النذير إبراهيم العاقب
رأس عضو مجلس السيادة الإنتقالي مالك عقار إير بالقصر الجمهوري الخميس الماضي إجتماعاً ضم وزراء الحكم الإتحادي محمد كورتكيلا صالح ،التنمية الإجتماعية أحمد آدم بخيت، الطاقة والنفط المكلف محمد عبد الله محمود والنقل المكلف هشام علي أبو زيد، وبحث الإجتماع الكيفية المثلى لوضع خطط عمل واضحة وقابلة للتطبيق بما يسهم في العودة الطوعية للاجئين والمهجرين، إلى اقليم النيل الأزرق، البالغ عددهم ٢٨٠ ألف، الذين أجبرتهم الحروب والنزاعات التي شهدتها الولاية، في فترات متلاحقة للجوء للعديد من المعسكرات خارج الاقليم، وأمن الإجتماع على أهمية تكوين لجنة عليا تضم عدداً أكبر من الوزارات ذات الصلة والجهات الحكومية وغير الحكومية، لتنسيق الجهود ووضع الخطط التي سيتم وضعها في هذا الجانب.
ولعل مأساة لجوء مواطني النيل الأزرق إلى معسكرات دول الجوار إبان نشوب حرب سبتمبر 2011م جاءت هرباً من الاضطهاد والصراع المسلح والعنف السياسي الممنهج من قبل حكومة العهد البائد السابقة على جل مواطني الإقليم المنتمين إلى الحركة الشعبية وقياداتها وبعض القبائل التي ينتمي قادة الحركة إليها، والتي وصلت في بعض الأحيان إلى ما يشبه الإبادة الجماعية وغصب المتبقين منهم إلى النزوح الداخلي. ويأتي بحث هذه القضية الملحة من قبل الفريق مالك عقار في وقته حقاً، من منطلق الأهمية القصوى والحاجة الماسة لإعادة توطين النازحين واللاجئين في النيل الأزرق، والذين مازالوا يقطنون في معسكرات النزوح بأثيوبيا وجنوب السودان.
ولضمان العودة وبكرامة لهؤلاء النازحين لابد من الجهات المنوطة بذلك على اتباع نهج الاتفاقية الدولية للأمم المتحدة، والموقع في العام 1951م والخاصة باللاجئين، والتي بموجبها تم إنشاء مكتب المفوض السامي لشؤون اللاجئين ، أعقبها صدور بروتوكول عام 1967م الذي ألغى القيود الجغرافية، بحيث أصبحت الاتفاقية تركز على الجانب الإنساني لمشكلة اللاجئين، على النحو الوارد في المادة الثانية من النظام الأساسي لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
ولاشك أن مشكلة اللجوء والنزوح تعد من المشكلات التي تؤرق الضمير الإنساني بل من التحديات التي يواجهها المجتمع الدولي منذ أزمان بعيدة وأصبحت مشكلة اللجوء والنزوح من أكثر القضايا إلحاحا، خاصة مع تزايد عدد اللاجئين بتزايد أسباب اللجوء والنزوح وتعرض هذه المجموعات للمعاناة وانتهاكات متكررة لحقوقهم خاصة في ظل ضعف آليات الحماية الدولية لهذه الفئات وتقاعس المجتمع الدولي في القيام بمسؤولياته تجاه اللاجئين والنازحين ودخول المشكلة الإنسانية في دائرة مصالح الدول، مما أدى إلى تزايد انتهاك حقوقهم، رغم وجود المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ومنظمات حقوق الإنسان في أماكن تواجدهم، فضلاً عن العديد من قصص التجويع اللاجئين والنازحين وتفكيك المعسكرات قسراً وتحت تهديد السلاح وإعادة انتهاك حقوقهم، إن لم يصل الأمر في بعض الأحيان إلى إعادتهم إلى مناطق الأصلية من دون أي مقومات وتعريضهم لخطر الأمن والجوع، أو دمجهم في مجتمعات المدن التي نزحوا منها مكرهين،
ففي ظل هذه الظروف والمتغيرات والمستجدات لابد من مراجعة شاملة لسبل حماية اللاجئين والمشردين داخلياً بشكل يجعلها أكثر فعالية.
وبما أن المهمة الأساسية لمفوضية اللاجئين هدفت لتوفير الحماية بصفة أساسية للاجئين وتأمين حلول دائمة لمعاناتهم، وبحكم أنها منظمة إنسانية مستقلة وغير سياسية ترتبط وتقدم تقاريرها إلى الجمعية العامة عبر المجلس الاقتصادى والاجتماعي في الأمم المتحدة، وتنحصر
مهامها في تأمين الحماية القانونية وضمان إحترام حقوق الإنسان للاجئين وطالبي اللجوء، وتقديم المساعدة الإنسانية المادية للاجئين مثل الأغذية والمياه والرعاية الطبية والمأوى، وإيجاد حلول دائمة لمشكلات اللاجئين، إما بمساعدتهم على العودة الطوعية إلى أوطانهم أو اندماجهم في البلدان التي إلتمسوا فيها اللجوء، أوإعادة توطينهم في بلدان أخرى، وذلك بالتنسيق مع الحكومات والدول، ومساعدة فئات أخرى من الناس مثل النازحين أو الأشخاص المشردين داخل بلدانهم وتقديم خدمات متخصصة مثل المعونة الغذائية الطارئة والمساعدات الطبية والخدمات المجتمعية والمرافق التعليمية، ومراقبة مدى إمتثال الحكومات للقانون الدولي.
وقد عرفت الأمم المتحدة اللاجئ
بأنه، (كل شخص تواجد بسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو إنتمائه إلى فئة إجتماعية معينة أو آرائه السياسية خارج بلد جنسيته ولا يستطيع أو لا يرغب بسبب ذلك الخوف أن يستظل بحماية دولته أو غير راغب بسبب هذا الخوف أن يعود إلى تلك الدولة)، واتسع تعريف اللاجئ ولاسيما في اتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية الخاصة باللاجئين ليشمل الأشخاص الفارين من العنف المعمم (الحرب الدولية أو النزاع المسلح الداخلي أو الإعتداء أو الإحتلال الخارجي أو الإخلال الشديد بالنظام العام أو الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان) في جميع أنحاء بلد الجنسية أو جزء منه، فضلاً عن الكوارث الطبيعية المصاحبة للإهمال الحكومي لأسباب سياسية أو إثنية أو عرقية أو دينية.
ومن ثم عرفت النازحة بأنه هو الشخص الذي أجبر أو أكره على الفرار وترك منزله ومكان إقامته المعتادة أو الأصلية أو إضطر إلى ذلك لتفادي آثار النزاع المسلح أو حالات العنف المعمم أو إنتهاكات حقوق الإنسان أو الكوارث الطبيعية أو التي هي من صنع الإنسان ولكنه لم يعبر حدا دولياً معترفا أي انتقال إلى مكان آخر داخل حدود دولته بحثاً عن الأمن والسلامة والحماية، ربما بسبب بعد الحدود أو بسبب ما يكتنف رحلة المغادرة من أخطار ناجمة عن النزاع العسكري أو الألغام أو إعاقة أو إغلاق السلطات المحلية طرق المغادرة أو غيرها من المعوقات.
وتأتي مسألةالعودة التلقائية للنازحين واللاجئين إلى بلدانهم ومناطقهم الأصلية التي نزحوا منها لأسباب اقتصادية أو بسبب النزاعات والحروب الأهلية أو بسبب الكوارث الطبيعية وغيرها من الأسباب مسألة مهمة للغاية، شريطة أن تتم هذه العودة بصورة تلقائية ومن دون إشراف أي جهة محلية أو دولية وذلك بسبب توفر محفظات العودة وتحسن الظروف المعيشية أو الحالة الأمنية أو النشاط الاقتصادي والخدمات الأساسية، وبعد توفر شروط معينة وفي ظل غياب كل وسائل الضغط المادي والمعنوي وتوفر وسائل الحماية المحلية والدولية المساعدات الإنسانية والمعلومات الكافية عن الوضع في مناطق العودة وبعد زوال الأسباب التي أدت إلى اللجوء النزوح، فضلاً عن الأهمية القصوى لتهيئة الوضع الأمني والبيئي لهم، والمتمثل في تهيئة السكن المناسب وتجهيزه بما يليق بإعادة التوطين وتسكين هؤلاء اللاجئين والنازحين الذين أجبرتهم حروب النظام البائد لهجر ديارهم واللجوء لدول الجوار، تمهيداً لاندماجهم وزنخراطهم الفرد داخل المجتمع والمشاركة الفاعلة فيه والتمتع بحقوقهم ومسؤولياتهم، مع ضرورة ضمان قبول المجتمع أو الجماعة لهم كأعضاء جدد في صفوفه، والتي تتم عبر شروط تتمثل في التربية والعمل والمساواة أمام القانون والحريات السياسية وتعزيز حقوق الإنسان وصونها والتسامح وعدم التمييز.
ولعل من أهم شروط إعادة التوطين في بلد اللاجئ الأصلي تتمثل في ضرورة توفير أقصى معينات التوطين الأساسية بإنشاء مدن سكنية عالية الجودة وتوافر فيها كل الخدمات الصحية والأساسية، وتلبية الاحتياجات الخاصة للاجئين والنازحين الذين تتعرض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم أو صحتهم وغيرها من الحقوق الأساسية للمخاطر في بلدهم العائدين إليه، وتكون بمثابة حل دائم لتدعيم الحماية الوطنية ولاستعادة الكرامة الإنسانية والأمان وضمان مستقبل ووسيلة للمشاركة في المسؤولية الدولية حيث تساعد الدول بعضها البعض للتأكد من أن اللاجئين لا يؤثرون بكل مفرط على الدول التي تستضيف اللاجئين.
على أن يتم كل ماسبق عقب الاستقصاء الكامل لإمكانيات الحلول المحلية، وبعد تقييم إحتمال أن تكون العودة الطوعية إلى الوطن ممكنة أو متوقعة خلال إطار زمني مقبول.
وبما أن حال لاجئي النيل الأزرق بمعسكرات دول الجوار الآن يمكن أن ندرجها في خانة أسوأ درجات العيش المهين، وإفتقار الآلاف منهم لأبسط مقومات توفير الحياة الكريمة، وخاصة في معسكرات جنوب السودان، وبالأخص في الأماكن التي تسيطر عليها قوات الحركة الشعبية جناح عبد العزيز الحلو، فإن الأمر يتطلب ضرورة تسريع خطى الحل الشامل لهذه القضية الملحة، والشروع الفوري من قبل المختصين، والتحرك العاجل من قبل الفريق مالك عقار عضو المجلس السيادي، في التعاقد الفوري والمباشر مع شركات هندسية فاعلة للتخطيط لإنشاء قرى ومدن نموذجية فاعلة تستوعب عودة تلك الأعداد الكبيرة من النازحين واللاجئين والذين يتوقون للعودة العاجلة وبكرامة لبلدهم الأصلي والعيش بأمان وسط أهلهم وعشيرتهم الأقربين.