زيادة الضرائب.. سلبيات وإيجابيات

*
النذير إبراهيم العاقب
دعا جبريل إبراهيم وزير المالية والاقتصاد الوطني لدى مخاطبته ورشة إدارة التخطيط والسياسات لتطوير الإيرادات والتحديات وآفاق الحلول بالتعاون مع المركز الأفريقي لدراسات الحوكمة والسلام والتحول بالفندق الكبير (القراند هوليدي فيلا) الاثنين الماضي، دعا إلى التوسع في المظلة الضريبية باعتبارها الوسيلة الأجدى والأنجح في زيادة الإيرادات الضريبية ومحاربة التهرب الضريبي.
وقد عرفت الضريبة أو الجباية بأنها مبلغ نقدي تتقاضاه الدولة من الأشخاص والمؤسسات بهدف تمويل نفقات الدولة، أي تمويل كل القطاعات التي تصرف عليها الدولة كالجيش والشرطة والتعليم، أو نفقاتها تبعاً للسياسات الاقتصادية، كدعم سلع وقطاعات معينة أو الصرف على البنية التحتية، كتشييد الطرق والسدود أو التأمين على البطالة.
والمعلوم أنه في الأنظمة الديمقراطية تحدد قيمة الضريبة بقوانين يصادق عليها من ممثلي الشعب في البرلمان المنتخب، وعادة ما تعهد وظيفة جمع الضرائب وتوزيعها على القطاعات المختلفة إلى وزارة المالية بعد تحديد الميزانيات، حيث تنص الكثير من القوانين في عدد من البلدان على أن الجباية مبلغ مالي تطلبه الدولة من الذين يتحقق فيهم شرط دفع الضريبة، وذلك دون أن يترتب للدافع عن ذلك أية حقوق مباشرة، أي أن شركة تدفع جباية مثلاً، لا يمكنها أن تعتمد على ذلك لتطلب مقابلها خدمات لعامليها قانوناً، وفي السابق كانت الضريبة تتكون من مبالغ نقدية وعطايا عينية، كأن يعطي فلاح جزء من محصوله كضريبة مثلاً، إلا أنها اليوم تكاد تكون حصراً على النقود، فضلاً عن أنه توجد العديد من أنواع الضرائب، وتختلف من دولة لأخرى، وقد يختلف المسمى لنفس الضريبة من دولة لأخرى.
بيد أننا إذا ما عدنا لمقارنة ما سبق ذكره عن قضايا الضرائب وقوانينها في دول العالم الأخرى مع السودان، نجد أن السودان في كل سياساته وقوانيه الضريبية ينطلق من منصات عشوائية ولا تمت بصلة للقانون المفترض اتباعه في هذا الخصوص، وليس التجارب والقرارات الأخيرة والتصريحات التي صدرت عن وزير المالية الحالي بعيدة عن الأذهان، حيث ظل يطلق تصريحات عشوائية تماماً فيما يختص بفرض الضرائب على التجار والموظفين في الدولة، وحتى المواطن البسيط، كمثال تصريحه الذي قال فيه إن اقتصاد الدولة ينبني على جيب المواطن.
ولا شك أن للضرائب إيجابيات وسلبيات جمة وتنعكس مباشرة على كل المعاملات المالية والتجارية وعلى المواطن نفسه، وبملاحظة ومتابعة سير وزارة المالية في السودان، نجد أنه قد بدأت العديد من أنواع الضرائب في الظهور، مثل ضريبة الدخل وضريبة المبيعات وضريبة القيمة المضافة، وفي هذه المقالة ستتم تغطية معلومات حول الضريبة بمجملها، حيث يدور الكثير من الجدل حول جدوى الزيادات المضطربة في الضرائب، وتأثيرها المباشر على الوضع الاقتصادي العام في السودان.
وهنا تبرز العديد من الآراء المتباينة حول هذه الخطوة المثيرة للجدل، حيث يعتقد المؤيدون أن لها العديد من الجوانب الإيجابية، بينما يجادل آخرون بأنّ المقدمة لها عيوب كثيرة ويمكن إبراز ذلك من خلال إيجابيات الضريبة على القيمة المضافة مثلاً، حيث تعمل على سد الفجوات الضريبية، وإن وجود هذا النوع من الضرائب يساعد على تبسيط التشريعات الضريبية وزيادة كفاءة تحصيل الإيرادات الضريبية، ويساعد هذا أيضاً في تقليل التهرب الضريبي من خلال تضمين العديد من معاملات البيع التي تحدث دون وجود ملموس، مثل المبيعات والمشتريات عبر الإنترنت، كمثال.
فضلاً عن وجود القبول بين دافعي الضرائب، من حيث أن استخدام هذا النوع من الضرائب بدلاً من ضريبة الدخل يؤدي إلى إبقاء الأموال في أيدي المواطنين وعدم الحاجة إلى دفع الضرائب حتى اقتناء السلع أو الخدمات، ممّا يقلل العبء الضريبي على الأشخاص ويساعدهم على توفير المال.
وبالمقابل فإن من سلبيات زيادة الضريبة ظهور العديد من العيوب من هذا النوع، والتي يمكن أن تؤثر على من يدفعها أو من يفرضها، ومن أهم الجوانب السلبية لزيادة الضريبة، زيادة التكاليف في مراحل الإنتاج، وذلك يظهر عند احتساب ضريبة القيمة المضافة في كل مرحلة من مراحل إنتاج أو تجهيز المنتج قبل استلامه من قبل المستهلك النهائي، ممّا يؤدي في بعض الحالات إلى زيادة قيمة ذلك المنتج بسبب الضرائب المفروضة عليه، وبالتالي يسهم ذلك ويزيد من التعقيد عندما يكون المنتج غير محلي في ضريبة القيمة المضافة.
ومن السلبيات أيضاً أن من شأن هذه الخطوة تشجيع التهرب الضريبي، حيث أنه عادة ما تتم عمليات البيع والشراء بسرعة للعديد من المعاملات وبدون مستندات دعم رسمية، وهذا يزيد من احتمالية التهرب الضريبي على هذا النوع من الضرائب، خاصة مع الشركات الصغيرة حيث يكون حجم المعاملات محدوداً، ممّا يسهل استخدام ما لا يتحقق من فرض ضرائب على المبيعات والمشتريات.
وأيضاً يمكن أن يكون للمنتج أو الخدمة أو الشركة قيمة مضافة، ويمكن أيضاً إضافة القيمة من خلال تقديم خدمات أفضل أو إضافية مثل خدمة العملاء ودعم أفضل للعملاء وتحسين المنتج، فعلى سبيل المثال، يمكن لبائع أجهزة الكمبيوتر بالتجزئة إضافة قيمة من خلال تضمين ملحقات الكمبيوتر في المنتج الرئيسي، وتكمن أهميته في حقيقة أنه يساعد على زيادة المبيعات والأرباح، وفي بعض الحالات حتى صافي القيمة الحالية، وهناك أشكال مختلفة لخلق القيمة، بعضها اقتصادي وبعضها متعلق بالسوق.
وإن كانت ومن أهم الإيجابيات التي نتجت عن هذه الضريبة سد الثغرات أو الفجوات الضريبية، فوجود هذا النوع من الضرائب يعمل على تيسير وتبسيط كافة القوانين والتشريعات الضريبية، بالإضافة إلى العمل على رفع كفاءة التحصيل الضريبي للإيرادات، كما تساعد هذه الخطوة على الحد من مشكلة التهرب الضريبي التي تحدث بدون وجود ملموس.
إلا أن ذلك تصاحبه سلبيات جمة، لاسيما أن زيادة الضرائب تندرج في خانة القوانين التي لها وجهان، فكما أنها عادت بالعديد من المنافع والإيجابيات، إلا أنه نتجت عنها مجموعة من السلبيات، والمتمثلة في زيادة التكاليف خلال مراحل الإنتاج المختلفة، فكما نعلم أن ضريبة القيمة المضافة لا يتم فرضها بشكل إجمالي على السلعة الواحدة أو المنتج الواحد، إنما يتم تطبيقها على كل مرحلة من مراحل الإنتاج وحتى التوريد حتى وصولها إلى المستهلكين والمستفيدين، ما يؤدي إلى زيادة سعر المنتج الأساسي نتيجة تحصيل كل هذه المبالغ، وهذا بدوره يجعل الأمر قد يبدو أكثر تعقيداً.
بجانب عزوف رؤوس الأموال الأجنبية نتيجة زيادة الأسعار، واضطرار التجار والشركات الكبرى إلى التهرب الضريبي، وهذه المشكلة تعود إلى الكثير من الأسباب منها على سبيل المثال التقليل من الأعباء الناتجة عن دفع ضريبة القيمة المضافة للعديد من المنتجات التي تمر بمراحل متعددة أثناء رحلة الإنتاج والتوريد، بالإضافة إلى عمليات البيع والشراء التي تتم بدون مستندات رسمية وخاصة لدى الشركات صغيرة الحجم ذات التعاملات المحدودة جداً.
ومن السلبيات المهمة أيضاً في هذا الخصوص، حدوث تأثير كبير في السوق المحلي نتيجة تأثير في التدفقات النقدية والاستثمارية والتجارية، وهذا يؤثر بالطبع على ميزانية الدولة، الأمر الذي يحتم على وزارة المالية الاتحادية التأني في اتخاذ قرارات جديدة بخصوص مسألة التوسع في المظلة الضريبية، حتى لا تفاقم مشاكل الدولة الاقتصادية والاجتماعية معاً، ولتفادي تلك السلبيات التي من الممكن أن تتنتج عقب تطبيق ذاك التوجه الرامي لزيادة الضرائب، فعلى وزارة المالية والجهات المعنية بذلك، وخاصة وزارات الصناعة والطاقة، العمل الجاد لأجل استغلال الموارد الطبيعية والبشرية والثروات المعدنية والزراعية المتوافرة في السودان، والتركيز على تطويرها فوراً ودون إبطاء، ولا شك أنها إذا ما شرعت بالفعل في تطبيق هذا التوجه على الواقع، فإن السودان موعود بنهضة اقتصادية تفوق حد التوقع، إن لم تضعه في مصاف أغنى أغنياء الدول المتقدمة اقتصادياً في العالم.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب