أحمد “خٌلال” بائع الصحف الذي أصبح أشهر تشكيلي: *أنا فنان”تجريدي” أنقب في التراث.. و”أفراح السودان” أجمل لوحاتي .. 

أحمد “خٌلال” بائع الصحف الذي أصبح أشهر تشكيلي: *أنا فنان”تجريدي” أنقب في التراث.. و”أفراح السودان” أجمل لوحاتي ..

* الفن بصري .. الموسيقى سمع والعلم عقل.. أهديت قاقرين نجم الهلال خٌلال خشب ..

*اللص الخفي سرق نظري .. الخارجية ظلمتني .. و”الفلس” يولد الإبداع..

حوار: علي الطاهر

بدأ حياته المليئة بالتفاصيل الفنية “بائع صحف”، ثم عمل في أكثر من مهنة قبل أن يتحول لفنان تشكيلي من المدرسة “التجريدية”.. إنه المبدع أحمد بشرى الشهير بـ”خٌلال” الذي ينقب داخل التراث السوداني بالأزميل، ويصنع من السفروك، الطبق، وقميص الدرويش لوحات باهرة تسر الناظرين.. (اليوم التالي) أجرت معه حوار كشف من خلال الكثير عن تفاصيل رحلته الفنية من الخرطوم إلى مدينة سنجة ..

*مثلما ارتبطت الألوان باللوحات، ارتبط “خٌلال” باسمك.. ما هو سر هذا اللقب اللاصق بك وبالمهنة؟

في الحقيقة أنا اسمي أحمد بشرى محمد الفكي، وشهرتي “خُلال” وهذا اللقب الشهير جاء امتداداً لأسرة المرحوم “النور الكرسني الزين” وهي عائلة عريقة في الخرطوم وسنجة، وكان في زمن ظهر فيه الخُلال كنت أقوم ببيعه هذا النوع من “مشط الشعر” في السكة حديد، وعندما أعود إلى البيت يناديني الجميع “يا خُلال” ومن هنا بدأ اللقب , وسار معي حتى اليوم ..

*متى بدأت علاقة الأسرة مع هذا النوع العريق من المشط التراثي؟

الخُلال الذي ظهر في حقبة السبعينيات مع الخنفس وانتشر في مدن السودان، يختلف كثيراً عن خٌلال الخشب الخاص بالأسرة في كسلا شرق السودان، وأجدادنا الذين حاربوا مع البطل السوداني “عثمان دقنة” كانوا في الجبال يستخدمون الخُلال ذو الثلاث قصبات المعروف ..

*ما هي قصة لاعب الهلال “علي قاقرين” مع “أحمد خُلال”؟

أذكر كنت في مشروع الرهد الزراعي طلب مني المدير عمل سور للشركة بالسلك الشائك، وأثناء ذلك قمت بصناعة خُلال من السلك الشائك نفسه وكنا “مخنفسين”، وعندما حاول أسرح شعري الكثيف وجدت السلك كبير، فاخترت سلوك الدراجة “العجلة” ومنها صنعت خُلالات كبيرة, وعندما قابلت لاعب المنتخب السوداني ومهاجم الهلال أم درمان “علي قاقرين” أهديته خُلال وكذلك “علي فرج الله”، وكان ذلك في عام 1977 تقريباً.

*وماذا حدث بعدما قمت بتأصيل صناعة الخُلال؟

بعد ذلك بدأت أعمال تجميل “القرع” بالبلي ثم طورت هذه الأعمال الفنية بالقرون ونحت الطيور، كما حاولت النحت على الأخشاب والحق ..

*قبل ذلك ماذا كنت تعمل؟

كنت أعمل “بائع صحف” وذلك بعد أن أكملت المرحلة الأولية، وكنت أبيع صحف الأيام، الصحافة ومجلة القوات المسلحة في مدينة سنجة، والغريب في الأمر أن الشخص الذي أبيع معه الصحف هو أستاذي وذلك الكاتب الكبير “أمين محمد زين” صاحب “أغلى من حياتي لقاء عند الغروب”، وهو الذي ساعدنا أن أصل إلى هذه المكانة الرفيعة، وأكون فناناً تشكيلياً بمساعدة دكتور حسين حاج العابد، والأخت نجوى عبد الحي، والطيب بشير ومجموعة من الأخوان هما الذين عبدوا لي السكة للسير في هذا الطريق الجميل ..

*كيف انتقلت من بائع صحف هاوي إلى فنان تشكيلي محترف؟

في الحقيقة أنا مررت بعدد كبير من الأعمال المهنية المرتبطة بالفن والتشكيل مثل البناء، النقاشة، الحدادة وهذه جميعها تعتبر نوع من الفنون بالإضافة إلى أنني أنتمي لأسرة فنية وجدي كان فناناً وصائغاً يرسم وينحت ببراعة على الذهب المعدن النفيس, لذلك تجد أفراد الأسرة غالبيتهم درسوا كليات الفنون يجيدون أنواع مختلفة من الفنون حتى النساء والبنات يجيدون فن تشكيل الحناء ..

أما أنا انتقلت من صناعة الخُلالات لتطوير عناقريب الجرتق والحق التي تظهر في طقوس مناسبات الأفراح وذلك عندما ظهرت المخارط في مدينة سنجة، ومنها انطلقت باحترافية في عالم فن التشكيل ..

*بالطبع أنتجت عدد كبير من الأعمال الباهرة.. ما هي أفضل لوحاتك؟

هي لوحة “أفراح السودان”، وتعتبر بالنسبة لي أعز لوحة، وفي كل مرة أقوم بتطويرها وأضيف لها لمسة جمالية، وأنا أحب السودان، وأحب التراث وحتى لا ندعه يندثر ابتكرت أشياء تحفظه، وزمان الناس في المنافسات يشاركوا بالمال يقول ليك هذا دفع مبلغ قدره و..و.. فقلت لماذا لا أعمل لوحات وأقدمها في المناسبات بدلاً من المال، والفعل بدأت أقدم اللوحات هدية في المناسبات، ثم تطورت إلى وشاحات عمت مدينة سنجة قبل أن تنتشر الفكرة إلى بقية مدن السودان، وكانت هذه الوشاحات تقدم في المناسبات الرياضية فقط ..

*كم مرة شاركت في معرض الخرطوم الدولي؟

بهذه الدورة شاركت “20” مرة، وكنت أعرض هذه الأعمال منذ معرض الولايات في حكومة الإنقاذ، كما شاركت في حكومة الرئيس النميري، وكان المعرض جميل ورائع، وخلال هذه المشاركات قدمت عدد كبير من اللوحات الفنية ..

*كيف جاءتك فكرة عنقريب الجرتق “الحٌق” ؟.. وهل أنت أول من صممه؟

تعود الفكرة عندما طرحتها لصديقي الفنان “فوزي محمد زين ” وهو خريج فنون المعهد التقني كوستي، وقلت له أريد أن أصمم عنقريباً “حُق”، فقال لي يمكن ذلك بوضع “الحُق” تحت الأرجل، وبالفعل نجحت الفكرة، وعلمت نموذج آخر عبارة عن “بمبر” ، وأنا أول من صمم هذه التراثيات التي انتشرت في المعارض داخل وخارج السودان، وأتحدى أي شخص يقول إنه صمم هذا الحُق، عنقريب الجرتق والخُلال قبلي، وأنا لا أبحث شيئاً سوى الحق الأدبي ..

*لماذا لا تقوم بتسجيل هذه الأعمال والمحافظة عليها وفقاً للملكية الفكرية؟

في الحقيقة سجلت هذه الأعمال عنا في الخرطوم صنفتها في وزارة الثقافة والإعلام، والآن بعمل على تطوير هذه اللوحات التي أمامكم والتي تعتبر أعمال فريدة يأتي جميع زوار المعرض لتصويرها ..

*ما هو اسم هذا النوع من الفن التشكيلي؟

يسمى هذا النوع من الفنون “الفن التجريدي” يعني تقوم بتجريد الشجرة وتعمل منها لوحة، أو الجلابية المرقعة الخاصة بالصوفية أحولها للوحة وهي أرث يدل للدولة المهدية، وكذلك أنقب في الأدوات التراثية مثل السفروق والقرجة وأحولها أشكال فنية جميلة كما ترى، وكذلك طبق الدخن والذي يترجم مقولة شهيرة وهي “أدونا فندقكم ندق وندوكم”، والهدف من كل ذلك هو إيصال الفن لهذه الأجيال باللوحة والحفاظ على التراث من الاندثار ..

*بحكم ممارستك هل هذه اللوحات تستطيع المحافظة على التراث السوداني؟

بالطبع أستطيع ذلك لأن الفن عمل مؤثر على الإنسان في كل العصور، فمثلاً اللوح تم استخدامه شعار “سنار عاصمة للثقافة” لذلك أنا جسدت هذا اللوح في لوحة تراثية فنية وجدت القبول عند الكل، ولكن نفس اللوح لو أعطيته لشخص في “خلوة” أو مسيد ربما يتسأل ما هذا ؟؟ وكذلك السبحة والطبق وغيره من الثروة التراثية التي يتمتع بها السودان ..

*إذاً أنك في كل معرض أو فعالية توزع رسائل من خلال لوحاتك الفنية؟

أنا دائماً ما أوزع رسائل نؤكد أن السودان غنياً بالتنوع التراثي , وبكل صراحة نحن دولة غنية بكل شيئا ثقافة – سياحة – تراث – ذهب وزراعة ..

*ما هي المشاكل التي يعاني منها الفنان التشكيلي في السودان؟

نحن كفنانين تشكيليين نعاني من مشاكل كثيرة بعدما ابتعد الجميع عن دعم الثقافة والفنون، وكثيرون لا يعرفون القيمة الحقيقة للفن , ويمكن أن يأتي مسئول رفيع يسألك لشرح لوحة والفن لي شرح, والمعروف “أن الفن بصري والموسيقى سمع والعلم عقل” ..

*ما هي الأدوات التي تستخدمها في إخراج هذا الفن الرفيع؟

دائماً ما استعمل الأزاميل والأركيت وبعض أدوات النحت التي تساعدني في إخراج اللوحات , ولا استخدم الريشة لأنني لا أعرف الرسم البتة ..

*ما هي المنافذ والفعاليات الثقافية التي تشارك فيها؟

شاركت في الدورات المدرسية والتي أحرزت فيها ثلاث ميداليات للولاية في التشكيل في القضارف، دنقلا وود مدني.. كما أنني أحرزت جوائز شخصية في بعض المعارض منها معرض الزراع بسنار، ومهرجان الثقافة الثاني الذي أحرزت فيه المركز الثاني على مستوى السودان وشاركت مع وزارة الخارجية في معرض بالصين بـ9 لوحات، ولكن بكل أسف ضاعت هذه اللوحات ورغم أن الفن لا قيمة له أعطتني وزيرة الخارجية “3” آلاف جنيه فقط ثمناً لهذه اللوحات بكل آسف، وعندما تقابلنا معها في معرض دار القضاة قالت لي “بحق أنت رجل فنان” ثم ذهب كل لسبيله ..

*هل يعرض الفنان “خٌلال” لوحاته للبيع؟ ومن أين يجد الدعم المادي؟

أنا قدمت لهذه الولاية الكثير وأعطيتها سنين عمري الغض , ولكن الآن زارني اللص الخفي “السكري” سرق مني نظري، العين الأولى قفلت، والعين الثاني أجريت فيها 7 عمليات وسجلت مع جمعية المكفوفين ولم أشك حتى لأحد، فقط أعتمد على بيع هذه اللوحات لتسيير حياتي، ليس هناك جهة تدعمني، وهناك بعض الجهات أنجزت لهم أعمال ولم يعطوني حقي حتى بالمحكمة والغريبة مسؤولين، أما بند دعم المبدع بوزارة الثقافة فمتوقف تماماً ..

*المعاناة تولد الإبداع أم “الفلس”؟

ضحك وقال: “الفلس ”

*رسالة أخيرة ..

رسالتي إلى حكومة سنجة:

أنا قدمت الكثير لكل المعارض الحكومية هناك , واليوم أنا ليس لدي مكان للعمل، أشتغل هذه اللوحات الفنية من داخل منزلي، وحالتي الصحية متراجعة بسبب مرض السكري ذلك اللص الذي سرق بصري.. أتمنى أن يراعي المسؤولون للإبداع والمبدعين وهذا الفن الذي يخدم إنسان الولاية، كما أطالب منحي قطعة أرض بمثابة معرض أعرض فيه لوحاتي .


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب