النيل الأزرق.. أسس التعايش السلمي

النذير إبراهيم العاقب
ليس من شك البتة في أهمية التعايش السلمي في كل مجتمع باعتباره الأساس الرئيس في تكوين المجتمعات المتعاونة والمتكاتفة والمتفاهمة، وهي الأسس الراسخة لترسيخ مبادئ السلم الاجتماعي في كافة أرجاء الكون، وليس من شك في أن إقليم النيل الأزرق في أمس الحاجة إلى تطبيق تلك المبادئ الأساسية على أرض الواقع عقب أحداث العنف والفتنة القبلية التي اجتاحته مؤخراً وكادت تقضي على تعايش مجتمعه السلمي، والذي كان بمثابة سودان مصغر، بحكم تفاعل وتآزر وتعاون وتصاهر كافة مكوناته الإثنية مع بعضها البعض، حتى غزتها ثقافات دخيلة أفضت إلى تلك الأحداث الأخيرة.
وبما أن التعايش السلمي يشكل الأساس الرسمي لحل النزاعات والمشكلات بشكل أسرع، ويساعد على تحقيق التعايش السلمي والفعال والمتناغم، وضمان بقاء الأفراد متحدين بالإضافة إلى تعزيز الرفاهية والتقدم، فضلاً عن قدرته على الفهم دون تمييز وقبول الاختلافات بدلاً من مهاجمتها أو انتقادها أو رفضها، فالواقع المعاش الآن في النيل الأزرق يتطلب من كافة قياداته السياسية ورجالات الإدارة الأهلية والعقلاء في المجتمع ككل الأمثل بتلك المثل والأساسيات لجهتة تحقيق أكبر قدر من المصالحات الشاملة في الإقليم، لا سيما وأن التعايش السلمي يمثل العمود الفقري لكل جانب من جوانب الحياة البشرية، في كل المجتمعات.
وبما أن تحقيقه يعتبر أحد أهم ركائز الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الدولة عامة، والنيل الأزرق خاصة، فالأمر يتطلب من الجهات الحكومية المعنية بتحقيق السلم والأمن المجتمعي في الإقليم وضع أطر فاعلة تلزم كل مكوناته السكانية بالامتناع عن أي شكل من أشكال انتهاك السلامة والحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية والشخصية والدينية لأي فئة أو جماعة أخرى، وأن تنتهج مبدأ المنافسة السلمية بين المكونات ذات الأنظمة السياسية والأيديولوجيات المختلفة على نطاق واسع، والتي تقوم على أساس المساواة الكاملة والمنفعة المتبادلة بغرض تلبية احتياجات المواطنين بأفضل طريقة ممكنة.
الأمر الذي يحتم كذلك أهمية اتباع الطرق التي يمكن من خلالها الوصول إلى التعايش السلمي المستدام، والمتمثلة في السعي الجاد لخلق رابطة من التضامن وثقافة السلام والوئام بين المجتمعات المختلفة، بالإضافة إلى تحديد قادة المجتمع المحليين لتدريبهم على تعزيز آلية المراقبة التي يقودها المجتمع لرصد السياسات الحكومية، وتبني الحوار باعتباره الحلّ الأساسي والأكثر فاعلية لحلّ النزاعات والخلافات، ودعم المبادرات والمؤسسات التي تعتبر الحوار أفضل طريقة لبناء السلام والتعايش وتعزيز المواطنة المشتركة في النيل الأزرق، وإدانة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ومشاركة من عانوا من المظالم الجسيمة والانتهاكات التعسفية العديدة، والعمل من أجل الحفاظ على هذه الحقوق بغض النظر عن الديانة أو الجنس أو الخلفية الاجتماعية أو أي معيار آخر، حيث يحق لكل إنسان أن يُعامَل بإنسانية وكرامة، ناهيك عن الأهمية القصوى للتضامن مع كل المضطهدين في الإقليم، وخاصة أولئك الذين فقدوا كل ممتلكاتهم، سواء بسبب حرق منازلهم أو نهبها، وحتى الذين نزحوا من ديارهم بشكل قسري نتيجة للأحداث الأخيرة، ومناشدة القوى السياسية ذات الصلة لاستخدام سلطتهم من أجل إعادة النازحين إلى مدنهم وقراهم وبيوتهم، ونبذ استغلال الإثنيات في الصراع السياسي واستغلال المتطرفين للرموز العنصرية، حيث تؤدي هذه الأفعال إلى الفصل والظلم والقمع بين أفراد المجتمع.
والأهم من كل ما ورد أعلاه، ضرورة احترام وتقدير جميع أنواع التراث الديني والعرقي والثقافي واللغوي، والتي تعتبر جزءاً لا يمكن الاستغناء عنه في كافة المجتمعات، والعمل على بناء السلام والمصالحات، والتوصل إلى تفاهم متبادل مناسب بين كل مكونات إقليم النيل الأزرق القبلية.
وهنا لابد من الإشارة أن للتعايش السلمي مبادئ أساسية يرتكز عليها، وتتمثل في أهمية التمسك بمبدأ المساواة في السيادة، إذ إن التفاعل والاعتماد المتبادل والمتزايد بين الكل، وكذلك ضرورة الاحترام والحفاظ على تنوع حضارات وثقافات الإقليم، حيث تعزز هذه الثقافات الإرث التاريخي القيّم سواء كانت دينية أو ثقافية أو اجتماعية أو فنية، وكذلك تعزيز التنمية المشتركة لاقتصاديات الإقليم على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة، مما يعني اتخاذ قرارات اقتصادية مستقلة، والحق المتساوي في المنافسة على قدم المساواة، والحفاظ على السلام والأمن من خلال الحوار والتعاون والثقة، وذلك حفاظاً على أمن الأفراد والمجتمعات من العنف والتعصب والتطرف مستقبلاً.
وبما أن للتعايش السلمي علاقة وطيدة بأمان المواطن، من خلال
تعزيز العدالة وحقوق الإنسان وتمكين الفئات الضعيفة، فلابد من العمل على تحسين وتوافر وجودة المعلومات والإحصاءات في الأمور المتعلقة بأمن المواطن، ودعم تصميم وتنفيذ ومراقبة المبادرات الخاصة بأمن المواطن والعدالة على المستوى المحلي والمجتمعي، ودعم تطوير السياسة العامة لهذا الأمن، والتخطيط الاستراتيجي للمؤسسات التحويلية لقطاع الأمن والعدالة، ودعم وتعزيز القدرات للمشاركة في عمليات الحوار والوساطة وحل النزاعات كأدوات للابتكار وتحويل الصراع الاجتماعي وإعادة بناء الثقة، وتطوير حلول مبتكرة ومنصات إلكترونية لمنع العنف وتعزيز أمن المواطن.
ولا شك البتة في أن تحقيق ماسبق واقعاً ملموساً تواجهه العديد من المعوقات التي تعرقل مسار تحقيق العايش السلمي المستدام، وتتمثل في التغافل عن مسببات استشراء الفتنة، وتصاعد التعصب السياسي أو العرقي أو الديني واستخدام العنف لتحقيق أهداف ومصالح ومزايا شخصية على حساب الآخرين، ونمو روح الانتقام بين الإثنيات، حيث تسعى كل إثنية إلى تعظيم سمعتها وتاريخها بين الناس، وكثيراً ما ترى منافسيها كأعداء يجب التخلص منهم، فضلاً عن غياب المؤسسات والمنظمات لدعم السياسات والقوانين التي تساعد على تعزيز التعايش السلمي بين مختلف فئات المجتمع الواحد، وعدم حفاظ البيئة السياسية على التعايش السلمي من خلال تجاهل كافة الأفكار البناءة والمشاريع التي تهدف إلى بناء الوطن، وتعمل بدلاً من ذلك للحصول على مزايا سياسية على حساب الأطراف الأخرى المشاركة في العملية السياسية.
نخلص إلى أن إقليم النيل الأزرق في أمس الحاجة والعاجلة لتطبيق المبادئ والقيم والأسس الواردة أعلاه لتحقيق أهدافها ومراميها على أرض الواقع، وتحقيق أكبر قدر من السلام والسلم الاجتماعي المفضي إلى تحقيق التنمية البشرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وإغلاق كل الطرق المفضية إلى تأجيج الفتن وإشاعة العنصرية والكراهية في النيل الأزرق.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب