الدمج والإصلاح العسكري

أما حكاية

 

الدمج والإصلاح العسكري

 

إيهاب مادبو

 

لاتختلف هاتان المفردتان كثيراً فى القاموس السياسي والعسكري؛ بيد أن الكلمة الأولى قد استحوذت وبشكل كبير، على نقاشات ومفاكرات السياسيين والصحافيين فى المنابر والغرف المغلقة.

 

هذه النقاشات حول الدمج – وأعني هنا دمج الدعم السريع بالقوات المسلحة – تأتى فى تمرحل سياقات المشهد السياسي وتحولاته الإقليمية، وهي عملية تحتاج لإعداد إحصائي ودراسات سياسية وأمنية وتقييم ماهو قائم، مع أهمية ارتكازها على قراءة الواقع الإقليمي والدولي، وكل ذلك استناداً على مبادئ دستورية بواسطة البرلمان،

 

وهذه العملية تحتاج لزمن حتى تقوم المؤسسات التشريعية والقانونية والتنفيذية ، كما أنها تتطلب تمويلاً عالي التكلفة، بالإضافة إلى عملية التدريب و التسليح بعد الهيكلة، ودفع التعويض اللازم لمن يشملهم الاستغناء، و بهذا فعملية الدمج مسؤولية ممتدة، و تتم بالتزامن مع إعادة تأهيل الشرطة والأمن .

 

و أهم ما فى عملية الدمج أنها تعبر عن إرادة الشعب فى التغيير، لأن التغيير ليس فى البنية العسكرية و الأمنية فقط، و إنما يجب أن يترافق مع إزالة التمكين وامتلاك ذمام مقدرات الدولة و إعادة الخدمة المدنية لأداء دورها المنوط بها، و إعادة الخدمات التعليمية والصحية، و لأننا بحكم الواقع المعاش فى حاجة ملحة لمراجعة نمط تفكيرنا، بعد تحديد ثوابتنا وهدفنا .

 

فى الاتفاق الإطاري الذى تم توقيعه بين المجلس العسكري والمكون العسكري، وبحضور البرهان بشخصيته الاعتبارية كرئيس لمجلس السيادة، وحميدتى كنائب لرئيس مجلس السيادة، نصت إحدى فقراته على الآتي :

 

“تتخذ القوات المسلحة عقيدة عسكرية تلتزم بالنظام الدستوري وبالقانون وتقر بالنظام المدني الديمقراطي أساساً للحكم، ويكون رأس الدولة قائداً أعلى للقوات المسلحة”

 

وفى فقرة أخرى “تتبع قوات الدعم السريع للقوات المسلحة، ويحدد القانون أهدافها ومهامها، ويكون رأس الدولة قائداً أعلى لقوات الدعم السريع”.

 

تكوين قوات الدعم السريع جاء فى ظل السيولة والهشاشة العسكرية فى فترة الإنقاذ التى ابتدعت فكرة تجييش الشعب ونظام الإدارة الأهلية كقوات موازية للقوات المسلحة، وقامت بشرعنتها عسكرياً عبر قانون تمت ببرلمان الإنقاذ.

 

واختراقات المؤسسة العسكرية سياسياً بواسطة الأحزاب ليست بالجديدة على مر التاريخ؛ ولكن نظام الإسلاميين سعى إلى اختراق الجيش بواجهات متعددة عبر التنظيم، وأحكم قبضته على المؤسسة العسكرية تخوفاً من الانقلابات العسكرية فظهرت الرتبة السياسية لأول مرة بتاريخ الجيش كانت لصغار الضباط.

 

 

والهيئة الخيرية لدعم القوات المسلحة وهي واحدة من واجهات الإسلاميين بالزي المدنى كانت تقوم بمهام تنظيمية أخرى داخل القوات المسلحة بغطاء الدعم اللوجستي والعيني وفى الباطن كانت مهمة استراتيجية فى السيطرة السياسية على مؤسسة الشعب العسكرية.

 

ونجح الأمن الشعبي؛ عن طريق الهيئة فى حرمان العديد من دخول الكلية الحربية عن طريق عملية التصنيف، بل إنه حتى فى معسكرات الطلاب بالدفاع الشعبي وعزة السودان لاحقاً كانت عبارة عن حقل للاستقطاب السياسي للتنظيم.

 

وحدث فى العديد من المعسكرات أن قام المجندون بحرق خيم (المنسقاتية)، هكذا كنا نطلق عليهم، والمدهش فى ذلك أن قائد المعسكر والضباط والجنود يسمحون لهؤلاء الإخوان المسلمون بنصب خيامهم بالمعسكرات، وهم تنظيم سياسي وليسوا بعسكريين!

 

والشواهد فى ذلك كثيرة حتى جاءت فاجعة معسكر العيلفون الذي كان المتسبب في استشهاد هؤلاء الطلاب هم (المنسقاتية) الذين حاولوا استدراج الطلاب عن طريق الاستنفار للقتال فى الجنوب، وحينما رفضوا الأوامر كانت أرواحهم رخيصة بفقه هؤلاء المنسقاتية.

 

كل تلك الممارسات بداخل المؤسسة العسكرية خلقت واقعاً مغايراً تماماً للحال التى يجب أن تكون عليها القوات المسلحة؛ وفقاً للدستور ولقانون القوات المسلحة نفسها فى حماية النظام الديمقراطي، وأرواح وممتلكات المواطنين .

 

والآن وبعد سقوط نظام الإخوان المسلمون فإن العديد من الأقلام المحسوبة للإسلاميين نشطت فى خلق معركة فى المتخيل مابين الجيش والدعم، وهي لاتدري عن خطورة تلك المعركة على واقع دولة هشة، سلطة القبيلة فيها أقوى من سلطة الدولة.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب