محمد هارون عمر
شذرات الفكر
علاقة المبدع بالأيديولوجيا أمر شائك ومعقد، علاقة قد تبدو جدلية، هناك عدة آراء.. يمكن حصرها في ثلاثة اتجاهات.. فمن الناس من يرى أنّ المبدع لابدّ أن يرتبط وَجدانياً بفعل ساس يسوس.. لا بدّ من أن يصنع من إبداعه أيدلوجية أو فلسفة سياسية يسعى لتحقيقها وأن يوظف فنه لتحقيق تلك الأهداف الوطنية المقدسة.. الرأي الثاني ضد الأول ويرى على المبدع أن ينأى عن الانتماء الفكري السياسي لكيلا يكون مطية زلولًا أو بوقَا لحزب معين يلهو به وهذا يدمر موهبته المؤدلجة.. سيقف ضده من هم يقفون ضد تنظيمه فلايكسب شيئاً غير العداوة عندئذ يكون فنه مصنوعاً مزيفاً لا يتمتع بالصدق العاطفي والفني.. الفنان ينبغي أن يكون مُستقِلاً وليس مُستغَلًا، وذا توجه وطني يسبح في بحار القواسم المشتركة لكل الوطن بتكويناته دون أن ينتمي لجهة سياسية معينة، الرأي الثالث يرى بأنّ المبدع يمكن أن يكون سياسياً من الكوادر الدنيا وألا يجاهر بأيدلوجيته لكيلا تجره لنعرات وعداوات وخصومات سياسية تفسد فنه.. سياسي بغير تعصّب أو ظهور صارخ ككادر قيادي.. أعتقد أن المبدع كائن يتأثر بما حوله ويمكن أن ينتمي لأي طائفة ولكن المهم أن يجود إبداعه ويعلي من شأن وطنه وليس من شأن حزبه، لأن الحزب وسيلة لغاية سامية.. وهي الوطن وإذا جوّد إبداعه وركز على قيم المجتمع سيضيف لحزبه الكثير، أما إذا لجأ للدوغمائية والنظرة الشوفونية الحزبية الاستعلائية الضيقة فحتماً سيسقط في فخ الإخفاق المنبوذ ويجر الوبال لحزبه.. هناك من يجند نفسه لخدمة أجندة وقضايا حزبية هامشية منسية تصب في بحر النظرة الحزبية الضيقة.. هناك نماذج لمبدعين مؤدلجين تعاملوا بذكاء مع الانتماء الوطني والحزبي.. ركزوا على قضايا الوطن التي عليها إجماع.. هناك نموذجان جيدان في التاريخ السياسي الإبداعي الشاعر محمد أحمد محجوب رئيس الوزراء (حزب الأمة) والشاعر محجوب شريف (الحزب الشيوعي) وجدا قبولاً واستحسانًا.. لقد حققا نجاحاً لحبهما المفرط لوطنهما (حنبنيهو البنحلم بيهو يوماتي وطن عاتي وطن شامخ وطن خير ديمقراطي) كتب أحد خصوم الحزب الشيوعي قال بموت محجوب وحميد مات الحزب الشيوعي) ربّما قال ذاك لتأثيرهما الكبير في ساحة الشعر الوطني الملتزم المعني بَهموم الوطن.. هناك شاعر متعصب دوغمائي قال للحزب المنافس (الله يعلم بأننا لا نحبكمو) هذه رسائل مفخخة فيها نزعة حزبية ضيقة.. لماذا تكرههم أليس الوطن للجميع؟ مهما يكن فالوطن أهم من أي حزب وعندما يتجه المبدع لحب الوطن ويسرف في كلمات الثناء والأطراء والمدح وذمّ خصومه حتماَ سيحبه الشعب، بل سيحب حزبه.. ولو اختلف معه في الطرح السياسي.. السؤال المهم أيهما أذكى وأزكى أن يطغى الثقافي على السياسي أم السياسي على الثقافي في وجدان المبدع؟