مؤسف أن يتم ترتيب البيت السوداني في منازل السفراء
أي محاولة للجلوس مع العساكر سيكون انقلاباً على الوثيقة
مقدمة:
واجه مشروع التسوية السياسية بين مركزي الحرية والتغيير والمكون العسكري انتقادات عنيفة حتى من قبل أحزاب داخل المركزي أعلنت رفضها له واعتبرت ما يجري لا يمثل تحالف التغيير، وإنما يمثل الأحزاب التي قامت بذلك كأحزاب، بالمقابل أكد بعضهم أن التفاوض مرة أخرى مع المكون العسكري فيه تراجع كبير بعد أن أعلنوا خروجهم عن الحياة السياسية وجزموا أن ما يدور لن يؤدي لبناء دولة ديمقراطية تقوم على أسس مدنية.. آخرون رأوا أن التسوية لا ينبغي أن تكون بين المدنيين والعسكريين، وإنما يجب أن تكون بين المدنيين والمدنيين لوضع تصور لكيفية إكمال مهام الفترة الانتقالية، وفي خضم هذا الجدل أكد رئيس مجلس السيادة أن المساعي الجارية لحل الأزمة لن تكون ثنائية.
وبدأ واضحاً أن دول الرباعية هي من قام بتصميم هذه التسوية، وربما بيدها العصا والجزرة، فهل تمضي هذه التسوية إلى نهاياتها أم ستواجه بمقاومة شرسة من مكونات سياسية داخل قوى الحرية والتغيير المؤمنة بالتحويل المدني الديمقراطي كما قال رئيس الحزب الناصري تيار العدالة الاجتماعية ساطع محمد الحاج في حوار أجرته معه (اليوم التالي) تناول موضوع التسوية ومقومات النجاح والفشل فإلى مضابطه..
حوار: فاطمة مبارك
*كيف تنظرون للدور الخارجي في عملية التسوية الجارية؟
أفتكر أن الخارج متدخل كثيراً في موضوع السودان، لكن إذا أردنا تحليل موضوع السودان، لا يمكن أن نحلل ما يجري سياسياً في السودان بعيداً عن ما يجري داخل الوطن العربي والدول الشقيقة والمجاورة، ليست صدفة أن تقوم الحرب في كل العالم بالسنين الطويلة.
*ما علاقة ما يجري في السودان بالدول الأخرى؟
ما يجري في السودان ليس بمعزل عن ما يجري في المنطقة العربية، باعتبار أن هذه المنطقة تحتوي على نسبة كبيرة من ثروات العالم، لذلك يعملون على أن تظل في تشتت لصالح المشروع الإمبريالي المستفيد من هذه الثروات. أكثر من مواطن المنطقة، إذن التدخل الاستخباراتي الكثيف الموجود في السودان مربوط بالتدخل في المنطقة ككل.
*ماذا يريدون من وراء هذا التدخل برأيك؟
هؤلاء لن يقبلوا بوجود دولة مدنية قوية ديمقراطية مستقرة في السودان، تربط بين جنوب أفريقيا وشمالها والمنطقة العربية ككل، ثانياً المشروع الغربي لتظل المنطقة مشتتة زرع دولة إسرائيل لتقوم بأدوار تجعل المنطقة في حالة تشتت، الآن تغيرت الاستراتيجية.
*ما التغيير الذي طرأ؟
بدلاً عن إسرائيل التي يكلف تسليحها الملايين، تم تحويل بعض المناطق في المنطقة العربية، لتبني هذا المشروع الإمبريالي، لذلك ظهرت دويلات صغيرة في هذا المشروع تلعب أدواراً أكبر من حجمها الجغرافي وتاريخها وعدد سكانها وفي دولة السودان التي لها حضارات ممتدة وثروات وعدد سكانها يساوي أضعاف هذه الدويلات التي تحاول أن ترسم عن طريق استخباراتها للسودان مستقبل، بالتالي مواجهة المد الاستعماري والمشروع الإمبريالي خطوة مهمة جداً، إذا توحدنا فعلاً، نستطيع تححيم هذا التدخل ونمضي للأمام.
*حسب قولك إن التسوية تقوم بها دول خارجية؟
هذه التسوية طبخة في معامل النظام الإمبريالي، وهناك حاجة اسمها الرباعية ليس لها مرجعية، الآلية الثلاثية اليونتامس، مرجعيتها قرار مجلس الأمن وقرار الاتحاد الأفريقي والإيقاد الرباعية مجرد أربعة السفراء، نتيجة لتعليمات دولهم وأجهزتهم الخارجية تدخلوا ومع الفراغ السياسي والضعف المهين الموجود في الدولة استطاعوا أن يتحركوا ويخلقوا ما يسمى بآلية رباعية يتم استقبالها على أعلى مستوى ومتابعة لأخبارها وتتم الاجتماعات للأسف في منازل سفرائها، وهذا أمر مؤسف ومحزن أن تتم اجتماعات لترتيب البيت السوداني في منازل السفراء دون أن تكون لديهم مرجعية، إذا لم ننتبه سيؤدي ذلك الى تفتيت السودان واندلاع حروبات جديدة وتمزيق وحدة البلد.
*هذا يعني أنكم ضد ما تقوم به الآلية الرباعية؟
نحن في الحزب الناصري تيار العدالة الاجتماعية، نقول بشكل واضح إن مثل هذه التسويات التي تعتمد على مرجعيات دولية، لن تؤدي إلى إعادة بناء التحول الديمقراطي في بلادنا، أيضاً الاعتماد على مفاوضات ثنائية أو رباعية دون أن تعبر عن جميع القوى المؤمنة بمشروع الحرية والتغيير في التحول الديمقراطي وتحقيق السلام تحت شعارات حرية سلام وعدالة، ويكون هناك مؤتمر تأسيس للحرية والتغيير تراجع فيه موقفها وقراراتها ووحدتها التنظيمية.
لن نصل لنتيجة مرجوة.
* إذا تمت هذه التسوية ماذا تتوقع؟
إذا حصلت تسوية ثنائية بين المكون العسكري وأيٍ من قوى الحرية والتغيير المختلفة أو فلول الإسلاميين، لن تقود لاستقرار في السودان، لأن إدخال المكون العسكري، مرة أخرى بواسطة المدنيين في العملية السياسية فيه إضعاف للحركة السياسية السودانية ولمشروع التحول الديمقراطي وللحرية والتغيير وإعادة بناء الدولة على أسس الحرية والسلام والعدالة.
*هناك تسريبات عن الشروع في ترشيحات لتكوين حكومة التسوية؟
لا أعتقد أنهم يستطيعون الوصول إلى تكوين حكومة يتراضى عليها الشعب السوداني، ما لم يحصل مؤتمر تأسيسي ووحدة في الحرية والتغيير ومواجهات وانتقاد حقيقي للأخطاء، أي تسوية ثنائية ستفرز حكومة ومؤسسات دستورية ضعيفة وحركة سياسية ضعيفة ولن تستطيع أن تكمل مهام الفترة الانتقالية.
* ما السيناريوهات المتوقعة خلال الفترة القادمة؟
بالنسبة للسيناريوهات، كما قلت لك الحرية والتغيير ليست حزباً، وإنما مشروع للتحول الديمقراطي، وإذا لم يؤسس أنصار هذا المشروع لمؤتمرات تأسيسية يعاد فيها البناء السياسي والتنظيمي للقوى السياسية المكونة للمشروع الذي أحدث اختراقاً كبيراً في الفترة الماضية وانتهت بإسقاط جزئي لنظام الإنقاذ، ستصبح السيناريوهات الأخرى مفتوحة.
*مثل ماذا؟
تقسيم السودان إلى دويلات باعتبار أن نغمة تقرير المصير أصبحت غالبة في كثير من المكونات، إعلاء الصراع العرقي والإثني اندلاع حروب من أجل الثروة والسلطة في مناطق مختلفة في السودان، لأن المطلوب في نهاية المطاف تقسيم السودان لدويلات متعددة، ولا يسمح أن تقوم دولة بموارد ضخمة وإمكانيات بشرية هائلة، وموقع جغرافي متميز في هذه المنطقة، تؤسس لدولة مدنية وديمقراطية.
*ما دليلك؟
أدلل على ذلك بأن السودان ظل منذ ١٩٥٥ في حرب مستمرة باستثناء الفترة من ١٩٧٣ الى ١٩٨٣م (سلام أنانيا)، وظلت الدولة في حروب وانقسامات، أدت في مرحلة تاريخية محددة لانقسام الدولة الى دولتين، إذن تحقق جزء من هدف تقسيم السودان، وعام ٢٠٠٣م اندلعت معارك في منطقة أخرى من السودان مستمرة حتى اللحظة، الآن كلنا نرى الاحتقان الاجتماعي في منطقة شرق السودان، ويمكن أن تنفجر في أي لحظة، وإذا انفجرت سنكون خضنا حروب في الشرق والغرب ويصبح هذا هو الهدف الذي يعمل عليه المشروع الغربي، والذين يساندونه، علينا أن ننتبه إذا لم تتوحد قوى الحرية والتغيير وتقيم مؤتمراتها التأسيسية لتعيد البناء الديمقراطي ستكون سيناريوهات تقسيم البلد وتوزيع ثروته متوقعة.
*قيل إن مشروع التسوية مستند على مسودة نقابة المحامين الدستورية، وأنت من الذين شاركوا فيها ما صحة ذلك؟
أهمية وثيقة النقابة التسييرية للمحامين تكمن في أنها كانت محاولة لتجميع قوى سياسية، وفتحت الباب للقوى الأخرى التي لم تشارك وهذه ميزة المسودة، لأن الترتيبات الدستورية التي وقعت بعدها بين الوفاق الوطني والمبادرة السودانية، عبرت عن أحزابها المنضوية تحت تنظيماتهم فقط، ووضعت نفسها في إطار القوى السياسية الحزبية.
*ومسودة النقابة؟
بالنسبة لنقابة المحامين أنصار السنة والمؤتمر الشعبي لم يكونا جزءاً من الحرية والتغيير، لكن كانا ضمن المشاركين فيها، والنقابة فتحت الباب للكل للدراسة والحذف والإضافة والتطوير وكانت فرصة للحرية والتغيير كمشروع للتطور والتوحد حول ميثاق التغيير، نحن مشكلتنا منذ عام ٥٥ لم نتفق على مشروع قومي يحول السودان من ربقة الدولة القبلية الى الدولة الوطنية القومية، وإذا لم نتفق لن نمضي للأمام والاتفاق عليه ممكن، من خلال المؤتمرات التأسيسية للحرية والتغيير يمكن الاتفاق على مشروع قومي يحول البلد من الدولة القبلية الى مصاف الدولة القومية الوطنية.
*هل شاركتم في مسودة المحامين بوصفكم حزب أم تحالف؟
نحن شاركنا بصدق كحزب في مشروع نقابة المحامين، باعتبار أن نقابة المحامين مظلة حيادية يمكن أن تجمع كل ألوان الطيف السياسي وباعتبار أنها محاولة لتجميع قوى الثورة المنضوية تحت مشروع الحرية والتغيير، أهم حاجة في الوثيقة أن المستقبل لا يوجد فيه دعم سريع ولا مكون عسكري، أي محاولة للجلوس مع العساكر وإعطائهم دور في رسم الحياة السياسية ومستقبلها سيكون انقلاباً على الوثيقة وتراجعاً عن الترتيبات الدستورية التي وافقنا عليها تحت مظلة نقابة المحامين، لا يمكن بناء مستقبل سياسي في ظل وجود مكون عسكري.
*إذن أنت تنفي صلة مسودة لجنة المحامين بالتسوية؟
نعم، وأقول إن أي مفاوضات تستثني الحزب الشيوعي السوداني من رسم المستقبل، محكوم عليها بعدم الاستمرارية، ليس لخطورة الحزب الشيوعي، لكن لأنك تقصي جهة أساسية من قوى الثورة، ناضلت ٦٠ سنة من أجل الحرية والسلام والعدالة لذلك لابد من وجود القوى ذات الثقل اليساري في أي مفاوضات، لا يمكن أن تكون مصلحة الوطن متعارضة مع أفكار الحزب الشيوعي، وهو حزب محترم.
*يبدو أنك متفق مع أطروحاته؟
أنا لست متفقاً معه في أطروحاته، لكن هذا لا يعني أنه حزب لا يقدم طرحاً موضوعياً أو متزمتاً ومتطرفاً، كما يقال، إذن التسويات والمفاوضات التي تتجاوز عناصر أساسية من مكونات الحرية والتغيير مثل الحزب الشيوعي، لن تمضي للأمام.