حكمة الكبار 

أما حكاية

حكمة الكبار

إيهاب مادبو

* تحتفظ الذاكرة الجمعية لشعبنا بالعديد من القيم والأمثال التي شكلت شخصيته وحددت ملامحها الاجتماعية والثقافية، ولا تختلف منطقة من مناطق السودان إلا، وكانت تلك الأمثال أكثر حضوراً حينما تشتد الخطوبن فيأتي دور “الكبار” محمولاً على تلك الأمثال “الماعندو كبير يقع البير”

* وأمس الأول اجتمع قادة طرفي الأزمة السياسية لمناقشة التطورات العسكرية بالبلاد والتي باتت مهدداً لنسف الدولة بعد حالة الاستقطاب والاستقطاب المضاد الذي اتخذ أبعاداً قبلية وجهوية مما يشكل ذلك تطوراً خطيراً للدولة.

* كنت في وقت سابق أتساءل دوماً في خضم الأزمة وتداعيات الحرب عن غياب الحكمة لقادة الفعل السياسي بالبلاد ومقدرتهم على امتصاص حالة التوتر العسكري الذي وصل مراحله المتقدمة بانتظار من يطلق الطلقة الأولى لتتحول البلاد إلى بركة من الدماء.

* غيب الموت معظم القادة المفكرين والذين لديهم المقدرة على امتصاص وتيرة التوترات وصعد لمسرح الأحداث جيل جديد من السياسيين ما زالت تتقمصهم شخصية أركان النقاش بالجامعات وتاكتيكات الخطاب السياسي المبني على التضاد ورفض الآخر مطلقاً.

* وحسنا نجحت قيادات الفعل السياسي أو بالأصح الكتلتان المتصارعتان في الجلوس ومناقشة خطورة الأوضاع وانعكاساتها العسكرية والسياسية على صيرورة البلاد، وقد خرج المجتمعون ليلة الاثنين ببيان ناشدوا فيه طرفي الأزمة العسكرية الى تحكيم صوت العقل وإبعاد شبح الحرب.

* ومن نافلة القول فإن التوترات العسكرية سببها الأساسي أو محركها هما الطرفان (مركزى الحرية والكتلة الديمقراطية) حيث تشير القراءات السياسية الماثلة إلى مناصرة كل طرف من الأطراف السياسية لجهة عسكرية والاستقواء بها وهو ما خلق حالة من التجييش العسكري والسياسي.

* وأصبحت بالتالي أطراف الأزمة بالبلاد على نحو (الكتلة الديمقراطية مع القوات المسلحة) و(مركزي الحرية والتغيير مع الدعم السريع)، وبالتالي فإن الاستقطاب بين الأطراف وصل حد الانفجار، خصوصاً وإنه في ظل هكذا أوضاع نشطت غرف إعلامية متخصصة في بث خطاب الكراهية والتطرف وشحن بطاريات الحرب.

* الخطوة التي أقدمت عليها الكتلتان يجب أن يقابلها كذلك التزام من الطرفين العسكريين بالالتزام التام بما خرج به الاجتماع لأنه يؤسس لفعل سياسي جاد في المرحلة المقبلة قد يبطل مفعول الحرب ويعالج حالة تعثر الانتقال الديمقراطي وتكوين الحكومة المدنية.

* ليس هنالك متسع من الوقت بما يكفي من التسكع السياسي والمماحكات لأن الحالة السودانية مثل حبات العقد إذا ما انفرطت إحداهن فإنه يصعب على “اللقاط” جمعه، كما كان في السابق.

* الخطوة يجب أن تسبقها خطوات أخرى بعقل سياسي مفتح وتفكير خارج الصندوق في الجلوس حول برنامج مائدة مستديرة لمناقشة قضايا الانتقال السياسي والعدالة الانتقالية والسلام والدمج والإصلاح العسكري قبل التفكير في السلطة والحكم

* لقد جرت العادة أن النخبة السياسية دائماً حينما تفكر في السلطة فإنها تغفل التفكير في الدولة وبالتالي فإن سقوط السلطة يأتي دائماً نتيجة اختلال في العلاقة ما بين الدولة والسلطة فتستجير النخبة السياسية بالمؤسسة العسكرية في إحداث التغيير السياسي بالبلاد ثم تحاول بعد ذلك الى اختزال دور المؤسسة العسكرية في الوظيفة السياسية وهو ما حدث في أكتوبر وأبريل وديسمبر.

* من واقع حال السودان وتعقيدات الأوضاع فيه فإن أي مشروع سياسي يسعى لإبعاد الجيش في الوقت الراهن هو مغامرة سياسية غير محتملة العواقب وهو الأمر الماثل الآن في تجليات الأزمة السودانية وتطوراتها الخطيرة على الأوضاع بالبلاد.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب