خطاب البرهان في ٢٥ أكتوبر.. هل كان قفزة في الظلام؟

محلل سياسي: ترجمة مطلوبات خطاب البرهان على أرض الواقع كان (زيرو)
خبراء: ضغط الشارع وعدم وجود رؤية سبب تراجع البرهان عن ما ورد في الخطاب

فاطمة مبارك
غداً الثلاثاء تمر الذكرى الأولى لانقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر ٢٠٢١م الذي أنهى به العسكريون شراكتهم مع المكون المدني، وأدى ذلك بحسب المراقبين الى تأزيم المشهد برمته على خلفية المواجهات التي اندلعت ضد هذا القرار ولا زالت وخلفت عدداً من الشهداء، والجرحى وجعلت حتى الآن موقف البلاد ملتبساً ومفتوحاً للانزلاق على كافة الأصعدة الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية على ضوء المواجهات القبلية التي اندلعت في بعض الولايات كالنيل الأزرق وغرب كردفان. إضافة إلى التدهور الاقتصادي نتيجة لتراجع مؤسسات دولية عن لاتفاقاتها التي كانت داعمة للحكومة المدنية، وربط ذلك بعودة النظام المدني. وفي خضم ذلك أصبحت تتباعد خطوط التوافق الوطني بين مختلف المكونات والتنظيمات من جهة، وبينها وبين المكون العسكري من جهة أخرى.
حلول الذكرى الأولى لقرارات رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان التي وصفها بالتصحيحية عبر خطاب، ألقاه نهار الخامس والعشرين من أكتوبر ٢٠٢١م وسط ترقب وانتظار من المواطنين.
تتطلب إعادة قراءة وتقييم معرفة موقع ما تضمنه الخطاب مما يحدث الآن، وهل تتطابق الممارسة العملية للقابضين على السلطة مع ما ورد في الخطاب أم إن هناك تراجع، وإن وجد ما أسبابه، وقبل ذلك لا بد من معرفة تفاصيل الخطاب وما جاء فيه من أفكار..

خطاب تصحيح :
أول ما لفت اليه البرهان في خطابه يوم ٢٥ أكتوبر هو أن ما حدث تصحيح مسار وليس انقلاباً، وبرر قيام القوات المسلحة بذلك من منطلق أنها السلطة المؤسسة للفترة الانتقالية ومسؤوليتها الوطنية في حماية أمن وسلامة البلاد، كما ورد في الوثيقة الدستورية في الفترة الانتقالية وقانون القوات المسلحة، الخطاب اعتبر أن البلاد تمر بخطر أصبح يهدد أحلام الشباب ويبدد أمال الآمة في بناء الوطن، نتيجة لتشاكس بعض القوى السياسية وتكالبها نحو السلطة والتحريض على الفوضى والعنف بحسب ما قيل وهذا جعل القوات المسلحة والدعم السريع والأجهزة الأمنية الأخرى تستشعر الخطر وتتخذ الخطوات التي تحفظ مسار ثورة ديسمبر حتى بلوغ أهدافه النهائية في الوصول لدولة مدنية كاملة عبر انتخابات حرة ونزيهة.
لكن كما هو معلوم أن القوى السياسية غير الداعمة للانقلاب حينها، رفضت هذه الحجج، واعتبرت ما ورد في الخطاب بمثابة انقلاب كامل الأركان ودعت أنصارها لمقاومته واشترطت عدم الاتفاق أو الشراكة مع العسكريين الا بعد إنهاء الانقلاب.
وكان أهم ما ورد في خطاب البرهان، إعلان حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد التي تم رفعها بعد شهور للانقلاب وأرجعها في بعض مناطق النزاع المسلح مرة أخرى مثلما الحال بالنسبة لإقليم النيل الأزرق والتمسك الكامل والالتزام بما ورد بالوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية للعام 2019. واتفاق سلام السودان الموقع في جوبا في أكتوبر للعام 2020.
