الجنرال العاشق عوض أحمد خليفة أربعة أعوام من الرحيل (غاية المحبة سلام)

الخرطوم: خضر مسعود
في الرابع والعشرين من أكتوبر الماضي مرت علينا الذكرى الرابعة لرحيل الشاعر المرهف صاحب المفردة المتميزة عوض أحمد خليفة، وهو شاعر صاحب مفردة خاصة ومتميزة، مترعة بالجمال والعاطفة الجياشة والدافقة، وهو صاحب مدرسة رومانسية مختلفة عن من جايله، رغم اشتغاله في السلك العسكري، حيث تخرج من الكلية الحربية وتدرج الى أن بلغ رتبة اللواء، ومن المعروف أن الشخصية العسكرية تمتاز بالحزم والبأس الشديد، لكن عوض أحمد خليفة استطاع أن يخلق شخصية أخرى غير التي عرف بها في المكاتب حسب حديث من اشتغل عنه في السلك العسكري.
أغنياته كانت تحمل شجناً خاصاً وعتاباً ناعماً ما حملنا على تسميته (الجنرال العاشق)، المتابع لأشعار عوض أحمد خليفة المغناة يلتمس خلالها مشروعاً أبداعياً مختلفاً، وأدباً في العتاب لم يكن موجوداً عند من سبقوه، يتمحور ذلك في (غاية المحبة سلام) والتي احتضنتها كلمات أغنية (عشرة الأيام) التي تغنى بها الراحل عثمان حسين، كانت تلك العبارة غاية المشروع الجمالي للشاعر عبر عنها في العديد من أغنيات، نجد أن مفردة (سلام) تكررت في أغنيات (خاطرك الغالي) المقطع الذي يقول:
حيران أسائل نفسي إيه كان السبب أصل الخصام يمكن يكون فى حقك اتلومت في ساعة ملام
لكن دة ما معقول يكون أنا قلبى ليك حفظ الغرام
ما أظن من عرف الهوى يعرف عداوة مع السلام
ويواصل في مشروعه مع المبدع عثمان حسين في أغنية “صدقيني” التي يقول فيها:
” من بعيد .. من بعيد تكفيني منك .. لفتة أو طيف ابتسامة
نظرة تفضح سر عيونك فيها نجواها وكلامها
فيها من معنى المحبة رقتها وخيرها وسلامها
فيها ما يغنيني طول أيامي عن سور الندامة”
كتب عوض أحمد خليفة تعبيراً دقيقاً وسلك طريقاً مختلفاً عن الحال السائد من اللغة الشعرية الغنائية.. وبالتأمل في أغنيات مثل: (ناكر الهوى).. (دنيا المحبة).. (عشرة الأيام) يجد نفسه أمام شاعر يرسم ولا يكتب.. فهو بارع جداً في تصوير حالته الشعرية من خلال حشدها بالتعابير السهلة، ولكنها في ذات الوقت عميقة ومتجذرة في الأرض..
لذلك يظل الشاعر اللواء (عوض أحمد خليفة) واحد من أنضج الذين كتبوا الشعر الغنائي، فهو رغم أنه لم يسلك درب الحداثة الممعنة في الرمز، ولكنه اختار مفردة جزلة وفيها الكثير من البراعة والتمكن.
كما أن عوض كان دفاق الحنين وتجلى ذلك في رائعته (نورا)
يا نورة لو دار الزمن لا بد تتلاشى القيود الجايرة تفرق كل حبيب مشتاق يغني حبيبو راد يا نورة حبات الأمل في قلبي كل صباح تزيد تكفيني ذكراك في الفؤاد لو عشت من بعدك وحيد يا نورة…
ويقول اللواء إبراهيم الرشيد عنه (شاعر متقن ومجدد ورقيق طوّع الكلمة وسكب فيها من عاطفته ما جعلها تنبض بالمعاني الزاخرة والصور الرائعة البديعة.. له دور كبير في إثراء مسيرة الشعر الغنائي بأروع الكلمات وأجمل القصائد التي خلدت في وجدان الشعب السوداني.. كتب الشعر منذ نعومة أظافره، وكانت أشعاره متميزة بما حوته من معانٍ وقيم، إلى جانب تلك الرومانسية الفائقة الناطقة عبر الحروف المنمّقة التي يتجلى فيها صدق العاطفة ورهافة الأحاسيس والمشاعر تربع بلا منازع في قلوب العشاق وحلق بالأرواح في سماوات العشق والغرام، وأصبحت قصائده رقماً لا يستهان به في مسيرة الشعر الغنائي بالسودان وقد أثرى المكتبة الغنائية بالنفائس والدرر الخالدات.
الأستاذ الباحث محمد الشيخ قال في حديث سابق: (مثقف موسوعي) هي الصفة الملازمة للشاعر القادم من حقول شتى اللواء عوض أحمد خليفة، غير أن اللواء عوض لا يقتصر مشروعه الثقافي على الشعر وحده، والمؤكد أنه يهتم بكافة عمليات وإجراءات بث الوعي في الحياة المعاصرة، ولا يتورع في إعلان مشروعه الثقافي المتفرد في الأدب والسياسة والحياة، داعياً على مدى نصف قرن من الزمان، إلى ضرورة قراءة الشأن الثقافي قراءة موضوعية تربط بين مرجعه الداخلي ومراجعه الخارجية، ويرفض في انضباط عسكري صارم من يسعون إلى حياد سياسي زائف، ولا يريدون اتخاذ موقف مما يدور حولهم. لعلها تجليات العوض وداعة الله أحمد خليفة الذي بدا لي أنه يشتغل على مشروع ثقافي مركب خارج إطار النظريات السائدة، ففي الوقت الذي يكتب فيه قصيدة بحجم (عشرة الأيام) تراه منهمكاً في أطروحة أكاديمية لنيل الدبلوم العالي في اقتصاديات التعاون المركزية.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب