العنصرية.. أسباب ومعالجات

 

*

النذير إبراهيم العاقب

*

من الملاحظ أنه قد تصاعدت في الآونة الأخيرة وتفشت وبشكل مرعب مسألة العنصرية البغيضة وسط جل مجتمعات الشعب السوداني، الأمر الذي يشكل خطراً داهماً، ومن شأنه أن يقضي على ما تبقى من تمازج وتماسك إثني ومجتمعي في الدولة السودانية.

في هذا المقال، نتناول وبإسهاب أسباب وطرق علاج العنصرية

وكيفية مناهضتها، وأنواعها، وتأثير التمييز العنصري على حياة الأفراد وعلى المجتمع عامة، فضلاً عن أنواعها والأضرار الناجمة عنها، وسبل مناهضتها.

وبالعودة إلى التاريخ القريب، وحتى أواسط وما فوق أواسط القرن الماضي كانت مسألة العنصرية وتجارة الرقيق، هي السائدة في كل قارات العالم، وقد عانت العديد من الشعوب وما زالت من خطر العنصرية أو التمييز العرقي الذي أفضى إلى توالد وتراكم الغبن في نفوس الشعوب المستهدفة، من منطلق أن

العنصرية تعتبر مذهباً قائماً على التّفرقة بين البشر حسب أصولهم الجنسية ولونهم، ويترتب على هذه التفرقة حقوقاً ومزايا، كما يمكن تعريف العنصرية بأنها الاعتقاد بأن هناك فروق وعناصر موروثة بطبائع الناس وقدراتهم وعزوها لانتمائهم لجماعة أو لعرق ما، وبالتالي تبرير معاملة الأفراد المنتمين لهذه الجماعة بشكل مختلف اجتماعياً وقانونياً.

كما يستخدم المصطلح للإشارة إلى الممارسات التي يتم من خلالها معاملة مجموعة معينة من البشر بشكل مختلف ويتم تبرير هذا التمييز بالمعاملة باللجوء إلى التعميمات المبنية على الصور النمطية وباللجوء إلى تلفيقات علمية، وهي كل شعور بالتفوق أو سلوك أو ممارسة أو سياسة تقوم على الإقصاء والتهميش والتمييز بين البشر على أساس اللون أو الانتماء القومي أو العرقي.

وترتكز العنصرية على أسس يمكن استعراضها في

لون البشرة والقومية واللغة والثقافات والعادات والمعتقدات والطبقات الاجتماعية.

بجانب أنه وفي حالة الغوص في أضابير هذه القضية، نجد أنه لا بد من أسباب تقف وراء إثارة العنصرية، أو دعنا نسميها محفزات النفس العنصري، والتي تشعل هذا السلوك في النفس البشرية، وتكمن في التفاخر بالأنساب والطعن فيها، والفروق المادية، والجهل وعدم الوعي بمفهوم العنصرية، وكذلك وجود

مشاكل نفسية تتمثل في الغرور والتكبر، واختلاف اللغة

والطمع والجشع والاستغلال، فضلاً عن وجود بعض العادات الموروثة، وأيضاً قصر العقيدة والفكر والثقافة، كل هذه الأسباب وغيرها يمكن أن تثير خصال العنصرية في النفس البشرية، وتختلف آثارها باختلاف الظروف التي تنشأ فيها.

وكما أسلفنا فإن للعنصرية أنواع تتمثل من خلال المضايقة، وتكون في تجريح شخص ما وإهماله وسد الطرق أمامه، إشعاره بعدم الرغبة في وجوده، مما يسبب له الألم النفسي وإهانة كرامته.

كما ويمكن تقسيم التمييز العنصري إلى نوعين، هما، التمييز المباشر المتمثل في التعامل مع شخص بطريقة دونية وبتفضيل شخص آخر عليه بسبب عرقه أو لونه أو… إلخ.

وكذلك التمييز غير المباشر، حيث تكون العنصرية هنا عند فرض قوانين وشروط دون أسباب، وتكون هذه الشروط في صالح فئة معينة على حساب فئة أخرى.

ولا شك أن للعنصرية أضرار تنعكس سلبياتها على الفرد والمجتمع على حدٍ سواء، فالفرد لبنة المجتمع، إذا صلح حاله صلح المجتمع بأسره، والعكس صحيح، وهنا نستعرض مجموعة من الآثار السلبية للعنصرية على كل منهما، حيث تولد العنصرية الحقد والكراهية بين الشخص العنصري والشخص الذي تمارس عليه السلوكيات العنصرية، ويتم رفض الشخص الذي يتعرض للعنصرية في كافة الاجتماعات واللقاءات، ومن ثم تجعل الفرد الذي يتعرض للعنصرية شخصاً وحيداً منبوذاً يعيش بعيداً عن الآخرين.

كما وتعمل العنصرية على تضييق فكر من يمارسها لاهتمامه بنفسه بعيداً عن الإحساس بالآخرين.

ومز سلبيات العنصرية على المجتمع، أنها تجعل تفكك المجتمع وتزيل عنه صفة الترابط، وتولد النزاعات بين أفراده،

وتخلق جواً من الحقد والكراهية بين أبنائها، كما تخلق أجواءً يسودها الخوف والكبت وعدم الاستقرار، وقد تعمل العنصرية على إشعال شرارة الحرب في المجتمع، لتعصب كل طائفة لأفكارها.

ولعلاج ومناهضة العنصرية والتي هي بالطبع ليست عصية على العلاج، ولكن علاجها يتطلب جهداً كبيراً، إذ تتوزع المهام بين الأفراد والمجتمع ككل والسلطات أيضاً، وقد سبق وتخلصت أمم من هذه الآفة، وتمكنت من علاجها، ويمكن اقتراح سرب من الحلول لعلاج ومناهضة العنصرية، شريطة أن تعمل الحكومات على تضييق دائرة الخلافات بين القبائل، وبين الفصائل المختلفة في المجتمع، وأن تتغلب على العنصرية من خلال تطبيق مبدأ العدل والمساواة بين أبناء المجتمع.

كما وأن للإعلام دور كبير جداً في التأثير على المجتمع، الأمر الذي يوجب أن يكون هذا الدور إيجابياً في نبذ العنصرية والتمييز.

وأن تضع الحكومات قوانين رادعة تفرض عقوبات على من يثير الفتن والنزاعات بين أبناء المجتمع الواحد.

بجانب الضرورة القصوى لتقوية الوازع الديني في نفوس الأفراد، الأمر الذي من شأنه أن يلعب دوراً جيداً وفاعلاً في نبذ العنصرية.

وتعتبر الأسرة النواة الأولى في المجتمع، لذا يتوجب عليها زرع أفضل القيم في نفوس أبنائها، وتربيتهم على حب الآخرين، ونبذ التفاخر واحتقار الآخرين، وأيضاً يقع على عاتق المؤسسات التعليمية كافة دور كبير في توعية الأجيال الجديدة وتثقيفهم وزرع الأفكار الصحيحة في عقولهم ونفوسهم.

وذات الدور يقع على عاتق منظمات حقوق الإنسان، والتي يجب أن يكون لها دور كبير في هذا المجال أيضاً، وذلك من خلال عقد الدورات التثقيفية ونشر الكتيبات التوعوية حول أهمية المساواة ونبذ الفتنة والعنصرية والتمييز بجميع أشكاله.

وكما ذكرنا آنفاً، فإن العنصرية التي نالت من كثير من المجتمعات، لم تتمكن من المجتمعات التي عملت على إيجاد حلول حقيقية تخلصها من عواقب هذه الظاهرة، ما مكّنها بعد ذلك من بناء أمجاد عتيدة، بعد أن آمنت بالمساواة في الحصول على الفرص، وأيقنت أن التفوّق ليس حكراً على فئة واحدة، فصهرت جميع الإمكانات المتوفرة في أبنائها لترسم أجمل صور التكافل والتكاتف في الطريق إلى الحضارة، ومن ثم استراتيجيات فاعلة في العديد من الدول التي عانت الأمرين في ما يختص بتفشي العنصرية والكراهية وسط شعوبها، ومجتمع دولة جنوب إفريقيا بالتحديد، كمثال حي وفاعل للتخلص من داء العنصرية البغيض، ومن ثم بناء مجتمعات غاية في الرقي والوعي المجتمعي العام، وكذلك مجتمعات الدولة الرواندية التي أسست لدولة حضارية متقدمة في كافة أشكال النمو والنهضة السياسية والمدنية والثقافية والاجتماعية، الأمر الذي نطمع بحق أن يتمثل واقعاً ملموساً في سوداننا الحبيب في أقرب فرصة ممكنة، لجهة النهوض من حالة التكلس والتخلف السياسي والاقتصادي والمجتمعي الراهن.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب