الإضراب عن العمل.. زيادة الأجور.. جهات متعددة و مطلب موحد

الخرطوم : علي وقيع الله

تبدو المطالبات الأحادية لكل وحدة من وحدات الدولة لزيادة الأجور، دون معايير وأسس، تعبر عن حال المفارقات الشاسعة وعدم الاستقرار، و تعتبر الإضرابات وسيلة ضغط فاعلة ومهمة في تحقيق منفستو المطالب المشروعة، ونظراً إلى غياب مكونات منظومات العمل المتعددة (اتحاد العمال)، أصبح الإضراب عن العمل، أو التوقف الجزئي المتدرج، مجرد وسيلة للفت النظر، خاصة أن لا تبرير جراء تعديل الميزانية أثناء العام لكل نقابة منفصلة أو جهة مطلبية في الدولة، لكن ما يجب وضعه في الاعتبار أن تعالج المشاكل بصورة كلية لكل العاملين بمرافق الدولة بالتزامن مع بداية الموازنة، لا سيما و أن هذه المسألة فشلت في تحقيق أهدافها، وإنما خلقت مزيداً من التشوه و الاختناقات والضغوط وعدم الرضا العام، و نما إلى مؤسسات الدولة مؤخراً استخدام سلاح الإضرابات عن العمل، وشهدت البلاد، منذ سقوط نظام البشير، إضرابات متواصلة نفذها موظفو المؤسسات الحكومية؛ منها إضراب موظفي وعمال الكهرباء – و وزارة الزراعة – و وزارة التجارة – وغيرهم، و في ظل ضعف الدخل لدى الموظفين والعمال؛ نتيجة لتعثر أوضاع البلاد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، أقل ما يثار حول بروز التصعيد عبر الإضراب عن العمل، بعض من التساؤلات : ما أثر ذلك على أوضاع البلاد بصورة عامة، وهل نجحت الإضرابات أم فشلت في تحقيق الأهداف، وما هي المعالجات التي ينبغي على الدولة أن تعمل على تحقيقها..؟

القرارات والسياسات
في وقت دعا فيه الاتحاد العام لنقابات عمال السودان المحلول، للتمسك بقومية الأجور ورفض التبعيض والتجزيئة في زيادات الأجور لفئات دون الأخرى من خلال آلية المجلس الأعلى للأجور، والتمسك بهيكل أجور موحد وإزالة المفارقات ليكون التمييز بعلاوة طبيعة العمل، وانتقد بيان صادر عن المكتب التنفيذي للاتحاد، تجميد وحل الحركة النقابية وتدخل الحكومة الانتقالية في العمل النقابي الذي يخالف القوانين والعهود والمواثيق الدولية، وانفراد حكومة الفترة الانتقالية بإصدار القرارات والسياسات ووصفات صندوق النقد والبنك الدولي؛ برفع الدعم من السلع والخدمات، وأغلقت أبواب الحوار، مما أدى إلى فشلها وذهابها، وأوضح أن الاتحاد، بكل صبر، يسلك كل السبل القانونية للحفاظ على مكتسبات الحركة النقابية، مدعوماََ من قواعده العمالية التي فقدت من يدافع عنها وعن حقوقها، كما أن كل المنظمات الدولية والإقليمية أيدت وساندت اتحاد العمال الشرعي المنتخب، ورفضت التعامل مع أي تنظيمات نقابية عينتها الحكومة، وقوفاََ مع الشرعية.

حكومة وطنية
ودعا اتحاد العمال – في بيان تحصلت عليه (اليوم التالي) أمس – إلى التوافق وبصورة عاجلة لتكوين حكومة وطنية من كفاءات مستقلة تدير ما تبقى من الفترة الانتقالية، بإيقاف نزيف التردي الذي أثر سلباً على الشعب وعلى العمال، في رفع الدعم الذي نفذته الحكومة الانتقالية بصورة كلية وسريعة، ولم يصاحبه زيادة تناسبية لأجور العاملين وفي غياب الشريك والمفاوض الأصيل، اتحاد العمال، ترك فراغاََ كبيراً للعاملين لعدم وجود مفاوض بين الحكومة والعمال، وأشار إلى أن وجود الحوار الثلاثي الاجتماعي بين الحكومة واتحاد العمال وأصحاب العمل يحقق العدالة الاجتماعية بين العمال والحفاظ على واجبات العمال تجاه الدولة، وأكد الاتحاد العام لنقابات عمال السودان مباركته ووقوفه مع كل مكتسبات تتحقق للعمال بكل السبل القانونية، وجدد الدعوة إلى العدالة بين العمال بالحفاظ على قومية الأجور وتوحيد الهيكل الراتبي للعاملين بالدولة.

المطالب الفردية
كما حذر من المطالبات الفردية لكل وحدة من وحدات الدولة لزيادة الأجور دون معايير وأسس واحدة وشاملة بما يؤدي إلى زيادة المفارقات الشاسعة وعدم الاستقرار، والإضرابات لتحقيق المطالب بدلاََ عن المفاوضة الجماعية وتعزيز الشراكة الثلاثية التي ينص عليها قانون المجلس الأعلى للأجور، الذي وجد الإشادة دولياََ وإقليمياََ وما تنص عليه اتفاقيات منظمة العمل الدولية رقم (98) الخاصة بالمقاومة الجماعية و (144) الخاصة بتعزيز الشراكة الثلاثية بين أطراف الإنتاج في كل ما يخص العمل والعمال؛ لتحقيق الاستقرار بدلاََ عن توقف الخدمات وتقليل الإنتاج، وانهيار وعجز الدولة، ودعا الاتحاد العام إلى وحدة العمال التي تحقق حقوق العمال ومطالبهم العادلة.

المطالب المشروعة
يقول الخبير الاقتصادي، الحسين أبو جنة، إن الإضراب أو التوقف الجزئي عن العمل والمداومة، سلاح ظلت تستخدمه النقابات المهنية كوسيلة للضغط على المخدم منذ أمد بعيد، وتابع: في المقابل كان المخدم يقوم بمفاوضة المضربين بهدف الوصول إلى صيغة توافق مشتركة في إطار المحافظة على استمرارية عطاء منظومة الإنتاج الخدمي أو السلعي، ويعتقد بأن الإضرابات وسيلة ضغط فاعلة ومهمة في تحقيق منفستو المطالب المشروعة، ولفت إلى غياب التنسيق المحكم بين مكونات منظومات العمل المتعددة (اتحاد العمال)، أصبح الإضراب عن العمل أو التوقف الجزئي المتدرج، مجرد وسيلة للفت النظر، وأبان.. أنها تكاد تكون بلا فاعلية كوسيلة ضغط تعبيرية للبحث وانتزاع حقوق العاملين في حالة السودان التي تتسم بالسيولة في هيبة الحكم والسلطة، وأكد أبو جنة – عبر تصريح ل(اليوك التالي) – أن استمرار الإضرابات عن العمل والتوقف بهذه الصورة، ربما من شأنه أن يؤدي إلى تدني الإنتاج بصورة مخيفة تنذر بتوقف دولاب عمل الدولة المترنح أصلاً، قاطعاً بأن الأمر يعطي الإحساس بانهيار مؤسسات الدولة، واصفاً بأنها حالة خطيرة، مما تعني وجود فراغات شاسعة بسبب موت الدولة و انعدام فاعلية وقدرة الحكومة على تسيير شؤونها وأنشطتها كما ينبغي، وبحسب تقييمه لظاهرة الإضرابات في السودان في الأونة الأخيرة من عمر حكومة التغيير، يمكن القول إنها لم تحقق درجة النجاح المطلوبة بالنسبة لتحسين شروط خدمة العاملين، وعزا ذلك لأسباب معلومة ومعروفة في ظل تداعيات انهيار اقتصادي متصاعد الموجة نتيجة لتدني الإنتاج، مشيراً إلى راهن طلب مرن على الواردات من كل نوع وصنف، ورهن معالجة القضية بفرض هيبة الدولة وصولاً إلى وضعها الطبيعي، وحث على ضرورة تشكيل جهاز تشريعي رقابي فاعل (بالمركز والولايات) يراقب وينظم ويحاسب بلا مجاملات، التي قال عنها أصبحت سمة غالبة في سلوكيات كافة الحكومات الوطنية المتعاقبة، مبدياً خشيته من حدوث الطوفان الذي توقع في ظل هذه الأوضاع بأنه القادم بقوة وبلا رحمة، وبعدها سوف لن ينفع الندم والبكاء على اللبن المسكوب – على حد تعبيره.

عودة النقابات
إلى ذلك قال المحلل الاقتصادي الدكتور، عوض الله موسى، شهدت الفترة منذ سقوط نظام البشير وحتى تاريخه، مجموعة من القضايا المختلفة في الساحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بصورة عامة، منها احتياجات العاملين في قضايا مختلفة ممثلة في استحقاقات أو تحسين وتعديل الرواتب والأجور ، مستخدمين في ذلك سلاح الإضراب أو التوقف عن العمل، وقال إن هذه المسألة في ظل غياب اتحادات العمال والنقابات المهنية لا جدوى منها، وتساءل كيف كانت تدار المطالبة بالحقوق في السابق، النقابات واتحادات العمل كانوا يجلسون ويتفاوضون مع الحكومة لتحسين مستوى الدخل (الأجور) وكيفية دعم العاملين في الغذاء والصرف على الطلاب والرسوم الدراسية والمنح والعلاوات عموماً في المناسبات والأعياد، وقال هذا الوسيط غاب، وافتكر أن دور اتحاد مطلبي يرعى حقوق العاملين بصورة جماعية في مرافق الدولة برؤية مشتركة متفق عليها، وأضاف : الآن أصبحت المطالبات فردية فهناك إضراب لأساتذة الجامعات، وتجلس معهم الحكومة وبالتالي من اتجاه موظفي الكهرباء وبالتالي موظفي الموانئ وخلافهم يعلنون إضراباً، واصفاً إياها بالظاهرة غير الحميدة، وقال؛ إنها تشل من حركة الدولة ويتضرر منها المواطن، وتابع قائلاً : في السابق لم تكن تتم بهذه الطريقة، بل كان اتحاد العمال الممثل الشرعي للنقابات يحدد مشكلاتهم في جميع القطاعات والمؤسسات، ثم يتم تقديم المطالب والاتفاق عليها بشكل موحد، ونوه إلى أن الآن أي قطاع (يضرب على كيفه) وبالزمن الذي يراه، وبحسب تقدير د. عوض الله عبر حديثه ل(اليوم التالي)، أن الحل الصحيح لهذه القضية عودة النقابات، والنقابات لا تعينها الحكومة، بل ينتخبها العاملون، وبالتالي يقدمون من يمثلهم ويثقون فيه، إلى أن تجتمع النقابات وتكون اتحاد عمال السودان، وقال إن قانون تنظيم النقابات وهذا في حد ذاته قانون عالمي، وذكر أن كافة الدول لديها اتحادات عمال ونقابات، وبالتالي معروف أنها جهات مطلبية وتعمل على تنظيم المطالبات، وأكد الآن السودان يعيش ظاهرة أحادية، لجهة أن الدولة مشتتة ما بين النقابات المختلفة، قائلاً.. منذ أبريل الماضي خلصت الدولة من مطالب أساتذة الجامعات، وقلل من نجاح الإضرابات بهذه الطريقة، وقال يجب أن تتعالج المشاكل بصورة كلية لكل العاملين بالدولة، بالتزامن مع بداية الميزانية، وقال.. لا يجوز تعديل أثناء العام في الميزانية لكل نقابة على منفصلة، وأوضح أن هذه المسألة فشلت في تحقيق أهدافها وخلقت مزيداً من التشوه، ومزيداً من الاختناقات والضغوط وعدم الرضا، وأكد أن هناك قطاعات حساسة، وفي حال إضراب موظفيها يتم التدخل المباشر من الدولة لمعالجة المشكل، ويعتقد أن بعض القطاعات التي تقدم خدمة مباشرة للجمهور.

تحقيق مكاسب
بينما يقول المحلل الاقتصادي الدكتور، الفاتح عثمان محجوب، إن بعد سقوط نظام الرئيس البشير، دخلت البلاد في أضخم موجة غلاء، إذ ارتفع سعر قطعة الخبز مائة الضعف مقارنة بسعره في عهد الإنقاذ، وكذلك الوقود والمواصلات وتكلفة التعليم والصحة والكهرباء وغاز الطهي وجميع السلع المستوردة والمنتجة محلياً، وأشار إلى أن زيادة المرتبات ضعيفة جداً لا تصل إلى عُشر حجم زيادة الأسعار، ومضى قائلاً : بذلك أصبحت أحوال موظفي الحكومة، بشكل خاص، و مواطني السودان بشكل عام، في غاية الصعوبة مما أدى لإطلاق أكبر موجة هجرة من السودان إلى مصر وتركيا وماليزيا وبات السودان دولة طاردة، ويتوقع د. الفاتح أن موجة الإضراب عن العمل لن تتوقف؛ طالما أن بعضها نجح في تحقيق مكاسب كبيرة، وطالما كانت الوظيفة نفسها غير مجدية بوضعها الحالي، ودعا د. الفاتح في حديثه ل(اليوم التالي) الحكومة، بأن تشرع في التخطيط لهيكل راتبي جديد، ليس بالضرورة أن يلبي غالب احتياجات العاملين، ولكن يساعدهم على تحقيق الاحتياجات الأساسية، ولفت إلى أن الحكومة تجد نفسها بين سندان تلبية مطالب العاملين ومطرقة ضعف الإيرادات، والخوف من إطلاق موجة تضخم إن لجأت للاستدانة من بنك السودان المركزي على المكشوف، وشدد على ضرورة أن تبتكر الحكومة حلولاً وسيطة بين هذا وذاك، مع العمل على جلب تمويل دولي لهذه الزيادات على الأقل لموازنة العام الجديد؛ لأن زيادة المرتبات قد تؤدي إلى تخفيف الركود الاقتصادي وتحريك الاقتصاد، وبالتالي زيادة الإيرادات.

 


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب