تعريف التضخم وعدم الاستقرار الاقتصادي

كتب: د. وائل فهمي بدوي محمد
يقول بول صاميلسون “حينما يصبح التضخم جامحاً فلا يمكن لاقتصادي ملتزم بالأمانة العلمية ونزاهتها أن يقول شيئاً حميداً عن الوضع الاقتصادي القائم، لأنه يتسبب في أن يجعل المجتمع والاقتصاد يعيشون الفوضى في أقصى أسوأ درجاتها” ولهذا تسمع مقولة الاقتصاديين الشهيرة في مثل هذا الظرف، إن الاقتصاد والمجتمع يعيشان أسوأ فتراتهما (BAD TIMES) إن شكوى المواطنين الموجودة من خلال ما تتناقله الأخبار المتداولة تفرض اللجوء إلى تعريفات معدلات تضخم مستويات الأسعار العامة المعمول بها بمختلف أجهزة الإحصاء المركزية حول العالم لتساعد الاقتصاديين المتخصصين في تحديد ما إذا كانت الأسعار مستقرة من عدمها ومن بعد أي معدل يمكنهم من تحديد درجة عدم الاستقرار الاقتصادي حسب الوضع الكلي السائد بالاقتصاد، حيث تشترك تعريفات التضخم، لأي سلة حديثة من السلع والخدمات المختارة، في أن الإصرار الملح للمستوى العام لأسعار مختلف السلع والخدمات بالأسواق على الزيادة المتواصلة والمستمرة، خلال أي فترة زمنية محددة بغض النظر عن حجم ارتفاعها لأعلى.
فالتضخم هو فرق موجب دائم بين مستويين للأسعار العامة وليس هو ذاته مستوى الأسعار، وقد لاحظت أن المواطن السوداني الفطن دائماً ما يخبرك بالدارجي أن (الأسعار كل يوم زايدة) فهذه بلغة الاقتصاديين هي هذه الزيادة اليومية فقط في الأسعار هي التضخم الذي يزعجون به المواطنين.
ومع أسوأ أنواع التضخم، وهو التضخم الجامح، حيث يكون الفرق بين مستويات الأسعار كبيراً من سنة لأخرى أو من أسبوع لآخر أو من الأمس لليوم، تفقد الدولة سيطرتها في قدرة أسعار السلع والخدمات في تغذية بعضها لبعض بمكانيكية ذاتية قوية للغاية في اتجاه التصاعد المستمر بإلحاح شديد بما يفقد قدرة الأسواق على استقرار حجم عرضها للسلع والخدمات في اتجاه الانكماش التدريجي لمصادر تغذيتها من مواقع الإنتاج بالقطاعات بالداخل في ارتباط مدخلاتها الإنتاجية بكل من الصادرات والواردات بها.
وتتسبب ظاهرة التضخم عموماً، والجامح خصوصاً، في عدم الاستقرار الاقتصادي الكلي، خاصة المالي للدولة والمواطنين، ويترتب على ذلك سيادة فوضى بالأسواق وعدم استقرار النظام الاجتماعي الذي كان سائداً قبل انفجار الأسعار العامة في اتجاه الارتفاعات بفروقات كبيرة وتزايد هجرات العمل ورؤوس الأموال من الريف للحضر ومن الحضر للخارج. ويعود ذلك الى تواصل التاكل السريع للقوة الشرائية لدخول المواطنين والمؤسسات الإنتاجية أو باختصار التآكل المتسارع للقوة الشرائية للقاعدة النقدية الكلية للاقتصاد الوطني الذي يصب في اتجاه أغنى الأغنياء على حساب اتساع قاعدتي البطالة والفقر.
ومن هنا وبسبب عدم استقرار الأسعار خلال فترة ممارسة الدولة لسياساتها التضخمية أو بسبب ارتفاع أسعار الواردات، التي تشكل أكثر من ٨٥% من مشتريات المواطنين والمنتجين بالسودان، أو بسبب تدهور سعر الصرف، تجد المواطنين وأصحاب العمل، (أي مستهلكين ومنتجين) وبشكل طبيعي للغاية، يشتكون بأصوات تتصاعد حدتها وعنفها كلما زادت الفروقات بين مستويات الأسعار للسلع والخدمات بين الأمس واليوم، لتشير شكواهم هذه إلى حقيقة مواجهتهم تدهور قدرتهم على الشراء من الأسواق بما يترتب عليه تآكل مستوياتهم المعيشية وقدراتهم الإنتاجية بشكل يومي أو أسبوعي أو شهري أو سنوي، وهنا تتضح أسباب انكماش الناتج المحلي الإجمالي بسبب نموه السالب، كما يؤكده دوماً متوسط دخل الفرد الحقيقي، خلال هذه الفترة السيئة من حياة الشعب السوداني.
كذلك، فإن وجود الكتلة النقدية الاسمية خارج الجهاز المصرفي (غير المزدوج وبالتالي غياب محفظة اعرض حوافز للادخار والاستثمار)، التي رشحت بها الأخبار حديثا بنسبة ٩٠%، الى جانب طباعة النقود الأخيرة وارتفاع الأسعار العالمية للسلع الخدمات (التضخم المستورد) بفعل الحرب الروسية – الأوكرانية، الى جانب استمرار السياسات التحريرية التضخمية وزيادة الإيرادات الحكومية أصبحوا ضغطاً مسانداً لعدم الاستقرار الكلي للأسعار والاقتصاد والمجتمع. فإذا لم يقض على عدم استقرار أسعار السلع والخدمات التي تمس مطلوبات المواطن والمنتج اليومية بما يزيد من فرص العمل للعاطلين لتقليص دائرة الفقر، فإن الوضع الاقتصادي سيستمر في التطور إلى أزمة عدم استقرار سياسي يؤدي إلى تعقيد أزمة عدم الاستقرار السياسي القائمة حالياً ما لم تتخذ الحكومة من الخطوات الإيجابية التي تتفادى زيادة التعقيدات الاقتصادية الحالية.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب