صراع العسكر… مخاوف من السيناريو الأسوأ

الفريق محمد بشير: الصراع صراع سلطة
ياسر عرمان : المواجهات ضربة قاصمة للسودان
ابو خريس: تعدد الجيوش ليس خللاً في الدولة، ولكن..
الخرطوم _ إبراهيم عبد الرازق
شهدت الساحة السياسية تباينات كبيرة في الفترة الماضية، بسبب الاتفاق الإطاري، والذي بدوره أدى لعدم انسجام بين القائد العام للجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو.
هذا الوضع أدى لقلق الكثيرين في أن يحصل صدام بين الجيش والدعم السريع، الأمر الذي استبعده عدد من الخبراء المحللين.
اليوم التالي بحثت في السيناريوهات المتوقعة في ظل هذا التعقيد.
عزف منفرد!
قال الخبير العسكري الفريق أول ركن محمد بشير سليمان، إنه لا يحسب أن القوات المسلحة والدعم السريع مختلفان سياسياً، وأضاف لـ(اليوم التالي) أن القوتين مستقلتان من قبل قياداتهما في مشروعهما السياسي ، المرتبط بالحكم والسلطة ، وأشار بشير إلى أن ذلك الأمر يعود بنا إلى نشأة قوات الدعم السريع وموقعها، من القوات المسلحة، وتابع.. من المعلوم في كل العالم ان بعض الدول تنشئ لها قوات شبه عسكرية ، تأخذ عدة مسميات مثل :- ( مليشيات، دعم سريع، مجاهدين، خفر سواحل .. إلى غير ذلك) ومهما تعددت المسميات في شان القوات فهي قوات تتبع قانوناً وتخطيطاً وادارةً وتدريباً وكذلك استخداماً في أي واجب من الواجبات تحت مظلة القوات المسلحة، وبإمرتها، وفي كل الحالات، ومضى قائلاً : ووفق هذا المفهوم كان من المفترض أن تعمل قوات الدعم السريع وفي كل الظروف، محكومة بقانون القوات المسلحة، وقانونها الذي يأخذ قوته من قانون القوات المسلحة، لذا يصبح الوضع الذي تنتهجه قوات الدعم السريع وكأنها لديها نفس واجبات ومهام القوات المسلحة الدستورية، والقانونية وضعاً شاذاً وغير طبيعي، حيث أن وضعها الآن وكانها قوات مماثلة للقوات المسلحة أو كأنها قوات مساوية لها في الواجبات والحقوق عين الخطأ، وأردف ولكنه خطأ قيادي في إطار خطأ الممارسة، التي أفضت إليها الرؤية السياسية للقيادتين، وفي إطار رغبتهما في الحكم، وليس التفكير في بناء دولة المؤسسات التي كان يجب أن تتبع قيام الثورة، تهيئة للحكم الديمقراطي ، ودون اعتبار لما حدده قانون الدعم السريع عندما صدر حيث وضعها تحت إمرة الجيش وتحكم بقانون القوات المسلحة، وللقائد العام تفكيكها او دمجها او تسريحها ، وتابع.. ولكن سوء المسار السياسي منذ الإنقاذ جعل الدعم السريع كأنه قوات موازية للقوات المسلحة، حيث جعلها البشير تابعة له في الشأن الاستخدامي على أن تدير القوات المسلحة شأنها في القضايا الإدارية او التدريبية وكفى، ولسوء الفهم استمدت قيادة الدعم السريع قوتها ومركزيتها من رئاسة الجمهورية أو القائد الأعلى، وبدأت بعد أن رفضها الجيش ومن قبله الأمن بشأن التبعية، والتي بسببها أحيل رئيس أركان الجيش الأسبق للمعاش، ومن ثم بدأت تفرد عضلاتها وتفرض قراراتها وتعمل ليست كأنها موازية للقوات المسلحة، بل أعلى منها مقاماً، وأعطيت كثيراً من الصلاحيات، سواء كانت استجلاب السلاح أو العلاقة مع الرئيس السابق وغيره من المستويات العليا، مما لا يفترض أن يعطى لها، وكل ذلك في إطار ما قاله البشير إنها قواته ولا يوجد رئيس يملك ما يملك مثل هذه القوات، كما هو في إطار الدعم السريع. وبحسب بشير أن الدعم السريع أصبح يعزف منفرداً في دائرة السلطة العليا.
صراع السلطة:
ويشير محمد بشير إلى أن السلطة هي التي تقود الصراع القائم بين القيادتين، في أكبر تهديد للأمن القومي السوداني، كما أدت من خلال مسيرة سنوات الثورة لكثير من التقاطعات، وذلك ما سوف تفعله في المستقبل إذا لم تتغير الفكرة من مفهوم الحكم والسلطة الى مفهوم بناء الدولة وفق رؤية وطنية قومية، وأن يتم الدمج تحت مظلة القوات المسلحة القومية، بعيداً عن أي صراع، حفاظاً على الأمن القومي، والوحدة الوطنية تجاوزاً للصراع في إطار مفهوم قسمة السلطة وتجاوزاً لمغريات السلطة وفسادها.
ويلفت إلى أن الصراع جعل قوى الحرية والتغيير المركزية تستعين بقائد الدعم السريع في إطار تنافسها السياسي لمجموعة البرهان، مابدا واضحاً عند التوقيع على الاتفاق الإطاري، وانتقد بشير هذا المسلك وأردف: ما كان لقائد الدعم السريع أن يقف موقفه الماثل خروجاً من دائرة تبعيته للقائد العام ليساند قوى إعلان الحرية والتغيير المركزية، من حيث البعد القيادي والانضباطي، ويعلم أنه وقواته جزء من القوات المسلحة في إطار البعد العسكري، بل تابع لها وليس لديه الحق في أن يوقع باسم الدعم السريع على الاتفاق الإطاري بحسبان أن توقيع القائد العام، والذي هو القائد الأعلى يكفي ممثلاً للقوات المسلحة التي يخضع لها الدعم السريع مؤسسياً.
وأكد بشير أن الذي يدور الآن صراع سلطة، وبالتالي فإن معالجة الصراع تحتاج للعقل والحكمة والتروي ويحتاج إلى القراءة البعيدة في إطار ما يحفظ وحدة السودان، وما يعصمه من المهددات الأخرى لأمنه القومي، وتساءل: هل تتحول المفاهيم السياسية في ظل الوضع القائم الآن إلى مفاهيم رجال الدولة، فيسلم السودان من الاحتمالات الأسوأ؟

خلل فوقي!
وبدوره قال المحلل الاستراتيجي عبد الرحمن ابو خريس لـ(اليوم التالي) إن الخلافات العسكرية تحل عادة بالتفاوض أو الحرب، وأضاف.. اذا كانت القوى العسكرية نظامية ومرتبة فبالتأكيد لا يكون هناك خلافات أصلاً، فالخلافات تأتي بها عدم الوضوح وهناك دول كثيرة لها عدة جيوش لكن لكل جيش مهامه واختصاصاته الواضحة.
وحذر أبو خريس من سير الخلافات في اتجاه الاقتتال ومضى.. بلا شك كل قبيلة تتحسس أين سلاحها وموقعها، ونوه إلى أن دخول الجيش في أي معركة داخلية يعني انهيار الدولة، ولا توجد دولة تحمي المواطن، وعليه المواطن يحمي نفسه وأشار إلى أن تسليح القبائل سيكون مهماً جداً بسبب غياب الدولة.
وتابع.. ان التسليح للقبائل بسبب خلافات عسكرية في الدولة كارثي وقطع بأن تعدد الجيوش ليس خللاً في الدولة بل الخلل في التوظيف المصلحي والمناطقي والإثني لتلك الجيوش، وأن القوى داخل الدولة لا تتصارع البتة إلا في ظل خلاف سياسي فوقي.

تآكل الدولة!
وقال ياسر عرمان القيادي بقوى الحرية والتغيير إن الخلافات العسكرية ستكون قاصمة الظهر للفترة الانتقالية، وأضاف عرمان لـ(القدس العربي) أن الخلاف بين الجيش والدعم السريع ما أظهر من جبل الجليد، بينهما مؤخراً ومضى الأمر لا يتعلق فقط بتعدد الجيوش ولكن الدولة بكاملها تآكلت واضمحلت، وما عادت قادرة على القيام واجباتها، الدولة كائن حي مثل الإنسان تحتاج لتجديد ومشروع في كل وقت، الدولة القابلة للحياة هي القابلة للتطوير، الدولة السودانية الآن تحتاج إلى مشروع جديد يبعد كل سمات الفشل التي لازمت الدولة القديمة، ونوه إلى أن الثورة فرصة كبرى لتجديد الدولة ورفدها بطاقات جديدة حتى بناء القوات المسلحة يمر عبر الشباب الذين يطلق عليهم الرصاص خلال التظاهرات في مدن وريف السودان هم الذين يمكن أن يرفدوا القوات المسلحة بدماء جديدة.
وحول حديث البعض أن خلاف حميدتي والبرهان بالتحديد شخصي قال إن المشكلة أكبر، حتى لو غاب الرجلان عن المشهد. وأضاف.. أعتقد أن العلاقة بين البرهان وحميدتي مكنتهم من الحفاظ على ما هو موجود الآن. لكن إذا كانوا غير موجودين أزمة الدولة لن تنتهي، بسبب تعدد الجيوش ومحاولات اختطاف الدولة من النظام السابق.