إضافة لتعليق العمل بالمواد 11- 12- 15- 16- 24- 3- 71- 72 من الوثيقة الدستورية مع الالتزام التام بالاتفاقيات والمواثيق الدولية التي وقعت خلال فترة الحكومة الانتقالية، حل مجلسي السيادة الانتقالي والوزراء وإعفاء أعضائهما، إنهاء تكليف ولاة الولايات، إعفاء وكلاء الوزارات، وتجميد عمل لجنة إزالة التمكين حتى تتم مراجعة منهج عملها، يستثنى من هذه الإجراءات أي التزامات واستحقاقات سلام السودان الموقع في جوبا في أكتوبر 2020، العمل على قيام الانتخابات العامة في يوليو من العام 2023 وتحسين معاش الناس، وتوفير الأمن والطمأنينة لهم، إكمال مطلوبات العدالة والانتقال، مفوضية صناعة الدستور، قيام مفوضية الانتخابات، مجلس القضاء العالي، المحكمة الدستورية، مجلس النيابة قبل نهاية شهر نوفمبر من العام الحالي، وإشراك الشباب والشابات الذين صنعوا الثورة في قيام برلمان ثوري.
تراجع:
بالنظر لما رد في خطاب البرهان يوم ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١م، نجد أن الوثيقة الدستورية التي أوصى الخطاب بالمحافظة عليها قد طالتها خروقات أدت للمطالبة بإلغائها وعملياً أصبحت مسودة دستور النقابة التسييرية للمحامين بديلاً مرتقباً للوثيقة بعد الموافقة التي حظيت بها من قبل كثير من القوى السياسية وشخصيات في مقدمتها نائب رئيس المجلس السيادي محمد حمدان دقلو الذي رحب صراحة بمسودة المحامين، فيما أعلنت قوى سياسية التقت البرهان عدم اعتراضه عليها وأنه أبدى رأياً إيجابياً، بل رشحت أنباء عن أن المسودة ستكون أساساً للتسوية السياسية المرتقبة حال اكتمالها وتستمد قوتها من دعم بعض الدول الخارجية.
أما اتفاقية جوبا التي شدد الخطاب على ضرورة الالتزام بكل بنودها، هناك كثير من الملاحظات عليها خاصة فيما يخص المسارات، إضافة للحديث عن أنها لم توقف الحرب، الخطاب أيضاً تحدث عن انتخابات في يونيو ٢٠٢٣م، لكن قد يكون الالتزام بهذا التاريخ أمراً صعباً على خلفية عدم الشروع حتى الآن في مطلوباتها مثل مفوضية الانتخابات وقانوها بجانب عدم البدء في عملية التعداد السكاني، كذلك لم تكون المحكمة الدستورية ولا البرلمان الذي قال البرهان في خطابه إنه سيشارك فيه شباب وشابات الثورة.
على صعيد الحالة الأمنية تشهد البلاد بعد عام من القرارات تدهور أمني مريع، كما يجري هذه الأيام في النيل الأزرق وغرب كردفان وقبلها كان في غرب دارفور، أما بالنسبة للتوافق الوطني فما زالت البلاد تقف عند نقطة خطاب ٢٥ أكتوبر الماضي حيث لا توافق يلوح في الأفق حتى الآن، هذه الملاحظات اتفق حولها المراقبون الذين أخضعوا الخطاب للتحليل والتشريح.
فشل في الممارسة:
وفي هذا الشأن يشدد المحلل السياسي والأكاديمي دكتور محمد إبراهيم على ضرورة قراءة خطاب البرهان من النواحي السياسية والأمنية والاقتصادية لمعرفة ما تحقق وما لم يتحقق، وقال: القواعد التي بني عليها الانقلاب كان في مجملها تصحيح مسار، وهذا يتطلب تعزيز المشاركة السياسية وإحداث توافق وطني على مستوى عالٍ، وتوفير الأمن والعيش للمواطن، وأكد أن ترجمة هذه المطلوبات على أرض الواقع كان (زيرو)، وأوضح إبراهيم في حديثه لـ(اليوم التالي) أن المشاركة السياسية تحولت من محاصصة مع مركزي الحرية والتغيير الى محاصصة مع الحرية والتغيير التوافق الوطني، ولم تشمل حتى الآن لجان المقاومة ولا المجتمع المدني، ولفت لوجود تشظٍ الآن داخل حاضنة الانقلاب وتباين في المواقف ونوه الى أن عقار والهادي إدريس لهما آراء مختلفة عن بقية حاضنة الانقلاب وهناك تشظٍ حدث داخل حركة عقار والعدل والمساواة، واستبعد حدوث توافق في ظل عدد المبادرات المطروحة للحل.
وفي سياق تحليله للخطاب تساءل دكتور محمد عن هل كانت هناك أسباب موضوعية للانقلاب وحصل بالفعل؟ وأجاب بقوله: من ناحية إجراءات أولية حصل لكنه عجز عن استكمال مهامه التي وردت في الخطاب، واعتبر أن الفاعلين فيه هم مجموعة مصالح، ودول إقليمية، ولفت إبراهيم الى الاختلافات التي حدثت بين المكونات نفسها وأضاف: مجموعة البرهان كانت ترى المضي في خطوات انقلاب عسكري من خلال تعيين مسؤولين عسكريين، لكن هذه التفكير وجدت صراعاً من آخرين داعمين للانقلاب.
والاختلاف بين المكونات الانقلابية وفقاً لإبراهيم أعاق ترجمة الخطاب على أرض الواقع، ونوه لوجود تمويه في الخطاب وإرضاء لدول خارجية اكثر من أنها قناعات بالعملية الديمقراطية واعترف بالثورة والثوار واختتم حديثه بقوله: هناك محاولة للتراجع عن الانقلاب بأقل التكاليف مع وجود ضمانات وأدرك بأنه كان قفزة في الظلام، نتيجة لعدم وجود رؤية متكاملة بين الانقلابين.
دعوة لفك الارتباط:
الأكاديمي المحلل السياسي دكتور حاج حمد لم يذهب بعيداً عن نقطة أن ما تضمنه الخطاب كان فيه إرضاء للخارج، حينما أشار في حديثه لـ(اليوم التالي) الى أن الانتصار الذي حققه الشباب في الشارع فرض على البرهان التراجع من حركة التصحيح الموسادية حسب قوله، معتبراً أنه ظل يستخدم أسلوب الموساد في قمع الثورة.. حمد يرى أن رئيس مجلس السيادة يعمل وفق تحالف دولي يصب في مصلحة المحافظة على أمن إسرائيل، وقال: هذه تركة مثقلة من الإنقاذ كانت تعمل مع دول مكافحة الإرهاب.
الحاج يرى أن الشارع هزم ما يقوم به البرهان بسبب سوء تقديره للشارع الذي كان أوعى من الحكومة والمصالح الحزبية، كما ذكر، وقال: إذا كان يريد إنقاذ البلد فعليه فك ارتباطها من أجندة مصالح دول مكافحة الإرهاب والعمل على إعادة الجيش للثكنات، وتكوين لجنة للتسليم والتسلم مثلما حصل في جبهة الهيئات قبل ذلك وغعادة الوثيقة الدستورية وتكوين البرلمان ليختار رئيس الوزراء وحكومة مهمتها التحضير للانتخابات.
كذلك لا يرى المحلل السياسي دكتور حسن الساعوري في إفادته لـ(اليوم التالي) أن الخطاب حقق ما ورد فيه من مطلوبات، مدللاً على ذلك بعدم تكوين مفوضية الانتخابات والمحكمة الدستورية، إضافة إلى الانفلات الأمني الذي ظلت تشهده البلاد في المركز وبعض الولايات.
هناك ثمة إشارات متطابقة في تحليلات المراقبين، أولها التراجع الذي حدث خلال العام لخطاب البرهان الذي ألقاه في يوم ٢٥ أكتوبر، أرجعه بعضهم لضغط الشارع الذي رفض الانقلاب فيما أرجعه البعض الآخر إلى عدم وجود رؤية متفق عليها بين الحاضنة السياسية، ويظهر ذلك في تلميحات ظل يطلقها دقلو مفادها أن القرارات لم يتم تنفيذها بالسرعة المطلوبة، بل وإن القرارات فشلت في تحقيق ما هدفت له، كذلك هناك من يرى أن الخطاب كان موجهاً لدول خارجية لذلك فشل داخلياً، كما أن التباينات التي حدثت داخل حاضنة الانقلاب قد تكون أدت إلى إعادة النظر في أشياء كثيرة والتفكير في تقديم تنازلات وما زال الباب مفتوحاً لتباينات أخرى لا سيما أن هناك اختلافات وسط المكونات العسكرية، وهناك مصالح الخارج وتوازنات الدول الإقليمية قد تلقي بظلالها على قرارات الانقلاب.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب