ما يحتاجه شعب جنوب كردفان

أما حكاية

إيهاب مادبو

* ظل إنسان جنوب كردفان وعلى مرّ التاريخ حقلاً للتجارب السياسية التي تعاقبت على حكم البلاد قبيل الاستقلال مباشرة، حيث عملت تلك النظم السياسية على تغييبه سياسياً واقتصادياً وتنموياً، وظلت المنطقة طيلة تلك العهود ترزح تحت الفقر والمرض مما أقعدها كثيراً في أن تلحق بركب التنمية.

* عملت النخبة السياسية آنذاك في الاستفادة من الطاقة البشرية لإنسان المنطقة كرأس مال بشري فقط حيث وظفته لمشاريعها السياسية التي أوصلتها إلى سدة الحكم ثم تناست مطالبه المشروعة في الحياة الإنسانية الكريمة حتى جاءت فترة الستينيات وظهور اتحاد عام جبال النوبة كحركة توعوية أحدث اختراقاً سياسياً ومفاهيمياً مهماً في المنطقة حيث نجح في اكتساح كل الدوائر الانتخابية التي كانت مطروحة.

هذا الإنجاز وحصد أصوات الناخبين من بين (فكي) أكبر حزبين في تلك الفترة (الأمة والاتحادي)، كان بمثابة رسالة للمركز ونخبته السياسية إلى ضرورة الانتباه الى قضايا الإقليم التي تفاقمت حدتها، وشكلت تجربة اتحاد عام جبال النوبة وممارسته السلمية للعملية السياسية مدخلاً رئيساً لماهية المطالب والتحديات التي أبرزها ذلك التنظيم في وقتها والتي كانت لا تتعدى أبسط مقومات الحياة الإنسانية الكريمة لشعب ضاق مرارات الظلم طيلة الحقب التي أعقبت الاستقلال

* كان الفوز الانتخابي تمريناً ديمقراطياً للمستقبل السياسي للإقليم وعلاقاته التعاقدية مع الدولة فيما يتعلق بقضايا التنمية والخدمات التي فشل فيها النادي السياسي القديم منذ أول حكومة وطنية ما بعد الاستقلال حتى تأزم الموقف السياسى والاجتماعي للمنطقة وتداخلت نتيجة لذلك عوامل أخرى عمقت من حدة الصراع حتى أدخلت المنطقة ولأول مرة الى تجربة العمل السري عبر تنظيم (الكمولو) الذي كان يطالب بنفس الحقوق التي طرحها اتحاد عام جبال النوبة.

* تجربة تنظيم (كمولو) وهو الاسم الحركي للكتلة السوداء وقد أخذ الاسم من رواية العودة الى الجذور بطولة (كونتاكونتي)، هذه التجربة بدأت في الظهور بعد اتحاد عام جبال النوبة وتحديداً في أوائل السبعينيات، وكانت نواتها الأولى قد تخلقت بمدرسة تلو الثانوية بقيادة المرحوم يوسف كوة والحلو وآخرين.

* بدأ تنظيم كمولو عمله سرياً في بداياته واستطاع أن يحدث وعياً جماهيرياً كبيراً بين مثقفي المنطقة وسط الشباب الذين انضموا اليه بشكل كبير ونجح في تحقيق أهداف استراتيجبة مهمة للغاية مما أزعج ذلك نظام نميري الذي حاول بجبروت جهاز أمنه الكشف عن عضوية وأسرار التنظيم التي ما زالت محل سر بصدور أعضائه حتى اليوم.

* توج تنظيم (كمولو) نضالاته المدنية بفوز تاريخي في انتخابات الإقليم التي فاز بمقعد دائرة كادوقلي المرحوم يوسف كوة مكي ممثلاً للمنطقة في مجلس الشعب الإقليمي، وحدث الصراع المعروف بين المرحومين الفاتح بشارة ويوسف كوة فقدم الأخير استقالته وعاد بأدراجه للمنطقة.

* ومن ثم دخلت المنطقة منعطفاً آخراً حيث عرفت البندقية كوسيلة للمطالبة بالحقوق والحقيقة التي يجب أن نتعامل بها بوعي وإدراك تامين أن مطالب إنسان جنوب كردفان/ جبال النوبة هي حقوق مشروعة والاعتراف بها يعد مدخلاً رئيساً لمناقشة كافة القضايا التي تعمل على تلبية تلك المطالب وهي:

_ الاعتراف بالتنوع الثقافي والاجتماعي كمدخل مهم تشكلت على هداه مكونات المنطقة.

_ الاعتراف بالتعدد الديني واللغوي وكريم المعتقدات كمرتكزات أساسية مهمة.

_ معالجة كافة المظالم التاريخية التي لحقت بالمنطقة والعمل على نظام يحقق العدالة الاجتماعية لإزالة الغبن وجبر الضرر.

_ ابتداع نظام الحكم الذاتي كمدخل يؤسس لكونفدرالية تحقق حكماً قومياً تتبعه كافة الأقاليم لفصل مركزية الدولة.

_ ميثاق ثقافى يراعى فيه تمثيل التكوين الثقافي للمنطقة وإبرازه كعامل استراتيجي للشخصية القومية.

* ذلك أبسط ما يطالب به إنسان المنطقة في اعتقادي من حقوق وهي مشروعة وممكنة وليست صعبة لما تعانيه المنطقة من ظلم حاق بها فهل تستجيب عقليتنا السياسية لتلك المطالب أم يظل الصوت الذي ينادي بمناقشتها عبر فوهة البندقية عالياً؟؟ هل بمقدور تلك العقلية إحداث اختراق سياسي مهم لصالح عملية السلام أم تظل هي عقلية ترى في ذلك تقليلاً لمركزيتها التي تفككها تلك الحقوق.

* إن ما يعانيه إنسان المنطقة من أزمة بسبب الحروب جعلته يعيش في وطنه مشرداً ومغترباً وتفكك التكوين الاجتماعي الذي كان أهم ما يميز شخصية إنسان المنطقة لصالح الخطاب الاستقطابي الذي عمل على عزل مشروع المواطنة بعاملي اللغة والدين مما نتج عن ذلك استقاطباً حاداً يؤشر بخطورة كبيرة على المنطقة.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب