يجب أن تساق التسوية في إطار مشروع قانوني أو دستوري يمثل الجميع
وثيقة المحامين سيئة النصوص والفحوى والمضمون
اضطراب في الساحة السياسية السودانية وافتقاد للوضوح والشفافية
حوار: الخواض عبدالفضيل
بعد قرارات القائد العام للقوات المسلحة السودانية الفريق أول عبدالفتاح البرهان التي أوشكت أن تكمل عامها الأول، تعيش البلاد من ذلك التاريخ تعقيدات سياسية قاتمة عجز الجميع عن كيفية حلها، لكن يبدو أن أول الغيث قطرة، ولعل في آخر النفق يوجد ثقب ضوء يفتح الطريق أمام السودانيين خاصة بعد البشريات التي أدلى بها قائد الجيش عن اقتراب موعد الانفراج، علاوة على تصريحات الآلية الثلاثية التي أكدت الانفراج مقابل تسوية، وحول تعقيدات الراهن السياسي حاورت (اليوم التالي) القيادي في حزب الموتمر الشعبي أبوبكر عبدالرازق، الذي بدوره قال إن المشهد السوداني معقد، ورحب في نفس الوقت بالتسوية دون إقصاء اي مكون من مكونات الشعب السوداني كما دعا إلى تشكيل حكومة تكنوقراط مستقلة ورشيقة غير حزبية تقود البلاد الى انتخابات عامة، وحذر المكون العسكري من عقد الحوارات الثنائية والالتزام الكامل بالخروج من العملية السياسية وقال إن مراجعة اتفاقية السلام لابد أن تتم بموافقة أطراف السلام.
في البدء كيف تنظر إلى الراهن السياسي السوداني؟
في تقديري أن هنالك اضطراب في الساحة السياسية السودانية وافتقاد للوضوح والشفافية، ولا يستطيع أحد أن يتكهن فيما ستؤول إليه الأمور، ولا بطبيعة المعلومات التي ترشح في الساحة السياسية والإعلامية صدقاً او كذباً، لذلك على القيادة في البلد أن تخرج المعلومات الصحيحة للرأي العام عبر ناطق رسمي ومصدر معروف من أجل أن يكون هنالك تبيان لما يحدث.
إذاً لا بد من تسوية سياسية للخروج، ما رأيك في ذلك؟
الكل يتمنى أن تصل الأوضاع إلى تسوية سياسية، شريطة أن تكون شاملة تقوم على العدل والمساواة والحرية المطلقة، وأن لا يكون هنالك إقصاء لأحد، وأن تشارك كل القوى السياسية في مصير البلاد، في الفترة الانتقالية ريثما يصل الجميع إلى انتخابات عامة.
رشحت بعض الأنباء عن قبول المكون العسكري بمقترح دستور تسييرية نقابة المحامين مع بعض التحفظات في عدد من البنود كيف ترد؟
حتى الآن لا يوجد شيء عن صحة هذه الأنباء من عدمها، الملاحظات في حد ذاتها مسألة إيجابية، لأن هذه الوثيقة سيئة النصوص والفحوى والمضمون، وعليها ملاحظات جوهرية تعود بها إلى الصواب وفقاً لمقتضيات الدستور كقانون وعهد لكل الأمة، وينبغي للدستور أن ينظم الحكومة فيما بينها وأجهزتها الداخلية، كما ينظم ما بين الحكومة والدولة والشعب بالإضافة إلى أن تحفظ قضية الحريات للكل وأن تمثل النصوص عهداً تجمع عليه الأمة، وتصبح بمقتضاها محتوى وفحوى ومرآة للبيئة الاجتماعية، وامتداد لذات الشعب، لأن القانون رمز للقيم ينبغي أن يقبل المشروع المقبل في ما يتسق بالمعيار الاجتماعي السائد، لذلك لابد من الوثيقة الدستورية أن تكون بهذا المحتوى والمعنى، والحديث عن ملاحظات يعني أن ينظر لمشروع الدستور الانتقالي للأخذ والرد والعطاء ويلاحظ لكل الوثيقة بأن يثبت صحيحها وينفي سقيمها وتمثل إجماعاً للناس، وأن لا تكون الملاحظات مبنية على قبيلة الجيش في مقابل قبيلة الحرية والتغيير المجلس المركزي.
لماذا، هل تداركاً للوثيقة الماضية التي اتفقت عليها جهتان دون بقية المكونات؟
لأن الجيش في الوثيقة الدستورية الأولى كان قبيلة سياسية انحاز إلى قبيلة سياسية أخرى على حساب الشعب السوداني كله، وقواه السياسية وحرص الجيش فقط على حقوقه العسكرية، في إهمال كامل لحقوق الشعب السوداني في العدالة والمساواة والسلام والاقتصاد والاجتماع والدين، لذلك لا ينبغي على القوات المسلحة أن تنفرد بحوار ثنائي، وإذا ثبت أن المكون العسكري قد جلس مع الحرية والتغيير منفرداً، فهذا يعتبر إخلالاً بعهده الذي قطعه إلى الشعب السوداني في (4) يوليو بالانسحاب من العملية السياسية، وترك الكل ليتفاوض مع بعضه البعض، ويؤكد أن الذين جلسوا لا يمثلون رأي الرائد الذي لا يكذب أهله، بل ذلك العهد يصبح كذبة كبرى يطعن في مدى مصداقية رئيس المجلس السيادي والقائد العام للجيش ونائبه، وأتمنى أن لا يكون ذلك صحيحاً في الأصل، بعد (4) يوليو أن يجلس البرهان مع كل القوى السياسية، وأن يتفادى الجلوس الثنائي مع (قحت المركزي) والتي ليست لها علاقة بالديموقراطية والحريات والشعب ولا بسلطته، بل همها الوحيد أن تتخذ من العساكر سلماً للوصول إلى سلطة مطلقة دكتاتورية مدنية قائمة على الإقصاء.
كيف تنظر إلى مشروع التسوية المقترح ويظن البعض أنها ليست حلاً؟
التسوية هي عقد صلح دائماً ما تكون فيها تنازلات مشتركة، لكن دون أن تخل هذه التوازنات بحقوق كل السودانيين في المواطنة، ولا في الحرية والسلام والعدالة، لأن القانون مهمته أن يوفق بين مصالح الأفراد وحرياتهم، بالتالي على التسوية السياسية أن تمثل هذا المعنى القانوني الذي يجب أن تساق من خلاله التسوية في إطار مشروع قانوني أو دستوري يمثل الجميع، بالتالي التنازل المقصود هو أن تتنازل قحت عن الحوار المنفرد مع العساكر، وأن يتنازل العساكر من الحوار المنفرد مع قحت المركزي، وأن يجلس الجميع مع كل القوى السياسية الموجودة في الساحة السياسية السودانية،”سواء بسواء” من أجل الوصول إلى التوافق الوطني، في ما يتعلق بمقترح دستور الانتقال، وفيما يتعلق برئيس الوزراء وصلاحياته، وفيما يتعلق بترتيب العملية الانتخابية وقانونها وإحصائها السكاني وجميع المفوضيات.
رشحت بعض التسريبات خلال التسوية سيتكون مجلس أعلى للأمن والدفاع كيف تنظر إلى هذا المقترح؟
خلال أطروحتنا رأينا ضرورة وجود مجلس أعلى للأمن والدفاع، وتكون القوات المسلحة والأجهزة النظامية الأخرى جزءاً منه بحتمية أن يكون مسؤولاً منه رئيس مجلس الوزراء الذي يكون ذو كفاءة وطنية مستقلة، وأن تكون من صلاحيات الحكومة الانتقالية الإشراف على الانتخابات العامة، وفي رأينا أن تكون الحكومة الانتقالية فترة سنة أو أقل، وأن لا يكون هنالك مجلس تشريعي في هذه المرحلة وأن يتفق الجميع على طبيعة القوانين الانتقالية فقط التي بجب أن تساق، ومن ضمنها قانون الانتخابات وغير ذلك أن تستقل القوات المسلحة بأمورها الخاصة بها وأن تكون الحكومة الانتقالية كحكومة سر الختم الخليفة، مجلس وزراء يتوافق عليه الجميع يشرف على الانتخابات العامة ويقف على حريتها ونزاهتها.
ترفض حركات الكفاح المسلح المساس باتفاقية السلام بينما تعالت أصوات بضرورة مراجعة اتفاقية السلام كيف يستقيم ذلك في إطار التسوية المقبلة؟
أرى في تقديري لقحت المجلس المركزي وحكومة البرهان أن يفيا بتعهداتهما السياسية بموجب اتفاقية السلام وأن لا يعدل فيها نص، إلا بموافقة حركات الكفاح المسلح كطرفٍ ثانٍ، لأن العقد شريعة المتعاقدين، بالإضافة يجب البدء في الترتيبات الأمنية وتحول الحركات إلى أحزاب سياسية، وفي نفس الوقت تحافظ على حقوقها بموجب الاتفاقية، الا إذا هي وافقت على أي تعديل هذا حقها وفقاً للرضا التام والتشاور.
ما هي أمنياتكم لمشروع التسوية؟
نتمنى من العساكر أن يدعو كل القوى السياسية إلى مائدة، ويحددوا فيها مسبقاً مهام رئيس مجلس الوزراء وصلاحياته، وأن يجلس الجميع على تحديد رئيس الوزراء من كفاءة مستقلة دون انتماء سياسي، مجلس وزراء رشيق محدود الوزارات، وأن يصوب المجلس في التحضير للانتخابات القادمة، وفي نفس الوقت أن يتحول العساكر إلى مجلس كمجلس سوار الدهب سابقاً، وأن يتوافق الجميع على الترتيبات التي تتعلق بالفترة الانتقالية القادمة، ويكون ذلك خلال سنة تستطيع فيها الحكومة الانتقالية أن تطلق عقال الاقتصاد المأسور وتطمئن المستثمرين ورجال الأعمال بالعمل في السودان، ونكون غادرنا مرحلة الأزمات السياسية والاقتصادية ريثما نصل إلى حكومة منتخبة، وأفتكر غياب الحكومة فترة سنة هي أزمة اقتصادية قبل أن تكون سياسية.
الآن المشهد السياسي ذاهب إلى تسوية بالحوار، ما هو ردك على أصحاب اللاءات الثلاث لا تفاوض لا شراكة لا مساومة؟
هذه شعارات غير الناضجين سياسياً، وأفتكر النضج السياسي لا يسد الأفق أمام الحوار، لأن الحوار قيمة إسلامية، وضرورة اجتماعية وسياسية، وكل الحياة طالما هنالك حوار يعني أن هنالك تشاور للوصول إلى وفاق، لذلك لا مناص من الجلوس إلى الحوار ولا فكاك منه، والذي يرفض الحوار إما أن يكون غير عاقل وإما أن يكون دكتاتوراً مطلقاً، يريد أن يفرض إرادته على إرادة الآخرين.
هنالك تصريحات من بعض الإسلاميين ترى أي تسوية تستثني الإسلاميين ستخلق حكومة ضعيفة هل تتفق مع هذا الحديث؟
هذا حديث صائب وأعتقد أن أي تسوية لم تحشد الرأي السوداني في تكوين الحكومة يجعلها حكومة أقلية، ويجعل أغلب الشعب السوداني بقواه الإسلامية الحية من متصوفة وسلفيين وقوى إسلامية حديثة مستنيرة هي خارج اللعبة السياسية، وبالتالي يضعها في خانة المعارضة، من مما يؤدي إلى إضعاف الحكومة من زاويتين، من زاوية الدعم الذي كانت توفره هذه القوى للحكومة، ومن جانب آخر الاستضعاف الذي يمكن أن تنوء به الحكومة من خلال المعارضة الشرسة التي تضعف واقعها من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بالتالي تكون فقدت دعماً كبيراً، فضلاً عن أنها ستكون قائمة على الإقصاء والدكتاتورية وتفتقد إلى الإجماع والتوافق الوطني الكامل.