الشرطة المجتمعية: هل هي وجه آخر للنظام العام؟

وكيل نيابة: عودة النظام العام شبه مستحيل” في ظل التعقيدات التي تشهدها البلاد
خبير عسكري : مخاوف عودة النظام العام من الاستخدام السيء لانتهاك حقوق الإنسان
محلل سياسي : إنشاء الشرطة المجتمعية هو محاولة التفاف على غايات وأهداف الثورة
الخرطوم : فايزة اباهولو

أثار قرار عودة الشرطة المجتمعية جدلاً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي، وربط تلقائي بقانون النظام العام الذي تم إلغاؤه في بداية فترة الحكومة الانتقالية، وأوضحت الشرطة “بأن الهدف من إنشاء الشرطة المجتمعية نشر ثقافة المسؤولية المجتمعية بين أفراد المجتمع والعمل المنعي والوقائي، وقالت إن الشرطة المجتمعية ستعمل على مكافحة الجرائم و الحروب والنزاعات، و أنها تتطلب عملاً اجتماعياً وتوعويآ لمعالجتها بطرق مختلفة.
صحيفة ( اليوم التالي) استطلعت عدداً من المختصين والمهتمين بالقوانين والتشريعات حول مفهوم عودة الشرطة المجتمعية وعلاقتها بقانون النظام العام :
مسمى آخر
يرى عدد من المراقبين بأن قرار الشرطة المجتمعية هو عودة لقانون النظام تحت مسمى آخر، ووصفوا القرار بأنه التفاف على أهداف ثورة ديسمبر، وغير مقبول في هذه الفترة. ومعروف أن قانون النظام العام هو قانون يتعلق بمخالفات الذوق العام، و احترام القيم و العادات و التقاليد و الثقافة السائدة في الأماكن العامة، حيث يعتبر قانون النظام العام لائحة تنظم سلوك العامة، وله العديد من المواد، ويهدف للحد من مظاهر الإساءة، ويدعم الجهود التوعوية و التنظيمية التي تستهدف حماية و تعزيز الذوق العام في المجتمع. ‏
ذهب دون عودة :

وأوضح وكيل نيابة (فضل حجب اسمه) بأن القرار الذي صدر قبل أيام قليلة بإعادة إدارة الشرطة المجتمعية أو النظام العام؛ اعتقد البعض بأن هذا يعني عودة قانون النظام الذي سبق، والذي تم إلغاؤه على يد وزير العدل الأسبق نصرالدين عبدالباري، والحقيقة أن قانون النظام ذهب دون عودة، ولا مجال لعودته إلا بسن قانون جديد قائلاً في حديثه ل (اليوم التالي)”هذا الأمر شبه مستحيل” في ظل التعقيدات الدستورية التي تشهدها البلاد، بعدم وجود مجلس تشريعي لسن القوانين.
أدوار منعية :
وأكدت مصادر مطلعة بأن الشرطة المجتمعية ستقوم بأدوارها المنعية، بجانب منع الظواهر التي عالجها القانون الجنائي مثل المواد (77-78-79-69) المتعلقة بشرب الخمر وتجارته والإزعاج العام والإخلال بالسلامة والأمن العام، إلى جانب المواد المطلقة من مكافحة النهب والسرقة والمواد المتعلقة بتعاطي المخدرات وتجارتها التي باتت تشكل خطراً ومهدداً أمنياً على البلاد.
ضبط الحرية الشخصية

فيما يرى الخبير العسكري أمين مجذوب في حديثه ل( اليوم التالي) بأن الشرطة المجتمعية تعني النظام العام وقرار عودتها لمحاولة كبح التصرفات التي ظهرت ضد قيم وموروثات الشعب السوداني؛ التي كان سبب ظهورها الحرية بعد الثورة والانفتاح المجتمعي.‏
واعتبر مجذوب بأن الوضع الحالي – أمنياً واجتماعياً – يستلزم ضبط بعض التصرفات التي تسيء لمفهوم الحرية الشخصية، مؤكداً بأن الانتقال الديمقراطي يحتاج إلى تغيير في القوانين والمفاهيم وتدريب إدارات الدولة لمواكبة ذلك التغير، موضحاً بأن سبب مخاوف الشعب من عودة النظام العام هي أن تستخدم السلطات الصلاحيات لانتهاك حقوق الإنسان.
محاولة التفاف
ويرى المحلل السياسي مصعب الهادي.. أن عودة شرطة النظام العام أو مايعرف بـ الشرطة المجتمعية، هي محاولة التفاف على غايات وأهداف ثورة ديسمبر المجيدة، بل تعتبر ردة لما تحمله من دلالات عقيمة تجاه المجتمع، وتابع مصعب بقوله : محاولة التبرير من قبل مكتب الشرطة عقب ردة الفعل بأنها شرطة مجتمعية لحفظ الأمن لا تشفع بقبولها، لكونها لن تخرج من التجربة السابقة التى أثبتت فشلها، وخلفت من بعدها الكثير من الأزمات والضحايا، وذلك لمنح صلاحيات تقديرية لأفراد أقرب للأهواء في الحكم، وأضاف مصعب.. الحد من الجريمة وحفظ الأمن ومكافحة الجريمة هو من ركائز الشرطة الجنائية؛ مايعني أن الشرطة المجتمعية القصد منها انتهاك خصوصية المواطنين بمداهمات وحملات للتسلط والبطش وهذا غير قانوني ومرفوض، وقال الهادي، إن عودة النظام العام في ثوب جديد لن يوقف قطار الثورة ولن يثبت كرسي أحد، بل تعتبر بداية للتضييق على الحريات والاستمرار في ارتكاب انتهاكات ضد المواطنين، وهذا ما لن يكون في السودان الجديد الذي يحترم المواطن وحقوق المواطنة.
عودة العافية ‏
فيما جاءت آراء بعض المواطنين مع القرار وآخرين ضده، فرأى المواطن عبدالعزيز حامد، بأن الشرطة المجتمعية تعني مشاركة المواطن مع الشرطة في درء الظواهر السالبة واستتباب الأمن، وجعل المواطن شريكاً ًأصيلاً في العملية الأمنية، وأشار عبدالعزيز إلى أن عودة النظام العام تعني عودة عافية الشارع العام من ناحية ذوق عام وانضباط ومحاربة بعض العادات الدخيلة على المجتمع السوداني ذي القيم الأصيلة، وتعتبر عودة الشرطة المجتمعية أو النظام العام ليس لتقييد الحريات والبطش بقدر ماهي لضبط بعض المظاهر الخادشة للحياء والذوق العام، مثلاً انتشار الكافهيات وانتشار المخدرات والدعارة على مرأى الجميع دون رقيب او حسيب، فكان لابد من فرض هيبة الدولة لضبط هذه العادات الدخيلة، مع إشراك المواطن في الأمر، وقال إن سبب مخاوف المجتمع من عودة النظام العام هي ليست مخاوف بالمعنى الصريح، بقدر ماهي توجس من أخذ قانون النظام العام لتمرير أجندة أخرى كتضييق الحريات، موضحاً بعد صدور قرار عودة الشرطة المجتمعية حسب القراءة الأولية لآراء المواطنين؛ وجد ارتياحاً وقبولاً للقرار خصوصاً لبعض المواطنين المتضررين، مثل منطقة العمارات من وجود الكافيهات أو مايسمى (بالجمبات) لما يوجد فيها من تصرفات لاتليق بقيم وسماحة الشعب السوداني.
ارجاع العلاقة

*‏وقال عضو المكتب التنفيذي لتجمع لجان الحاج يوسف؛ وائل محمد عبدالرحيم، ل(اليوم التالي) قرار عودة الشرطة المجتمعية له العديد من الأسباب بعد ثورة ديسبمر، لأن القوة الشرطية اتخذت موقفًا ضد الثورة، وذلك لأن أذرع النظام المخلوع كانت مسيطرة عليها، وولاؤها لم يكن قومياً، مما أدى لفجوة كبيرة بينها وبين المواطن، وبهذا القرار تحاول إرجاع هذه العلاقة الوطيدة مابين المواطن والشرطة عن طريق التعاون الأمني.
تفلتات أمنية :
وقال وائل عبدالرحيم عضو لجان المقاومة بالحاج يوسف إن تقاعس أفراد الشرطة عن أداء دورهم ساعد في تفشي الجريمة داخل الأحياء مما سبب تفلتات أمنية في الطرق العامة وداخل الأحياء، وأصبحت تحتاج إلى تعاون شعبي لحسمها، وأضاف.. في نظري وعلى حسب تجربتي مع مدير شرطة شرق النيل حين طرحنا عليهم تكوين الشرطة المجتمعية ومتابعة ملفاتها قابلنا بالبرود والتهرب مما يدل أن هناك غرضاً سياسياً خفياً حاليًا في هذه الفترة؛ وراء تكوين الشرطة المجتمعية، لذلك نحن ضدها جملة وتفصيلاًِ، وأضاف.. الفرق بين النظام العام والشرطة المجتمعية هو أن قوات النظام العام جزء من هيكل الجهاز الشرطي بموجب تكوينها وتملك صلاحيات وسنداً قانونياً مثل بقية الأقسام، ويتم الاستيعاب لها عن طريق الانتداب من باقي الهيئات الأخرى المختلفة مثل هيئة الاحتياط المركزي والنجدة والعمليات أو من خلال فتح باب للتقديم وفق شروط معينة، ومن ثم إخضاعهم للتدريب و توزيعهم ومزاولة مهامهم ، أما الشرطة المجتمعية فهي في الأساس تعاون مابين الجهاز الشرطي والمواطن، وطريقة تكوينها تكون بتعاون لجنة الحي والقسم المختص بالدائرة الجغرافية المعينة، ومهامها محدودة ولا تملك تسليحاً أو زي معين أو إذن باستخدام أي نوع من أنواع الأسلحة .
مخاوف من الشرطة :
واعتبر المحامي مجاهد عثمان – في حديثه (لليوم التالي) – بأن الشرطة المجتمعية هي إدارة داخل وزارة الداخلية الغرض منها محاربة ظواهر محددة كالجرائم السريعة من نهب وغيره، وتم تشكيلها الآن لمجابهة الظواهر السالبة في المجتمع، وأكد مجاهد في حديثه بعدم عودة قانون النظام العام لعدم وجود جهة تستطيع سن هذا القانون، والجهة الوحيدة التي لها الحق هي البرلمان الذي لم يتم تشكيله حتى اليوم، وقال مجاهد بأن مخاوف الشعب ليس من عودة النظام العام، وإنما من إجراءات عمل شرطة النظام العام قائلاً.. “أفراد الشرطة متهورين في طرق اجراءات القبض ومداهمة المنازل وانتهاك الخصوصية بسبب القانون الذي يعطيهم هذه المساحة وخاصة في مواد القانون الموجودة في القانون الجنائي لسنة ١٩٩١.

سوء فهم

و قال المحامي أحمد السنوسي ل (اليوم التالي) بأنه يؤيد قانون النظام العام لأنه يهتم بضبط السلوك في الشارع العام ولا يخلو مجتمع في العالم من قانون النظام العام.
وقال السنوسي بأن هناك سوء فهم حول القرار الذي صدر، وهو يتحدث عن الشرطة المجتمعية بينما قانون النظام العام تم إلغاؤه مع بداية الحكومة الانتقالية وهو الآن غير سارٍ، ولايعود إلا بجهة معينة لها الحق أن تعيده؛ وهي المجلس التشريعي، وهو غير موجود الآن ، وأن الشرطة المجتمعية تعمل وفقاً لقانون النظام العام، وتساءل (السنوسي) عند القبض على شخص لديه مخالفة نظام عام، وهو ملغي بأي قانون يتم الحكم عليه .
انقسام مجتمعي :
فيما انتقد محامو الطوارئ قرار الشرطة المجتمعية وقالوا بأن تكوين الشرطة المجتمعية في الإطار الراهن وسريان مرسوم الطوارئ يأتيان لمزيد من الانتهاكات الحقوقية وإذكاء الانقسام المجتمعي، وقال تجمع محامي الطوارئ.. لا شرعية دستورية أو قانونية لعودة النظام العام وقانونه، مؤكدين على مواصلتهم في رصد الانتهاكات الحقوقية والقانونية والتصدي لها.

سيء الذكر
فيما جاء تعليق مدير الشركة السودانية للموارد المعدنية مبارك اردول، في تدوين له على صفحته بالفيس بوك بأن الشرطة إذا صح هذا التصريح من الشرطة فهو عودة للنظام العام سيء الذكر، وهو أمر خطير وغير مقبول ولايمكن السكوت عنه، الشرطة كجهة تنفيذية لا تملك حق التشريع للمواطنين وتحدد كيفية اللبس وطريقة حياتهم، هذا عمل البرلمان والجهات التشريعية التي يفوضها الشعب وهي المخولة بسن القوانين والتشريعات، ولقد جرب النظام السابق التضييق على حياة الناس بهذه الطريقة، وكانت النتيجة سقوطه المريع، وموقفنا مبدئي تجاه الحريات لايمكن التنازل عنها مهما كانت الظروف”.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب