هل استفاد السودان من الثورات والانتفاضات الشعبية في إرثاء الحكم الديمقراطي؟

م/ أحمد حسن الأمير

السودان بلد مترامي الأطراف متعدد الثقافات والأعراق والأديان، هذا التباين في الثقافات والأعراق والأديان جعل بيئته خصبة لظهور خلافات سياسية أدت لحرب أهلية أدت لانفصال جنوبه عن شماله بموارده ألطبيعية (بترول/ غابات / مراعي/ ثروة حيوانية.. هذه الموارد الطبيعية انفصلت مع جنوبه فظهرت الخلافات السياسية ونزاعات الموارد الطبيعية في جنوب كردفان وإقليم دارفور أدت لحرب أهلية ونزوح وعدم استقرار اقتصادي ومجتمعي.

لم يستفد السودان من الثورات والانتفاضات الشعبية منذ نيله استقلاله في العام 1956م وقد تولى حكم السودان بعد نيله استقلاله الرئيس إسماعيل الأزهري وخلفه منافسه من حزب الأمة عبد الله خليل لفترة ثلاث سنوات.

في نوفمبر 1958م انقلب عبد الله خليل على نفسه وسلم السلطة تسليماً للجيش فألغى قائد الجيش وقتها الفريق عبود الأحزاب وعلق الدستور فهذه أول تجربة فشل للحكم المدني نتيجة للخلافات السياسية بين الأحزاب وأصبحنا نتباكى عليها اليوم.

لم تستمر حكومة عبود الشمولية فتفجرت انتفاضة 21 أكتوبر 1964م التي التف حولها الشعب وخرج عن نظام حكم الفريق إبراهيم عبود الشمولي الدكتاتوري وهي أول ثورة شعبية في أفريقيا والعالم العربي.

نجحت الثورة بفعل إرادة الشعب فأعلن الفريق عبود تنحيه فأعاد الشعب أيضاً السلطة للأحزاب والتجمع النقابي وشكلت حكومة برئاسة سر الختم الخليفة استلم فيها رئاسة وزراء الحكومة الانتقاية وسميت بحكومة جبهة الهيئات (تجمع المهنيين)

التي تكونت عقب انتفاضة 21 أكتوبر 1964م مباشرة وكانت هناك تطورات سياسية أعقبت تكوينها وأفضت إلى صراع بينها وبين الأحزاب السياسية (حزب الأمة والحزب الوطني الاتحادي)، وجبهة الميثاق الإسلامي، أدى في نهاية المطاف إلى فشل الحكومة وحلها وإجراء الانتخابات البرلمانية في 21 أبريل و8 مايو 1965 وبسبب الحرب الأهلية تركت المقاعد في جنوب البلاد شاغرة حتى الانتخابات الفرعية في 8 مارس و18 أبريل 1967، وكانت النتيجة بمثابة انتصار ثانٍ متتالٍ لـحزب الأمة.

تم تشكيل حكومة مدنية برئاسة السيد الصادق المهدي رئيس مجلس الوزراء واستمرت حكومته الى 25 مايو 1969م.

استولى الجيش على السلطة بقيادة العقيد جعفر نميري وبُرِّرَ الانقلاب وقتها على أساس أن السياسيين المدنيين شلوا عملية صنع القرار، وفشلوا في التعامل مع مشاكل البلاد الاقتصادية والإقليمية، وتركوا السودان دون دستور دائم.

استمر حكم ثورة مايو 16 عاماً الى قيام انتفاضة أبريل 1985م، وفي السادس من أبريل عام 1985، أعلن الجيش بقيادة المشير عبد الرحمن سوار الذهب عن انحيازه لمطالب الشعب والإطاحة بنظام جعفر نميريّ.

حكم سوار الذهب البلاد لمدة عام ثم سلّم السلطة للشعب عبر انتخابات مدنيّة

وشهد السودان خلال الفترة الانتقالية في ظل حكم سوار الذهب تحسناً في الأوضاع الخدمية والاقتصادية، وعلى صعيد العلاقات الدولية، ونشطت حركة الأحزاب في عهده من جديد ورغم المطالبات بتمديد الفترة الانتقالية إلا أن الرئيس الأسبق سوار الذهب أعاد زمام السلطة بعد عام، كما وعد تحقيقاً للديمقراطية، مما أتاح للسودان أن يحظى بفترة حكم مدنية جديدة.

بعد انتهاء الفترة الانتقالية أجريت الانتخابات وفاز بها حزب الأمة، وتم اختيار الصادق المهدي رئيساً لمجلس الوزراء، شكل حكومة استمرت الى 30 يونيو 1989م، استولى الجيش على السلطة بقيادة العميد عمر حسن أحمد البشير (ثورة الإنقاذ) التي استمر نظامها ثلاثين عاماً، وأُسقط في ديسمبر 2019م بانحياز الجيش للشعب وتلا الفريق بن عوف البيان الأول ولم توافق عليه قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين والقوى السياسية الأخرى (قحت) وسرعان ما تلا بيان استقالته وخلفه الفريق البرهان، وتم تكوين مجلس سيادة من عسكريين ومدنيين من قوى الثورة، وتم الاتفاق علي وثيقة دستورية لحكم الفترة الانتقالية وتم تشكيل حكومة مدنية برئاسة الدكتور عبد الله حمدوك لم تستمر طويلاً، وأعلن الفريق عبد الفتاح البرهان قرارات 25 أكتوبر2021م، فأصبح السودان بدون حكومة مدنية منذ 25 أكتوبر 2022م.

إذا نظرنا للراهن السياسي الآن وتحليلاً لنتائج الثورات الثلاث ((ثورة أكتوبر 1964 وانتفاضة أبريل 1985م، وثورة ديسمبر 2019)) منذ الاستقلال نخلص الى أن السودان لم يستفد من هذه الثورات في تأسيس نظام ديمقراطي محمي دستورياً، وفشلت القوى السياسية والحزبية والقوات المسلحة في إرساء حكم ديمقراطي منذ الاستقلال للأسباب الآتية على سبيل المثال لا الحصر:

1/ فشلت كل الأنظمة العسكرية في إحداث تنمية مستدامة ولم تتح مناخاً سياسياً لنضوج الأحزاب (كل العالم لم تنجح فيه الأنظمة العسكرية).

2/ حزب الأمة، أحزاب الحركة الإسلاميه، والحزب الشيوعي، والحزب الاتحادي الديمقراطي جميعها أحزاب تفتقر للديمقراطية داخل مؤسساتها وبالتالي فاقد الشيء لا يعطيه.

3/ المفهوم الخاطئ للفترة الانتقالية فهي فترة حكم مدنى بكفاءات علمية مستقله لفترة لا تقل عن 5 سنوات برقابة عسكرية مستقله لها مهام محددة اقتصادية واجتماعية وسياسية تعيد للوطن استقراره، فهي فترة تمكن الأحزاب من إعادة هيكلة نفسها أو ظهور تيارات جديدة بفهم سياسي مستقل عبوراً للانتخابات لتأسيس نظام ديمقراطي ودستور دائم يحكم البلاد حتى تنعم البلاد بحكم ديمقراطي ويعيش المواطن حياة كريمة ويستقر اقتصادياً وأمنياً واجتماعياً.

4/ عدم وجود برنامج واضح لنزع السلاح حتى الذي بطرف الحركات المسلحة ويمكن الاستعانة بتدخل أو مساعدة خارجية دولية.

5/ خلافات القوة السياسية مع بعضها البعض وفشلها في تأسيس نظام ديمقراطي فاستغلت القوات المسلحة هذه الخلافات وهيمنت على السلطة وفشلت في تسليمها للمدنيين فلا بد من توحد القوة السياسية وتترك هذه الخلافات لأنها أضرت بالمواطن السوداني الذي ينشد التغيير للأفضل.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب