مستشار حمدوك السابق دكتور أمجد فريد لـ(ليوم التالي): (1) العملية السياسية ستنتج حكومة ضعيفة

حمدوك لا يرغب في العودة وما يثار صراع سياسي ليس معنياً به
الحرية والتغيير استبدلت المجلس التشريعي بالمجلس المركزي.. وخضع لتحالفات شخصية
حوار: فاطمة مبارك ـ محجوب عيسى
بعد إعلان القوى المتفقة على الاتفاق الإطاري بحضور المسهلين، مواقيت التوقيع النهائي على وثيقة الاتفاق والدستور الانتقالي وتشكيل مؤسسات السلطة، بدا واضحاً أن هذه الأطراف قررت المضي قدماً في هذا المسار لتقديرات قد تكون لها مبرراتها، ويجيء هذا الإعلان في وقت ما زالت الحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية تتمسك بعدم المشاركة إذا لم تتاح الفرصة لكل الكتلة، دون استثناء ومن غير المستبعد أن تصل الأطراف المختلفة لاتفاق قبل المواعيد المضروبة للتوقيع على الاتفاق النهائي، خاصة أن هناك لجنة كونت لمتابعة هذا الأمر، رغم ذلك هناك من رسموا صورة قاتمة للأوضاع حال تم تجاوز الرافضين.
والسؤال المشروع: هل سينتهي الجدل القائم حول رفض المركزي لانضمام كل أحزاب وتنظيمات الكتلة، أم ستتكون الحكومة من الأطراف المتفقة فقط؟، وإلى أي مدى يمكن أن تحقق هذه الحكومة الاستقرار وإنهاء الأزمة السياسية وكيف يمكن قراءة الأوضاع الراهنة.. (اليوم التالي) أجرت حواراً شاملاً مع مستشار رئيس الوزراء السابق دكتور أمجد فريد، وطرحت عليه هذه التساؤلات، كما ابتدرنا الحوار بالسؤال عن تقييمه لتجربة حكومة دكتور حمدوك والتحديات التي واجهتها وما حققته من نجاحات، وسألناه كذلك عن تقييمه للأوضاع السياسية الراهنة ومواقف القوى السياسية، واتسمت إجابات دكتور أمجد بالصراحة والوضوح والشفافية، وطرح أفكاراً جريئة لامست أسباب الأزمة ومن بعد ذلك قدم أمجد رؤية عميقة للخروج من منها.. وبالحوار الكثير المثير فإلى مضابطه..

# نبدأ حوارنا معك بالسؤال عن تقييمك لحكومة د. حمدوك؟
عموماً فترات الانتقال ليست لها خارطة طريق معبدة، لذلك تمر بطبيعتها وطبيعة الحال بالأزمات الكثيرة وتقلبات، الشاهد أن حكومة د. عبدالله حمدوك منذ تأسيسها في أغسطس حتى انقلاب 25 أكتوبر٢٠٢١م مرت بمراحل كثيرة حققت نجاحات مقدرة، بطبيعة المهام الموكلة لها.
# البعض يرون عكس ذلك ما تعليقكم؟
في تقديري سقف التوقعات كان كبيراً، لكن حكومة حمدوك سواء كانت الأولى في أغسطس 2019م أو الحكومة الثانية في فبراير 2021م والتي انتهت في 25 أكتوبر 2021م حققتا نجاحات في مجال الإصلاح الاقتصادي ورفع العقوبات والتخلص من إرث الإنقاذ في عدائها مع العالم.
# لكن عملياً المواطن لم يشعر بانفراج اقتصادي ما ردكم؟
هناك كثير من البرامج كانت تحتاج ثمارها لظهور، برنامج الإصلاحات الاقتصادية على سبيل المثال بدأ من بداية الحكومة، لكن لم تظهر ثماره، إلا في شهر أبريل بعد مجيء الحكومة الثانية التي عاشت (8) شهور على نتائج البرامج التي تم عملها في الحكومة الأولى.
# برامج مثل ماذا؟
كانت هناك برامج مهمة جداً، مثل برامج إصلاح الخدمة المدنية، والتدخلات في بعض القطاعات مثل الكهرباء، هذه لم يتاح لها الزمن الكافي، حتى تظهر ثمارها، بالنسبة لبرنامج الخدمة المدنية انتهى الجزء الأول الخاص بالتقييم، وتم تقييم لكامل قطاع الخدمة المدنية، شمل، الموظفين، التدريب، التأهيل، التوزيع والإعداد، هذا التدخل حدث في الفترة الأولى واستمر تقريباً من أغسطس 2020 حتى مايو 2021.
# لكن يبدو أن هذا البرنامج لم يستمر أليس كذلك؟
الجزء الثاني من البرنامج، لم يرَ النور نسبة، لتحول التركيز في برامج الفترة الانتقالية من برامج الإصلاح إلى تنافس سياسي مباشر.
# هل معارضة الحاضنة السياسية لسياسات حمدوك خاصة الاقتصادية، كانت من ضمن الأسباب التي أدت لضعف الفترة الانتقالية؟
(ما في حاجة) اسمها حاضنة سياسية، الحاضنة السياسية عملتها الحرية والتغيير (لتهرب) من المجلس التشريعي، الدولة الحديثة أجهزتها تشريعية وتنفيذية وقضائية، هناك سياسيون بطبيعة عملهم ودورهم يتصارعون على المناصب، الفترة الانتقالية جهاز الدولة فيها كان ممثلاً في المجلس السيادي ومناصبه شرفية، مثلما نصت الوثيقة الدستورية، لكنها لم ترَ النور على أرض الواقع وفيه جهاز تنفيذي يمثله مجلس الوزراء وجهاز تشريعي وهو المجلس التشريعي الانتقالي.
# ما الأسباب الحقيقية وراء عدم تشكيل المجلس التشريعي؟
كان يفترض أن يتم تكوينه، لكن الحرية والتغيير المجلس المركزي حاولت استبدال المجلس التشريعي الذي يفترض أن يضم 300 شخصاً بالمجلس المركزي الذي ضم (25) شخصاً، وخضع للتوازنات والتحالفات السياسية، وفي فترات كثيرة كانت تحالفات شخصية، (منو صاحب منو ومنو واقف مع منو)، بدلا ًأن تكون مبنية على برامج وهذا أدى مثلما قلت في سؤالك، إلى أن الحرية والتغيير في أوقات كثيرة أوقفت الإجراءات الاقتصادية، فعلياً، وإجراء الإصلاح الاقتصادي من يناير 2020م إلى فبراير 2021م
# ماذا حدث بعد ذلك؟
بعد مجيء الحكومة الثانية في فبراير أول قرار اتخذه مجلس الوزراء الجديد، كان تطبيق السياسات التي تم إيقافها قبل 14 شهراً.
# ما تأثير ذلك الإيقاف على السياسات الاقتصادية حينها؟
كانت هناك كلفة مادية تمثلت في ارتفاع سعر الدولار في السوق الموازي من 80 لـ400 جنيه، وكسر القرار لو كان تم اتخاذ القرار في ذلك الوقت، كان السعر سيرتفع من 50 إلى 80 أو 120، لكن تم اتخاذه عندما وصل سعر الدولار 450 إلى 550 .
# رغم ذلك بعض من تقلدوا مناصب من الحرية والتغيير، يعدون تحسن الاقتصاد من ضمن إنجازاتهم؟
وزير شؤون مجلس الوزراء لما تكلم وتغنى بنجاح الحكومة في الإصلاح الاقتصادي، الجزء الذي لم يذكره، أنه عندما لم يكن في الحكومة وكان في الحرية والتغيير أوقف هذا الموضوع، الأمر الذي أدى لزيادة تكلفته قرابة أربع مرات، لكن الحرية والتغيير لا تريد أن تتعلم أو تتذكر شيئاً، ويقول عملنا تقييم، أنت عملت تبرير وليس تقييماً.
# يتحدث البعض عن خلافات داخل مركزي التغيير، ما حقيقة ذلك؟
الخلافات السياسية شيء طبيعي، لكن خطيئة الحرية والتغيير أنها لم تكوِّن المجلس التشريعي، حتى انتهت الفترة الانتقالية بسبب انقلاب العسكر في 25 أكتوبر حيث تحركت قوات تابعة للجيش معها قوات تابعة للدعم السريع وقوات تابعة لحركات مسلحة أخرى.
# العسكر قالوا اختلافات الحرية والتغيير دعتهم للانقلاب؟
المشاكل السياسية ليست مبرراً للانقلاب، وما حدث في 25 أكتوبر وأدى لإنهاء الفترة الانتقالية كان انقلاباً عسكرياً، يتحمل خطيئته البرهان وحميدتي ومن التبعات التي ترتبت على هذا الخطأ إيقاف الانتقال والإصلاح في السودان واستشهد فيه (130) شخصاً وحدث انهيار اقتصادي وانفلات أمني، والمكون العسكري، قال نحن نحفظ الأمن، ولم يحفظ الأمن لا في دارفور ةلا في كردفان ولا في بورتسودان، بل تفاقمت أزمات الجهاز التنفيذي.
# الآن مركزي التغيير حدد مواقيت لما أسماه نهاية العملية السياسية، كيف تنظر لما يتم بشأنها؟
العملية السياسية لها أهداف واضحة، المشكلة ما تفعله الحرية والتغيير الآن وأاجبرت الجميع للمضي فيه، لا عملية سياسية ولا مساومة ولا شراكة.
# ماذا تسميه إذن؟
هذا تلهف للعودة والسيطرة على الجهاز التنفيذي، دون إيجاد حلول حقيقية للمشاكل والأزمات التي أدت للانقلاب، العملية السياسية ستمضي باتجاه إنتاج حكومة ضعيفة موزعة الولاءات، وتعدد مراكز اتخاذ القرار، الذي كان قبل ذلك السبب الأساسي لانقلاب 25 أكتوبر.
# هل هناك أسباب أخرى؟
الأخطر من ذلك مع تعدد مراكز القرار، هناك حاجة مسكوت عنها، وهي تعدد الجيوش، يوجد جيش كبير يضم قرابة (3000) ألف، مقابل حاجة ثانية اسمها الدعم السريع موجود بصورة غير طبيعية، داخل جهاز الدولة ولا توجد رؤية واضحة للحل، وهناك تمدد لطموحات قائد الدعم السريع واحتدام بينه وبين الجيش.
# ماذا يريد برأيك؟
الطموحات السياسية لدى قائد الدعم السريع وصلت مرحلة أن يتحالف مع مركزي الحرية والتغيير ويقول إنه مع الديمقراطية، تجاوز هذه المرحلة للتدخل في أفريقيا الوسطى وفي الساحل، فالخطورة تكمن في خلق شخص لديه مملكة اقتصادية خاصة به، ويمارس نشاطاً اقتصادياً خارج نفوذ الدولة ولديه جيش قطاع خاص.
بالعودة للعملية السياسية ما تقييمكم لها حتى الآن؟
العملية السياسية تحولت للحصول على نفوذ في السلطة ولا توجد سيطرة كاملة على أجهزة الدولة، أساس تعريف الحكومة في الدولة الحديثة، أنها الجهاز الذي يسيطر على أدوات العنف، الجيش منح استقلالية من الجهاز التنفيذي، بأن يكون القائد العام تحت رئيس الدولة الذي له سلطات شرفية وليس تحت رئيس الوزراء.
والإطاري يقول الدعم السريع جزء من القوات المسلحة، وتحت قيادة رئيس الدولة وهذا فعلياً، (جيش موازٍ).
ماذا عن الإصلاح الأمني والعسكري؟
بالنسبة للإصلاح الأمني والعسكري تم حصرها في دمج الدعم السريع خلال سنتين وحميدتي يقول (٢٠) سنة وهناك تفاوض حول ٦ أو١٠ سنوات وهذا الكلام ليس مبنياً على أعداد ضباط الجيش ولا على عدد ضباط الجيش المسرحين من القوات المسلحة.
في ٢٠١٩م كان هناك إحساس بأن تتم معالجة القضايا (قدام) لكننا اكتشفنا أنها لن تعالج الأفضل أن تأخذ العملية السياسية وقتها حتى تخرج بنتائج.
الحاجة التانية العملية السياسية أصبح هدفها ليس إنهاء الانقلاب، أو استعادة المسار الديمقراطي، إنما هو تكوين الحكومة التي تكلم عنها البرهان منذ أول يوم، وليس مهماً سلطتها ومهامها، وإنما المهم تشكيل حكومة حتى الوسطاء أصبحوا يستخدمون مبررات غير موضوعية، يقولون تشكيل الحكومة من أجل عودة الدعم الاقتصادي.
# بعد إعلان موعد توقيع الاتفاق النهائي، هل تتوقع أن يتنازل مركزي التغيير عن شرط عدم توقيع كل الكتلة الديمقراطية؟
الذين يتفاوضون الآن ليست لهم مشكلة، وزير الاتصالات في العهد البائد يجلس الآن مع مركزي الحرية والتغيير. الحرية والتغيير اليوم ليست هي الحرية والتغيير في ٢٠١٩م، هناك أشخاص لا يمثلون غير أنفسهم وبها أشخاص وكيانات انضمت بعد الاتفاق.
العملية السياسية أصبحت دون معايير لذلك القصة (جايطة).
# كثر الحديث عن عودة حمدوك رئيساُ للوزراء حتى من قبل شخصيات محسوبة على مركزي التغيير، بحكم ـنك كنت مستشاره ما مدى صحة ذلك؟
هذا الحديث يطلق في إطار الصراع حول السلطة، د. حمدوك ليس معنياً به وليست له الرغبة الشخصية في العودة في ظل هذا الوضع، الذي يعاني من أزمات لن تحلها العملية السياسية.
# إذن أنت تنفي عودته؟
من خلال معرفتي بحمدوك، لديه الرغبة في تقديم مساعدات حقيقية تقود لحل وطني، ولا أعتقد لديه الرغبة في العودة وممارسة دور في الجهاز التنفيذي أو الجهاز السيادي في ظل هذا الوضع .
ولا أعتقد أن د. حمدوك خيار مطروح، ثانياً هناك معارك تدور في موضع آخر وتستخدم عودة حمدوك ساتر، وإذا لم تتوقف الحرية والتغيير عن وهم أنها تريد نفوذ في العملية السياسية القادمة، سيتمدد العسكريين ويطول أمد الانقلاب.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب