ما جدوى المظاهرات

توفيق محمد أوشي
1
نظرياً يمكن تقسيم القائلين بعدم جدوى المظاهرات الى مجموعتين، الأولى لا تطيق صبراً للنضال البطئ المتراكم وبدلاً عنه ترغم في النتائج الحاسمة والعاجلة. أما المجموعة الثانية فهي ترغب في بث اليأس والاستسلام لصالح السلطات الحاكمة حتى تعمل على وأد الثورة. وكلا الاتجاهين خاطئ فالاتجاة الأول يرتكز على البديل الوحيد للكفاح السلمي وهو النضال المسلح وقد جربنا ذلك أيام حكم البشير فقد أضعف الكفاح المسلح نظام البشير ولم يسقطه ولم يغادر البشير السلطة إلا بعد خروج الجماهير إلى الشارع، أما الاتجاه الثاني، فقد ثبت عملياً بأنه اتجاه معزول ويسعى لإيجاد موطئ قدم له ببث الإحباط أو الحوار مع السلطة أو الانتخابات المبكرة، وبغض النظر عن استعداد الحكومة لإجراء الانتخابات يظل السؤال قائماً: حوار مع من؟ هل مع الذين تحالفوا مع المؤتمر الوطني حتى لحظة سقوط نظامهم. ولماذا تم حل المؤتمر الوطني إذا كنا نعتبر حلفاءه من العناصر الوطنية؟
الانتخابات تعني نهاية فترة وبداية أخرى جديدة ينفذ فيها الحزب الفائز برنامجه وهذا حقه، الانتخابات بالضرورة تقضي على الفترة الانتقالية بكل برامجها وأشواقها وهذا يعني القضاء التام على ثورة ديسمبر.
لا خلاف بين القوى الثورية حول شعارات ثورة ديسمبر ونلخص منها الآتي: (المجلس التشريعي، رئيس القضاء، النيابة العامة، المفوضيات، والمحكمة الدستورية) يأتي الخلاف في تنفيذ برنامج الثورة، شق يرى أن تنفيذ هذا البرنامج لا يأتي الا بمعادلة الثورة المضادة وهذا يعني أن تستقر الأموال المنهوبة في جيوب ناهبيها، واستمرار التمكين، والشق الثاني يرى أن الثورة المضادة تقوى بالملاطفة ولا سبيل الا بالمواجهة وتنفيذ أهداف الثورة.
٢
المظاهرات والاحتجاجات جلبت فوائد كثيرة للشعب السوداني نذكر منها،
١- عجزت الدولة أن تفي بتعهداتها وخاصة فيما يتعلق بالمجلس التشريعي والجهاز التنفيذي.
٢- تجمدت أعمال الدولة في الأيام الأولى لانقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١م بحل لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو وإعادة الأموال والمفصولين ولم تستطع أن تفعل أكثر من ذلك.
٣- توقفت نشاطات الدولة في نقطة معينه بعد أن حاصرتها المظاهرات والأزمة الاقتصادية فأصبحت لا تستطيع التقدم للأمام ولا أن تتأخر للخلف بعد أن تراكمت عليها الجرائم المتعددة بعد ٢٥ أكتوبر.
٤- شعرت الدولة بالعزلة الداخلية بعد أن تم حصارها في ركن ضيق وانعكس ذلك في علاقاتها الخارجية التي انحصرت في الإمارات والسعودية التي لا ترغب في حكم ديمقراطي في السودان ومصر التي فوق ذلك ترغب في حكومة ضعيفة ذليلة لها وأمريكا التي تود محاربة النفوذ الروسي في البحر الأحمر وأفريقيا وتتودد من أجل ذلك للشعب السوداني.
٥- انتقلت الدولة من الهجوم على ثورة ديسمبر الى الدفاع عن نفسها بإستخدام العنف المفرط والاعتقالات لتمديد حياتها في الحكم.
٦- أصبحت الدولة تترنح وتتمايل لضربات الجماهير حولها والاحتجاجات ضد سياساتها.
٧- للقضاء على تباين وجهات النظر داخل الكبينة القائدة تم إبعاد المدنيين من مجلس السيادة ليبقى فقط العسكريون يحكمهم التراتب الوظيفي فقط.
٣
لأول مرة ترد عبارة (إلغاء القوانين المقيدة للحريات) في بيان رسمي لقحط (بالطاء) في ٥ يوليو ٢٠٢٢م بعد أن اعتقلت قيادة قحط وأصبح التنكيل دوماً ملازمة للنظام العسكري بعد ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١م ومن الواجب إدخال إلغاء كل القوانين المقيدة للحريات في مواثيق لجان المقاومة والأحزاب المناهضة للانقلاب العسكري.
هنالك فرق كبير بين إنهاء النظام العسكري وإسقاطه، حيث أن الإنهاء يعني إشراك قيادة الجيش بشكل أو بآخر وبطريقة مباشرة أو غير مباشرة (عبر لجنة الأمن والدفاع) ولذا يجب على قحط أن تكون دقيقة في استخدام المفردات.
٤
على كل القوى التي لا ترغب في الانضمام لقوى الحرية والتغيير لفقدان الثقة أو غيرها من الأسباب أن تنسق فيما بينها لقيادة الحراك الشعبي والنطق باسمها أو تبديلها لكل الجهاز، على التنظيمات القائمة الآن والتي ستقوم في المستقبل أن تنسق بدون ادعاء بأنها تمثل كل الشعب السوداني. وهذا يذكرنا بشعرة معاوية ونلاحظ هنا هذه الشعرة ارتخت، ولكن ما زال طرفها في يد القوى الأمنية ولن تسقط في يدها ما لم تستمر المظاهرات وتنتهي بالإضراب السياسي والعصيان المدني الشامل.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب