت البدنية والاغتصاب والتحرش الجنسي.

أمراض

وكشف بلدو عن وجود أمراض تؤدي إلى ظاهرة الاختفاء منها (زيادة كهرباء الجسم وإدمان المخدرات والهذيان والخرف وأورام الدماغ والغدد الصماء )، وقال إن ظاهرة الاختفاء تؤدي إلى حالة خوف وقلق وترقب، وتأتي بعدها مرحلة إبلاغ الشرطة والتقصي وإشراك المواطنين للبحث مما يؤدي الي خلق جو مشحون بالشائعات وانتهاك خصوصية أسرة المختفي، مما يجعل العيش في أحوال نفسية غير مستقرة.

وقال بلدو بأن الأشخاص المختفين ينالهم شعور من التوازن النفسي و الرضى والارتياح والوصول إلى غاياتهم المطلوبة كالهجرة أو الفكرة او السفر أو العمل لتلبية متطلباتهم الخاصة التي لا يستطيعون فعلها.

وأضاف.. بعضهم يصاب بشعور أنه أخفق أو خذل ممن كان حوله، فيدفعه ذلك إلى العودة مرة أخرى أو مواصلة رحلة الاختفاء الى الأبد.

معالجات

و قال الدكتور علي بلدو: لابد من المعالجة للحد من الظاهرة، وعلى الأسر مناقشة المشاكل الأسرية بأريحية وصراحة وتقبل الآخرين والابتعاد عن جو الشائعات والقصص التي تؤدي إلى أجواء غير ملائمه ولاتساعد على عودة المختفي، والحذر من التعامل من مواقع التواصل الاجتماعي، وعدم نشر صور المختفي واخباره إلا بعد التأكد من وجود شبهات جنائية أو مرضية أو لها علاقه بالاختفاء القسري، حتى لاتحدث في الأسرة وصمة تلاحقها كل العمر، والشعور بالخوف من المجتمع مما يقود إلى عنف اجتماعي، وكذلك لابد من إشراك الشرطة والأمن والتعامل معه بسرية .

وقال بلدو : إن الظروف الآن في السودان تجعل جميع الناس مهيئين للاختفاء الاختياري.

عبء الأجهزة الأمنية

وفي ذات السياق، قال الخبير الاقتصادي أستاذ محمد الناير، إن قضية الاختفاء ظاهرة جديدة على الشعب السوداني والأجهزة النظامية ولم تكن موجودة بهذا الشكل في السابق، وربما تكون موجودة، ولكن لاتوجد وسائل تواصل مثل اليوم وتداول الخبر علي مستوى عالمي في أقل من نصف دقيقة، مما جعل الظاهرة محدودة في السابق، والآن وسائل التواصل تلقي عبئاً كبيراً علي الأجهزة الأمنية لتسعى الى الوصول للحقيقة في أقرب وقت ممكن.

وأضاف النار،، هناك الكثير من الملابسات علي الاجهزه الأمنية والشرطة تجعلها تتأخر في الإعلان عن الاختفاء لاحتياجها لكثير من التحقق والتحقيق في الدوافع، وإن وجد الشخص هناك إجراءات أمنية لابد من اتخاذها لتمليك الرأي العام الحقائق، وعلى الشرطة أن تتوازن لتكملة الإجراءات بصورة صحيحة، حتى لا تؤثر على التحقيق وسير الإجراءات، وتملك الرأي العام الحقيقة حتى لايسعى الجميع إلى التأويل والتخمينات .

دور الدولة

وبرأ الناير الظروف الاقتصادية القاسية التي يعيشها المواطن السوداني بأنها قد تكون سبباً وراء ظاهرة الاختفاء، وقال إن الوضع الاقتصادي في فترة كان يؤدي إلى اختفاء رب الأسرة لأسباب سياسية بسبب تنفيذ روشتة صندوق النقد الدولي التي نفذت دون النظر للمواطن، مما جعل بعضها يختفي.

ولكن في الآونة الأخيرة الوضع الاقتصادي لم يكن له دور في الاختفاء؛ لأن الأفراد الذين يختفون لهم وضع مالي جيد، وقدرات مالية جيدة، على الدولة البحث عن أسباب ظاهرة الاختفاء.

ابتزاز

وقال الخبير التربوي صابر احمد ل(اليوم التالي )في الآونة الأخيرة كثرت في المجتمع السوداني ظاهرة الاختفاء المفاجئ الذي يترك أسئلة بلا إجابة، ولايستطيع أحد معرفة الأماكن التي يتم فيها إخفاء الضحايا أو من قام باختطافهم، وهو يشبه إلى حد كبير ظاهرة الابتزاز الذي تقوم به العصابات الأجنبية في كثير من الدول مع الأجانب أو ابناء الأثرياء، حيث يتم إخفاء المختطفين في أماكن مجهولة والاتصال بذويهم ومطالبتهم بفدية مالية كبيرة مقابل سلامة منسوبيهم واستلامهم لاحقاً .

ضعف الرقابة الأمنية

وقال صابر إن للظاهرة أسباباً كثيرة، منها ضعف الرقابة الأمنية واستخفاف المجرمين بقدرات أجهزة الأمن في ملاحقتهم، في ظل حالة السيولة الأمنية، وقد يكون الاختفاء بسبب النهب المباشر للضحايا الذين يحملون ثروات مقدرة كالطبيب المغترب القادم من السعودية، ويرجع البعض، قد يكون الاختفاء مقصوداً من الشخص نفسه لظروف ما وتنطبق على هذه الحالة النظرية النفسية الأكثر شيوعاً في العالم والتي تقول: كثرة المثير تقلل الاستجابة، وهنا كلما تواترت الأنباء عن أحداث من هذا النوع بالخطف والاختفاء وعودة المخطوفين بلا ضرر تثبت الشعور للعامة بعض الاهتمام والتوتر لمجرد سماع مثل هذه الأخبار لأن كثيراً منها مفتعل ومصنوع، وغير مؤثر.

ومن أنواع الاختفاء الخطف لأجل النهب، وهو نهب الخاطفين للمخطوف أو ابتزاز أهله لأجل دفع فدية كبيرة للخاطفين لتأمين عودته حيا، وهذا غالباً ما تكون خلفه المؤثرات الاقتصادية الحالية والتضخم الذي يضرب كل مناحي الحياة وضيق ذات اليد.

معاقبة

المحامي أحمد السنوسي قال: يجب معاقبة كل من يختفي ويعود إلى أهله دون أسباب واضحة وتقديمه للعدالة، ومن المفترض إدراج ظاهرة الاختفاء تحت المادة ( 69) الإخلال بالسلامة العامة .

وقال السنوسي : الاختفاء ظاهرة مهلكة تسبب إزعاجاً نفسياً للمجتمع عند غياب الفرد لأكثر من 6 ساعات عن أسرته، في ظل وضع السيولة الأمنية بالبلاد .

أزمة سياسية

وقال الخبير الأمني أمين مجذوب ل (اليوم التالي ) إن ظاهرة الاختفاء في الآونة الأخيرة مرتبطة بالوضع الاقتصادي الذي أثر علي الوضع الاجتماعي منها اختفاء النساء والفتيات، وبعد عودتهن إلى الأسرة يتم التكتم على أسباب الاختفاء وتسويته بعيداً عن الرأي العام .

 

 

وقال مجذوب: هناك أسباب عامة تؤدي إلى تفشي ظاهرة الاختفاء، منها العلاقات التي تنشأ خارج إطار الزواج .

وأشار مجذوب إلى أن هناك علاقات اجتماعية ومجاملة، والذهاب لمنزل مناسبة والقضاء به أكثر من ثلاثة أيام، وذهاب الأبناء إلى اصدقائهم ؛ بغرض المذاكرة ، والذهاب لقضاء إجازة لإحدى الولايات، تعد ثغرات تتم بها ظاهرة الاختفاء.

وقال مجذوب: يوجد اختفاء قسري بوجود عصابات منظمة تقوم بإخفاء الضحايا تحت تهديد السلاح لأغراض غير حميدة، وأشار إلى أن الشرطة أصبح لها دور في الكشف عن الجرائم بمراقبة الشقق والهواتف .

وقال مجذوب: الأزمة السياسية هي التي أفرزت ظواهر الاختفاء، وهناك اختفاء أكثر من شخص اذا كان السبب سياسياً يعود المختفي لوحده، ولو السبب أمني يحدث اتصال بذويه ويعود المختفي، ولكن عندما يعقب الاختفاء جريمة قتل، في هذه الحالة تصبح جريمة أمنية .

وأكد مجذوب، بأن حوادث الاختفاء الآن أزعجت الشعب والسلطات الأمنية و90% من ظواهر الاختفاء بالتراضي مابين المختفي والخاطف أو المحتجز؛ لأنها بالتراضي و في هذه الحالة تتطلب المعالجة بطرق استراتيجية اجتماعية وأمنية وجميعها تندرج في مسألة الأزمة السياسية .


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب