أما حكاية
العدالة الانتقالية والتحول الديمقراطي
إيهاب مادبو
ورثت ثورة ديسمبر المجيدة تركة مثقلة من الحروبات والنزاعات وما صاحبها من انتهاكات وجرائم ضد الإنسانية على المواطنين مما ولد ذلك غبناً اجتماعياً ساهم في أن تصنع الدولة غريبة لمواطنيها ومواطنيها هم بداخلها أغراب.
هذه الحروب والنزاعات اتخذت منحنيات خطيرة تموصعت في حرب الهوية الثقافية وشهدت مناطق حزام السافنا حرباً ضد الآخر المختلف ثقافياً ودينياً ونتيجة ذلك سقط العديد من ضحايا هذا النوع من الحروبات وهى ما تهدد بنية الدولة وتماسكها
لا يشكل الانتقال الديمقراطي معالجة لترسبات الماضي وإسقاطاته المؤلمة ما لم يقترن ذلك بتحقيق العدالة الانتقالية وإنصاف الضحايا تمهيداً لمصالحة شاملة على غرار ما تم فى جنوب أفريقيا ورواندا التي نجحت الأخيرة في هزيمة الحرب الأهلية ورسخت مفهوم وأهمية الدولة بين المواطنين.
وتبدو العلاقة وثيقة الصلة بين العدالة الانتقالية والانتقال الديمقراطي وليس أقلها الاشتراك في تراتيب الانتقال نفسه؛ ذلك أن العدالة الانتقالية تقتضي الانتقال من وضع ظالم إلى وضع عادل؛ وهو ما يتطلب اللجوء بالضرورة إلى بعض الإجراءات الاستثنائية لمعالجة أوضاع استثنائية لا تسمح العدالة التقليدية بمعالجتها
تعتبر العدالة الانتقالية من أهم الأسس التي يعتمد عليها في إنجاح عمليات التحول الديمقراطي، إذ تمثل أداة قوية لتحصيل الثقة بين المواطنين والنظام الجديد لتحقيق الديمقراطية فالانتقال الديمقراطي، يتحقق عندما تختار الدولة أن تشق طريقها نحو الديمقراطية والقطع مع منظومة الاستبداد والتسلط.
فقد أصبح واضحاً أن العدالة الانتقالية، من الناحية النظرية ووفقاً لتطبيقها في سياقات محددة، لم تُطبّق دائماً بصرامة؛ لذلك يجب المواظبة على التحقّق من فاعليتها، وكذلك تطبيقها ضمن حالات معينة، ولا سيما آلياتها. فالدول، عندما تضع آليات العدالة الانتقالية، تراعي في تصميمها مجموعة مزايا مرتبطة بحقوق الإنسان والديمقراطية.
وهذا أمر بالغ الأهمية، لا سيما أنّ كثيراً من المجتمعات السودانية التي حدثت فيها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان تعاني انقسامات قائمة على قضايا الهوية وارتفعت المطالبة بحق تقرير المصير الأمر الذي بات يشكل مهدداً لوجود الدولة نفسها
ولكن السؤال هل يقتضي الانتقال الديمقراطي بالضرورة عدالة انتقالية؟ وماذا لو فشلت العدالة الانتقالية، هل سيفشل تبعا لذلك الانتقال الديمقراطي؟ الإجابة عن السؤال تدعونا إلى القول من دون تردّد بأنه لا انتقال ديمقراطي من دون عدالة انتقالية واعتبار فشل العدالة الانتقالية مؤشر خطير على فشل الانتقال الديمقراطي
أن الحرب الأهلية وما أحدثته من شروخات بالمجتمعات خلفت واقعاً سياسياً مأزوماً للغاية لا تجدي معه أيما عملية سياسية ما لم تكن مقرونة بالعدالة الانتقالية لأن ذلك من شأنه طي صفحات الحرب والنزاع المسلح وتحقيق السلام المستدام والمصالحة الشاملة تسترضي فيها المجتمعات التي تعرضت لظلم وانتهاك ويجبر ضررها حتى تتهيأ لمرحلة التعافي من قضايا الحرب والنزاع.