إيهاب مادبو يكتب: الجيوش الموازية

أما حكاية

* يشكل تعدد الجيوش في دولة ما مهدداً خطيراً لتلاشي بنية الدولة وذوبانها في محيط الصراعات والتنازعات ذات الطابع القبلي وتعاني أفريقيا جنوب الصحراء تمظهراً لحروبات عبثية نتيجة لتعدد الجيوش فيها.

* ولا يدار نقاش أو رأي على الصحف هذه الأيام إلا وتناول كاتب السطور موضوع الإصلاح الأمني والعسكري بالبلاد وهي قضية ظلت حاضرة على كل طاولة ومحل اهتمام لدى الراغبين والطامحين لتأسيس نظام حكم مدني ديمقراطي يؤسس لجيش وطني واحد يعمل بعقيدة وطنية واحدة، ويأتمر بأمر قائد عام يعمل وفقاً لقوانين ولوائح القوات النظامية.

* فقضية الإصلاح الأمني والعسكري قضية شائكة ومعقدة لم يول لها اهتمام طوال فترة حكم الإنقاذ بسبب أحادية النظام الحاكم وتسلطه في مواجهة الرافضون لتعدد الجيوش الموازية، بل عمل النظام المخلوع على تغيير البنية العسكرية والأمنية لصالح أغراضه الحزبية الأمر الذي جعل من مؤسسة الجيش مؤسسة هشة مترهلة تفتقد لكثير من مهامها الأساسية وعقيدتها الوطنية والقتالية.

* كثيرون ينظرون للمؤسسة العسكرية كواجهة سياسية لا عسكرية، فقد استخدمت في حروبات سياسية عبثية لا فائدة منها بسببها أزهقت أرواح الملايين من أبناء السودان لمدة عشرين عاماً فكانت نتيجتها التشظي وانقسام السودان (جنوب السودان، السودان)، كل ذلك حدث في ظل وجود المؤسسة العسكرية وقياداتها الحالية.

* بل إن معظم قادة البلاد الآن كانوا فيما مضى قادة عظام بالمؤسسة العسكرية ونظام الإنقاذ يبتدع قوات موازية للمؤسسة العسكرية، بل ويجعل كل الشعب في حالة استنفار للحرب عن طريق الدفاع الشعبي وحرس الحدود وقوات المهام الخاصة.

* كان قادة بالمؤسسة حينها قد التزموا الصمت حيال عملية الاختراق السياسي من قبل نظام المؤتمر الوطني الذي منح الأمير كافي الطيار البدين رتبة رفيعة بالجيش ونمر عسكرية لجنوده وأصبح بين عشية وضحاها وبقرار سياسي عقيد أركان حربّ!!

* صمت الجيش لهذا الاختراق، بل إنه رضخ لعملية الاختراق حتى تعددت الجيوش بالبلاد وأصبحت تشكل مهدداً أساسياً للدولة نتيجة لاختلاف وتباينات ثقافية واجتماعية شكلت فيما بعد عقيدة تلك الجيوش.

* وأثناء الحرب بجبال النوبة عمد نظام الإنقاذ إلى سياسة الحرب بالوكالة فحشد الجيوش ذات الطابع القبلي مما فاقم ذلك من الأزمة السياسية للحرب وتحولاتها لحرب أهلية تقوم على أساس النوع والجنس فأنشأ قوات المهام الخاصة فكانوا هم قادة الحرب في مناطق الهامش السوداني وتخوم حزام السافنا الناسف.

* لم تستفد المؤسسة العسكريه وحاضنتها السياسية (المؤتمر الوطني) من أخطأ حرب الجنوب وإبان حرب دارفور 2003 استخدم ذات الأسلوب في مواجهة الخصوم، حيث عمل النظام المخلوع على تأسيس قوات حرس الحدود من أجل المحافظة على وجوده في السلطة، فكانت النتيجة حرق وتهجير وتشريد ونزوح ونتيجة للمتغيرات تحولت قوات حرس الحدود إلى قوات الدعم السريع.

* لم تولد المليشيات العسكرية وقوات الدعم السريع بالصدفة، بل ولدت نتيجة لخلل بنيوي وأخطاء تراكمية قاتلة ظلت مصاحبة للمؤسسة العسكرية منذ تأسيسها والى يومنا هذا، مما ساهم ذلك في إصعاف المؤسسة العسكرية وتحجيم أدوارها للدرجة التي أصبحت لا تدين الانقلابات العسكرية ولا تعمل على مقاومتها.

* بالضرورة وبناءً على تلك المعطيات يجب العمل على تأسيس جيش وطني واحد قائم على الكفاءة والانتماء الوطني لا القبلي أو الجغرافي ويعبر عن تطلعات وآمال جميع السودانيين رمزاً لعزتهم وكرامتهم.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب