الاشتباك

أما حكاية

الاشتباك

إيهاب مادبو

ثمة مخاوف موضوعية تسيدت المشهد السوداني وخلقت نوعاً من الاضطراب الأمني والسياسي بعد أن تهيأت البلاد للانزلاق في أتون الحرب الأهلية نتيجة حالة الاستقطاب والاستقطاب المضاد بين الجيش والدعم السريع إضافة لحالة تجييش المجتمعات وانقساماته على ضوء الخطابين..

فخطاب البرهان بنهر النيل ومن بعده خطاب ياسر العطا هما في الأساس خطابين يحملان إشارات ذات طابع استقطابي بغيض يؤسس لنعرات تجاوزها خطاب الثورة وشعاراته العظيمة وهذا يؤكد أن الرجلين قصدا من هذه الخطابات تحريض تلك المجتمعات وتسميم تلك المجتمعات بخطاب الكراهية والعنصرية وهو ـ أي ـ الخطاب ما يشكل مهدداً لصيرورة البلاد نحو المشروع المدني القومي الذي بدأ التأسيس له عبر الاتفاق الإطاري.

وهذا الموقف من الخطابين يتطابق تماماً مع مشروع الإخوان المسلمين وتحريك النعرات العنصرية وسياسة فرق تسد التي اتبعها نظام الإخوان ضد المجتمعات والتي خلفت سيناريوهات كارثية ساهمت في فصل الجنوب وواقعاً مأساوياً ظل يعاني منه الشعب السوداني على مدى ثلاثين عاماً عانى السودان خلالها من العزلة الدولية ووضع اسمه على قائمة الدول الراعية للإرهاب ونزاعات في هامش السودان.

وعلى خلفية هذه الخطابات أصبحت مجاميع الشعب السوداني بانتظار ساعة الصفر للحرب الأهلية الشاملة أو حرب الكل ضد الكل وهي حرب، فالحرب ليست مهرجاناً للألعاب النارية ومن لم يتجرع مرارة الحرب ومأساتها لا يمكنه التفكير في إخماد نيرانها.

وصلت البلاد الآن إلى حافة هاوية الحرب الأهلية وهي بانتظار خروج طلقة طائشة فقط وسط الخرطوم لتغرق البلاد على عرضها وطولها في بحور من الدماء التي قد لا يتوقف سيلها ما بين ليلة وضحاها كما يتوهم من يقرعون طبولها على الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي.

هذه الحرب لا قدر الله إن وقعت فإن آثارها الكارثية تمتد إلى دول الجوار من حولنا نتيجة التداخلات السكانية بين السودان والعديد من دول الجوار، كما أنها الحرب تشكل حاضنة لنشاط الجماعات المتطرفة مثل داعش وبوكو حرام لتنشط في تهديد الأمن والسلم الدوليين.

وأمام الأحزاب السياسية مسؤولية تاريخية في نزع فتيل الأزمة وامتصاص حالة التوتر بين العسكريين بالتفكير هذه المرة خارج الصندوق ومنع العسكر من استخدامهم مرة أخرى كحاضنة للحرب العبثية، ومسؤوليتها التاريخية هو اتفاق الحد الأدنى الذي يسمح بتشكيل الحكومة المدنية وخروج المؤسسة العسكرية من المشهد السياسي لتتفرغ في الترتيبات لعملية الدمج والإصلاح العسكري.

ليس هنالك وقت كافٍ للمماحكات السياسية وتكتيكات المواقف فالأمر قد تجاوز السلطة إلى وجود الدولة في خارطة الجغرافية السياسية وهو ما يضاعف من المسؤولية الوطنية الملقاة على عاتق النخبة السياسية في مبادرة سياسية تفاجئ كافة الأطراف الفاعلة في الأزمة السودانية وتؤسس لحوار سوداني ـ سوداني يستلهم من التاريخ مواقف عظيمة حينما اتحدت الإرادة السودانية أنجزت الاستقلال ورفعت الحكومة والمعارضة العلم السوداني في سارية القصر.

لقد استنفذ العسكريون جميعهم “خزن” المعرفة وما بات في وسعهم التفكير خارج إطار “النشنكاة” بلغة تعبر عنها الطلقة وبالتالي فإن عقلهم السياسي مسجون داخل “الخنادق” وهو ما يعزز دور القوى السياسية في التموضع الجيد كـ”طرف” محايد لإدارة الأزمة بإرادة سودانية صادقة.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب