الإدارة الأهلية بين الأمس واليوم

 

م / أحمد حسن الأمير

الإدارة الأهلية منظومة ومستوى من مستويات الحكم المحلي وتعتبر منظمة مجتمع مدني لها دور اجتماعي واقتصادي وأمني، وتساعد الإدارات التنفيذية في إدارة شؤون الدولة وهي بمثابة مفتاح للجهاز السياسي والتنفيذي للوصول للمواطن وتلمس قضاياه الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وللإدارة الأهلية قانون خاص بها يسمى قانون الإدارة الأهلية.

أيضاً للإدارة الأهلية هيكل خاص بها ومتعارف عليه على قمته الأمير وكان يسمى (الناظر)، ولكل قبيلة ناظر أو أمير مسؤول عنها والقبائل التي تسكن في داره أو أرضه مسؤول عنها وتتبع لإدارته وتتمتع بالحريات الأربع، وتلتزم بأعراف القبيلة ويحكمها قانون القبيلة.

الإدارة الأهلية موروث من موروثات الحكم الثنائي البريطاني المصري وهي مستوى من مستويات الحكم وقتها تنفذ سياسات الحاكم البريطاني وتساعده في معالجة القضايا الاجتماعية بالأعراف أو النظام القضائي.

لكل ناظر قبيلة محكمة وللعمد محاكم تسمى المحاكم الأهلية تساعد في بسط الأمن ومعالجة القضايا الاجتماعية ونزاعات الموارد الطبيعية بين المزارعين مثل نزاعات حدود الأرض ونزاعات الرعاة والمزارعين.

الإدارة الأهلية تساعد الحكومة التنفيذية في جمع الضرائب مثل ضريبة القطعان وهي ضريبة سيادية يجمعها الشيوخ والعمد ولكل قبيلة ربط خاص بالقطعان تورده سنوياً للدولة وتعكس في الخدمات التنموية التي يستفيد منها المواطن.

أيضاً الإدارة الأهلية تشارك في فتح خطوط النار وبسط الأمن والسلم المجتمعي وهي عضو في لجان الأمن بالولايات والمحليات ولها دور في ربط النسيج المجتمعي والتعايش السلمي ونشر ثقافه السلام ومعالجة قضايا الموارد الطبيعية.

الإدارة الأهلية سياسياً شاركت وساهمت في الحركة الوطنية قبل الاستقلال وعند نيل الدولة لاستقلالها في العام 1956م شارك بعض أعضاء الإدارة الأهلية في البرلمان والجمعية التأسيسية وغيرها وساعدت في إرساء الحكم الديمقراطي المدني في فترات الديمقراطية الأولى والثانية.

في فترة حكومة مايو تم تجميد نشاط الإدارة الأهلية، وهذا التجميد خصم من الإدارة الأهلية كثيراً وفي فترة الديمقراطية الثانية تمت إعادة نشاط الإدارة الأهلية، لكن تأثرت الإدارة الأهليه كمنظومة بالاضطرابات السياسية التي صاحبت البلاد ما بعد الاستقلال، فأصبح لكل نظام نظار وعمد موالين لهذا النظام وهناك عمد تم تعيينهم في حكومة الإنقاذ لتنفيذ سياسات نظام الإنقاذ وعند سقوط نظام الإنقاذ ظهر عمد موالين لحكومة ما بعد الإنقاذ، وبعد 25 أكتوبر، فأصبح أداء الإدارة الأهلية مربوطاً بالأنظمة السياسية، فانحرف بعض النظار والعمد عن أهداف الإدارة الأهلية كمنظومة ومستوى حكم لها دور تاريخي في رتق النسيج المجتمعي والتنمية الى تنفيذ أجندة سياسية خاصة بالنظام، فضعف أداء بعض النظار والعمد فحاولت بعض القبائل تقوية نظام الإدارة الأهلية لها بتكوين مجالس شورى للقبيلة واتحادات للقبيلة لتقوية النظام الإداري في القبيلة لتحقيق الأهداف، لكن بكل أسف بعض هذه المجالس والاتحادات نجدهم أنفسهم متصارعين في الكراسي الخاصة بإدارة هذه المجالس والاتحادات، فأصبحت هناك شلليات وتكتلات لها أثر سالب في تماسك النسيج المجتمعي وأضعفت نظام الإدارة الأهلية، ولم تحقق أهداف تكوينها.

الإدارة الأهلية كانت مسيطرة على الأراضي الزراعية والمراعي والغابات الشعبية و(غفار الشيخ) يمنح الشيخ رعاياه ويوزع الغفار من الأراضي للأسر بالقرية لفلاحتها لتحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي للأسرة، لكن الآن لا يوجد غفار للشيخ وتدهورت الغابات الشعبية والمراعي الطبيعية ومسارات ومخارف الثروة الحيوانية.

الشيخ في القرية يمثل حكومة مصغرة لمعالجة القضايا الاجتماعية، ونزاعات الموارد الطبيعية، لكن أيضاً ضعف دور الشيخ ولجنته على حساب تقوية  لجان أخرى بالقرية اللجان الشعبية سابقاً ولجان التغيير والخدمات بالقرية حالياً، فتم تغييب دور بعض الشيوخ فتم تهميش بعضهم فأصبح بلا دور بدل كان مفتاحاً وواجهة للقرية.

الإدارة الأهلية تحتاج لبناء هيكلي جديد وتفعيل قانونها وتمكينها بسلطاتها وبناء قدراتها لتحقيق أهدافها فلابد أن تبتعد قليلاً عن السياسة وتتفقد رعاياها وتتلمس قضاياهم لإيصالها الى الجهاز التنفيذي للدولة للتفكير معه في معالجة هذه القضايا بعيداً عن النظرة العنصرية والقبلية فتكون الإدارة الأهلية صالحة لكل زمان ومكان لا تتأثر بتغيير الأنظمة السياسية ما دام الهدف واحداً وهو أن ينعم المواطن بالاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والأمني إحداث تنمية اقتصادية واجتماعية .


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب