النيل الأزرق.. أسس معالجات النزوح

*
النذير إبراهيم العاقب
*
قال مدير عام وزارة الرعاية الاجتماعية ورئيس اللجنة العليا للطوارئ بإقليم النيل الأزرق عز الدين علي سليمان، إن عدد النازحين جراء أحداث النيل الأزرق بلغ 66 ألفاً ، من بينهم 9 آلاف داخل الإقليم.
وتوقع تأثر الموسم الزراعي في الإقليم جراء النزوح، وقال إن حكومة الاقليم أعلنت عن فجوة غذائية في وقت سابق، ولفت إلى إستمرار التدخل الإنساني من قبل المنظمات لإغاثة النازحين، ولفت إلى تقليص معسكرات النازحين في الإقليم إلى 4 معسكرات جراء حركة النزوح إلى مناطق جديدة عقب الأحداث الأخيرة، بجانب عودة عدد كبير من اللاجئين من إثيوبيا وجنوب السودان إلى خمسة محافظات هي محافظات باو والكرمك والتضامن وقيسان والدمازين.
ووجه نداء إلى الأمم المتحدة والوكالات الدولية لمساعدات عاجلة، وكشف عن تضرر أعداد كبيرة من المواطنين بالسيول بجانب المتأثرين بالأحداث واللاجئين العائدين.
و المعلوم أن النزوح الداخلي في كل دولة يرجع إلى سببين رئيسين، وكلاهما ناجم عن انعدام الأمن، حيث يفر الأشخاص من منازلهم بسبب ما تتعرض له حياتهم من تهديدات مباشرة من قبيل النزاعات المسلحة أو العنف أو التمييز أو التخويف، ويأتي إختيار النزوح عن المنزل العائلي قرار مؤلم، وتكتنفه هالة من الشك حول ما يخبئه المستقبل، ولا يتخذ مثل هذا القرار ببساطة، من منطلق أنه يعرض الأشخاص لأضرار بدنية والبؤس وفقدان سبل عيشهم العادية والانفصال عن أحبائهم، فضلاً عن هجران النازحين لمنازلهم بسبب الأخطار التي تهدد أسباب كسب عيشهم، وقد يؤدي القتال وانعدام الأمن إلى استحالة سبل كسب الرزق أو حصولهم على الخدمات الأساسية، لكونهم لم يعودوا قادرين على العمل في حقولهم أو بيع منتجاتهم أو الوصول إلى الأسواق، ويمكن أن يعرقلا سبل حصولهم على الرعاية الصحية وإمدادات المياه والتعليم وغيرها من الخدمات الأساسية.
ولاشك أن هناك العديد من السبل الكفيلة بمنع حدوث النزوح، والذي ينتج جزء كبير منه نتيجة لانتهاكات القانون الدولي الإنساني، وبالفعل توحد الكثير من الوسائل والتي بالإمكان عبرها منع الانتهاكات التي يتعرض لها هذا القانون، ومع ذلك فقد تأتي على الناس والمجتمعات أوقات لا يكون لديهم فيها خيار سوى النزوح، فعندما تصل الضعوط التي تدفعهم إلى هجر منازلهم إلى حد لا يطاق، وعندما يكون السبيل الوحيد المتاح أمامهم للحفاظ على حياتهم وكرامتهم هو سبيل المغادرة، فإن التركيز على تجنيبهم النزوح سيكون خالياً من أي معنى، وما إن تقرر إحدى العائلات أو المجتمعات النزوح، فإن القرار الوحيد المتاح أمام اللجنة المجتمعية والحكومية والمنظمات المختصة، هو العمل على تخفيف معاناتها ومساعدتها بأي شكل ممكن، والحالة الأخيرة في النيل الأزرق خير مثال على هذا، حيث قامت الحكومة والمنظمات الدولية العاملة في الإقليم مع جمعية الهلال الأحمر السوداني بتوفير مجموعة واسعة من سبل المساعدة لمئات الآلاف من الأشخاص الفارين من القتال الدائر في محافظتي الرصيرص وود الماحي، وتأتي هذه الخطوة مراعاة للأوضاع الإنسانية العصيبة التي مر بها هؤلاء النازحين، وراعت مختلف مراحل وديناميات ظاهرة النزوح، حيث قامت عقب حدوث النزوح وأثناءه وبعده بمجوعة واسعة من الأنشطة المعدة لظروف محددة تجتازها المجتمعات المتضررة، وذلك عقب تحديد إحتياجات الناس واحتياجات النازحين مع إستصحاب الخيارات التنفيذية المطلوبة في مثل هذه الحالات.
وكثيراً ما يعتقد معظم الأشخاص الذين يفرون من منازلهم أن النزوح إجراء مؤقت، وهم يأملون في العودة إليها في أقرب وقت ممكن، وقد يسعون إلى البحث عن مأوى لدى عائلاتهم أو أصدقائهم في المجتمعات المجاورة، وللتقليل من آثار تعطل نسق حياتهم العادية إلى أدنى حد، وتستقبل هذه العائلات والمجتمعات المضيفة القادمين الجدد وتتقاسم معهم مواردها، والتي غالباً ما تكون هزيلة، حتى قبل أن تعلم المنظمات الدولية وغير الحكومية بالمشكلة وقبل أن تبادر إلى تقديم المساعدة.
وتتحمل العائلات والمجتمعات المضيفة في معظم الأحيان العبء الناجم عن النزوح الداخلي، وعلى سبيل المثال، فقد شهد إقليم النيل الأزرق طوال العشر سنوات الماضية الكثير من موجات النزوح المتتالية من للسكان أنفسهم داخل المناطق نفسها، وقد أقام ثلثا عدد الأشخاص النازحين مع عائلات مضيفة، مشكلين بذلك عبئاً ثقيلاً على موارد المجتمعات المحلية، ولعل هذا هو السبب الذي يجعل من ضمان حصولهم على المساعدة أمراً مهماً للغاية.
ونتيجة لكون الكثير من النازحين يفضلون الإقامة لدى عائلاتهم وأصدقائهم في المجتمعات المجاورة، فإنهم يبقون بعيداً عن أعين الوكالات الدولية أو الحكومية، وبالتالي يكون الوصول إلى النازحين في المناطق التي وجدوا ملجأ فيها أصعب من إقامة مشاريع إيواء لهم قد تكون أكثر ملاءمة وأكثر يسراً بالنسبة للحكومة والمنظمات الدولية العاملة في هذا الخصوص، بيد أنه إذا كانت تلك الجهات حقاً، تريد تلبية إحتياجات النازحين، فعليها أن تجعل من الوصول إلى هؤلاء النازحين، وبأعجل ما يكون، وفي مناطق تلك المجتمعات التي توفر لهم المأوى، وتجعل هذه الخطوة أولوية من أولوياتها.
ولاشك أن الأحداث التي شهدها إقليم النيل الأزرق مؤخراً، وما صاحبها من نفرة قومية لإغاثة النازحين جراء الأحداث الأخيرة، تعد مثالاً جيداً عن عملية كبرى من عمليات مساعدة المدنيين في مجتمعاتهم عوضاً عن تقديمها في المخيمات، وهي المجتمعات التي تضم أعداداً كبيرة من النازحين، بجانب توفير الخدمات الصحية وتحسين خدمات المياه والصرف الصحي وتوزيع العديد من الأدوات لتمكين السكان من استعادة اكتفائهم الذاتي خلال فترة تواجد هذه المعسكرات.
ومع ذلك فلا تشكل المخيمات دوماً أفضل الحلول، ومع ذلك تكون أحياناً الحل الوحيد، ففي بعض الظروف التي تكون فيها الموارد المحلية ضئيلة وضعيفة، قد تكون المخيمات هي الوسيلة الوحيدة الممكنة لاستعادة الأمن والحصول على الغذاء والمياه وغيرها من الضروريات، بجانب انها تضطلع بدور حيوي، لاسيما في المراحل القاسية من النزوح وفي الأوقات التي تلوح فيها بوادر الخطر، ولكنها تثير أيضاً عدداً من المعضلات التي تستدعي الاهتمام الواجب.
وقد توفر المخيمات في بعض الأحيان خدمات أساسية غير متاحة للمقيمين في المجتمعات المحلية المحيطة بها، ويمكن أن يتسبب هذا التفاوت في استياء وتوتر وعنف بين النازحين والمجتمعات المحلية المقيمة، وهو ما قد يشجع الناس على هجر منازلهم للاستفادة من هذه الخدمات.
وخارج نطاق مرحلة الطوارئ، فالمخيمات تتسبب في إضعاف قدرة ساكنيها على تحقيق الاكتفاء الذاتي، ونادراً ما يجري توفير فرص تتيح للنازحين السعي نحو خيارات اقتصادية مستقلة أو تأمين أسباب كسب عيشهم. وإضافة إلى ذلك، فإن إقامة المخيمات بالقرب من المدن يؤدي في معظم الأحيان إلى تحولها إلى أحياء فقيرة يمكنك أن تصادف فيها أشد الناس فقراً، ويمكن أن يكون للمخيمات أثر عميق على القواعد الاجتماعية وأوجه التفاعل بين الناس، وقد يشجع انعدام الموارد والخيارات على العنف، بما فيه العنف الجنسي، والاستغلال والتمييز، وإضافة إلى ذلك، يمكن للجماعات المسلحة أن تتسلل إلى داخل المخيمات ويمكن أن تتوافر الأسلحة بسهولة، ويزيد هذان الوضعان من حدة الأخطار المحدقة بالسكان وانعدام الأمن لديهم.
وخلاصة القول إن إقامة المخيمات يعد في بعض الأحيان عملاً لا مناص منه، غير أنه من الأهمية بمكان إدراك الأخطار التي ينطوي عليها وعدم اعتبار المخيمات على أنها الخيار الوحيد، لاسيما أن الاستراتيجية المعنية بهذا الشأن تهدف إلى تقديم الخدمات ذات الصلة إلى الأشخاص المتضررين من النزوح في أسرع وقت ممكن وأينما كانوا، وتقدم هذه الخدمات في معظم الأحيان خارج المخيمات.
من ماسبق تتضح الحاجة الماسة من قبل الجهات المعنية لتوحيد الجهود بين الشركاء المحليين، من جهات حكومية وجمعيات الصليب الأحمر أو الهلال الأحمر، فضلاً عن جمعيات ومنظمات الإغاثة الدولية والوطنية الموجودة في إقليم النيل الأزرق، للمساعدة على الاستفادة إلى أقصى حد من نتائج الأنشطة والعمليات التي يضطلعون بها لتوفير أقصى درجات الخدمات الصحية والاجتماعية الغذائية للنازحين،حيث تمتلك الجمعيات والمنظمات الدولية والوطنية في معظم الأحيان شبكة من الأشخاص وبنية تحتية قائمة في جميع أنحاء البلاد، وكثيراً ما تكون هذه الجمعيات هي أول المستجيبين من داخل مجتمعاتها المحلية المتضررة،وتؤدي معرفتها بالديناميات والبيئة والثقافة دوراً حاسماً، في توفير كافة المتطلبات الأساسية للنازحين.
وتأتي أهمية شراكات المنظمات الدولية والوطنية في هذا الخصوص، في فهم المنظمات الوطنية لثقافة السكان المحليين ويشكلون جزءاً منها، ويدركون بسرعة احتياجاتهم، الأمر الذي يساعد على تحديد استجابة ذات صلة وبشكل أكثر فعالية. ويشكل ذاك التكتل أحد الخبرات الحقيقية عند وضع وتنفيذ الأنشطة التي لها صلة بحياة واحتياجات الأشخاص الذين عبرهم تقدم لهم المساعدة.
نخلص إلى أن الضرورة تستوجب أهمية تفعيل حكومة الإقليم ووزارة الرعاية الاجتماعية والجهات الحكومية المختصة بقضايا النزوح وإغاثة النازحين، بالعمل الجاد والمتسارع لجهة توفير كافة الاحتياجات المطلوبة للنازحين، سواء في المعسكرات المدرسية أو مناطق الإيواء الأخرى، وتسريع خطي الحل الشامل لهذه المعضلة الكبرى، خاصة وأنهم قد طردوا من منازلهم وفقدوا كل ممتلكاتهم، مما يستوجب ذلك أهمية وجود علاجات ناجعة لمسألة، إما إعادتهم إلى مساكنهم السابقة، عقب وضع أسس حقيقة للصلح الشامل بين القبائل المتقاتلة في النيل الأزرق، أو إيجاد بدائل سكنية لهم خارج الإقليم، شريطة أن تكون بعيدة كل البعد عن مناطقهم التي نزحوا منها،خاصة وأن بداية العام الدراسي على الأبواب، ومازالت جل المدارس الحكومية بالدمازين تعج بآلاف النازحين.