النيل الأزرق.. أهمية الإعلام

*
النذير إبراهيم العاقب
*
لا شك البتة في أن الإعلام، وبكل مسمياته وأشكاله، صار الآن يمثل أهمية قصوى في كل أرجاء الكون، من منطلق تأثيره المباشر على المجتمعات كافة، وقدرته على تشكيل المسار العام للحكومات والمجتمعات في كل مكان في عالم اليوم الذي صار الإعلام هو الركيزة الأساسية لتركيز وإنفاذ كافة السياسات وتطبيق الموجهات، فضلاً عن أنه صار اليوم إعلاماً مقروءاً ومسموعاً ومرئياً، وحتى إلكترونياً كذلك، وباستطاعتة قلب الموازين العامة في كل دول العالم من منطلق تأثيره المباشر على تشكيل الرأي العام، تأكيداً على أنه أصبح اليوم من أهم الوسائل المستخدمة للتخاطب مع الأفراد والحكومات، وطبقات المجتمع كافة على حد سواء، من منطلق إسهامه في إيصال القضايا المختلفة في المجتمع وفي المجالات كافة، وهو يُعبّر عن ضعف الأمة أو قوّتها، وله تأثير كبير في أفراد الأمة وحياتهم.
ويلعب الإعلام في المجتمع دوراً مهماً داخل كل مجتمع، حيث تعدّ وسائل الإعلام مصدراً مهمّاً من مصادر التوعية وبناء الفكر المجتمعي، وهي ذات تأثير كبير في عمليّة تكوين الرأي الجماهيري، إلى جانب التأثير في تكوين اهتماماتهم وتوجهاتهم الفكرية والسياسية، وتطوير مستوياتهم الفكرية والأكاديمية والاجتماعية، ناهيك عن أنّه في الآونة الأخيرة أصبح لوسائل الإعلام سلبيات ومخاطر جمّة تُغطي أحياناً على إيجابياتها المهمّة في الأصعدة كافة، كما أنها تؤدي دوراً مهماً في تنمية وعي الشعوب وتحفيز الشّباب على تنمية المجتمع والتّعاون لأجل نهضة البلاد ومواجهة كل العوائق.
ولعلنا في إقليم النيل الأزرق في أمس الحاجة للاعتماد المباشر والكامل على وسائل الإعلام واستغلالها الاستغلال الأمثل والسليم في طرح الأفكار الجديدة والخطط والبرامج الكفيلة بتحقيق أكبر قدر من التنمية الحقيقية والمستدامة بالإقليم، وفي كافة المجالات، بدءً بتغيير المفاهيم الخاطئة التي ارتكزت مؤخراً وسط مجتمع الإقليم، والتي أفضت إلى إشعال الفتنة القبلية في النيل، وأدت إلى أحداث العنف الأخيرة التي راح ضحيتها مئات القتلى وآلاف الجرحى، وتسببت في نزوح آلاف آخرين، الأمر المؤكد لحاجة الإقليم الماسة لوضع استراتيجيات إعلامية فاعلة يمكن أن تكون وسيلة مثلي لبناء انسجام بين الثقافات القبلية المختلفة، وتعليم أسس التعاون وترسيخ مبادئ التكاتف والتآزر ونبذ ثقافة العنف والاقتتال وسط مجتمعات الإقليم كافة، بحكم أن وسائل الإعلام في العصر الحديث صارت من أكثر القطاعات التي تلعب دوراً مهماً في المجتمعات وتوجيهها، حيثُ إنها تستطيع الوصول للنّاس بمختلف اهتماماتهم وخلفياتهم، لتؤثر فيهم بكثيرٍ من الأساليب أكثر من أي قطاعٍ آخر، وهذا ما يُميّزها عن غيرها من خلال ما تثيره من قضايا اقتصادية واجتماعية وتواصلية مع مختلف المؤسسات والمواطنين، وبالتالي تعتبر وسائل الإعلام وسيلة لرفع أصوات من لا صوت لهم.
بجانب الأهمية القصوى لأهمية الإعلام الاستراتيجي
واستغلاله الاستغلال الأمثل لوضع استراتيجيات واضحة للتخطيط الشامل والمفصّل لكافة أطراف العملية الإعلامية، والذي أصبح من القوى الأساسية التي تعتمد عليها الدول بشكل كبير في توجيهها للجماهير المستهدفة والتأثير فيها، بجانب أن الإعلام الاستراتيجي يلعب دوراً مهماً في مخاطبة الجماهير العالمية بالإضافة إلى تشكيل الرأي العام حول القضايا المطروحة على الساحة الدولية أو الإعلامية، وإنَّ القائمين بالاتصال في الإعلام الاستراتيجي، لا بُدّ من أن يضعوا في عين الاعتبار أن تكون الأهداف استراتيجية طويلة المدى، مع أهمية التركيز على التخطيط المتقدم لاستخدام الاتصالات عن بعد ما بين الجمهور والمنظمات، وليس من خلال الوسائل التقليدية، ويهدف الإعلام الاستراتيجي كذلك إلى امتلاك كافة القوى الاستراتيجية والتي تكون متعلقة بوسائل الاتصال الحديثة، ويقوم بالسيطرة المتخصصة بالإعلام وأشكاله وذلك من خلال التواصل مع المجتمعات كافة، ويقوم بتوفير السندات والتي من خلالها يتم تحقيق الرؤى والغايات والأهداف التي وضعها ضمن خططه، وتنحصر العناصر الأساسية للإعلام الاستراتيجي في
تحديد المداخل الإعلامية المناسبة، وذلك بأن يتم تحديد كافة المعلومات والبيانات بشكل مفصّل عن الجمهور الذي تريد الجهة المعنية مخاطبته، مراعياً بذلك الخصائص والأساليب التي قد تختلف عند فئة الشباب وما هو عند فئة الأطفال، أو كبار السن أو النساء، وغيرهم من الفئات المجتمعية الأخرى، بحيث يكون لكل فئة مداخل مناسبة لمخاطبتهم والتواصل معهم، فيكون من الممكن تخمين الأساليب والمداخل المناسبة وفقاً لتحليل المعطيات، سواء كانت النفسية أو الفكرية أو الاجتماعية.
وللوصول للجماهير المستهدفة لابد من أن يتم التركيز على التقنيات التكنولوجية الحديثة في التواصل مع الجماهير المستهدفة، وبالتالي يتم استقطاب واستهداف الفئات الشبابية من خلال استخدام وسائل الإعلام المحلية والمركزية والإقليمية المختلفة وبكل مسمياتها، ومواقع التواصل الاجتماعي، للوصول للجمهور باللغات واللهجات المناسبة، ويقصد بذلك استخدام لغة تناسب الجمهور المستهدف، ويكون ذلك من خلال التعمق في أفكاره وتاريخه، فقد يكون من الممكن أن تتم مخاطبة الجمهور باللغة العامية وضرورة الابتعاد عن اللغة التي لا يفهمها.
الوصول للجمهور، وذلك باستخدام كافة التطبيقات المتوافرة، حيث يتم اللجوء إلى الوسائل والأساليب المبتكرة مراعياً بذلك فوارق الطبقات العلمية، لجهة تحقيق أهداف الإعلام الاستراتيجي من خلال رسائل متعددة ومتنوعة، ويكون ذلك من خلال مراحل طويلة المدى.
نخلص من كل ما سبق إلى الأهمية القصوى لحكومة إقليم النيل الأزرق عامة ووزارة الإعلام خاصة للشروع الفوري في وضع استراتيجية إعلامية فاعلة لتوعية مواطني الإقليم بأهمية التعايش السلمي والبعد عن كل ما يثير الخلافات وإشعال النعرات القبلية والعنصرية وبث الفتنة والكراهية، وتحفيزهم على أهمية التعاون والشراكة المجتمعية والوطنية، والمشاركة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وبث الشعور بالمسؤولية الوطنية والاجتماعية لدى كل مجتمع إقليم النيل الأزرق بكل مكوناته الإثنية والقبلية، والبعد عن العنف والخلافات وزفتعال المشاكل التي تؤدي إلى زعزعة الاستقرار والأمن العام، وتعريف الجمهور وتحديداً الشباب، بالفرص الجديدة في مجالات الاستثمار والعمل والإنتاج، ولنشر الوعي والثقافة المسؤولة والصديقة للتنمية وصولاً لصيغ فاعلة تسهم في إحداث التغيير الإيجابي في المجتمع، وتحديداً وسط الشباب.
وكذلك المساهمة في تغيير الاتجاهات بشكل إيجابي ومحاربة الاتجاهات السلبية في السلوك العام للأفراد، وتعزيز مكانة المال العام والمرافق العامة وتنمية الشعور الإيجابي لدى المواطنين نحوها بما ينعكس في سلوكهم وحياتهم اليومية، وتنمية الشعور بالالتزام بالقوانين والأنظمة، وتحفيز المواطنين على اتباعها، ونشر الوعي بحقوق الإنسان باعتباره أساس المواطنة الصالحة، إضافة إلى حقوق الفئات الخاصة، المتمثلة في النساء والأطفال والمعاقين والفئات المهمشة في المجتمع.
مع ضرورة التركيز على نشر ثقافة النجاح وتعميمها وسط المواطنين، من خلال التعريف بقصص النجاح وبنماذج القدوة، وذلك لأجل الوصول لأقصى درجات التفاعل المجتمعي بالنيل الأزرق، وتحويل طاقاته إلى العمل الجاد للإنتاج وتأهيل الاقتصاد بالإقليم والنهوض به من وهدته الراهنة.